في نهاية المطاف وعبر مراحل السلم التعليمي تستهدف التربية أن تخرج لنا مواطنًا صالحًا، يمتلك قيم المجتمع النبيلة، ومجموعة الخبرات التي تجعله منتجًا نافعًا، وهذا في مجمله يشكل استقرارًا مجتمعيًا وسياسيًا في آن واحد؛ فلا استقرار ولا مستقبل للسياسة وتحقيقًا لأهدافها التي تنسجم مع غايات الدولة العليا بعيدًا عن تربية سياسية صحيحة.
لقد أكدت قيادتنا السياسية الرشيدة على الدور التنموي للمؤسسة التعليمية؛ حيث إعداد أجيال يتحملون المسئولية ويشاركون في بناء المجتمع، ويحافظون على مقدراته، ويدعمون مؤسسات الدولة الوطنية في سائر مجالاتها وقطاعاتها، ويمتلكون من القيم، والمعتقد، والولاء، والانتماء ما يجعلهم مصطفين مرابطين حول وطنهم، كاشفين بكل وضوح ما قد يحاك به من مؤامرات، لديهم وعيٌ سياسيٌ عميق.
ونذكر بما أوردناه عن ماهية التربية السياسية التي تستهدف إكساب الفرد المعارف الممزوجة بالمفاهيم والمصطلحات السياسية في صورتها الصحيحة، سواءً أكان هذا الأمر مخططًا له، أم بصورة غير مقصودة من خلال مؤسسات رسمية وغير رسمية، أو عبر وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، أو بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي بتنوعاتها المختلفة؛ كي تنمو لدى هذا الفرد خبرات تتضمن قيمًا مجتمعية نبيلة ذات صبغة سياسية، ووجدان نقي تترجمها سلوكيات سياسية قويمة في مراحل حياته المختلفة؛ فيصبح مشاركًا فاعلًا في مجتمعة بما يؤدي به إلى التغيير نحو ما هو أفضل.
إن صقل الهوية القومية بكامل مكوناتها وعبر ثقافة شاملة لجميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، لا يتأتى بعيدًا عن تربية مقصودة من خلال المؤسسة التعليمية؛ فنحن في أشد الاحتياج لأن نعمق الانتماء ونؤكد الولاء في نفوس أبنائنا وننمي الاعتزاز بالوطن، ونحث على المشاركة التي تحقق الاستقرار السياسي وتعضد السلم المجتمعي، وتحث على أهمية الديمقراطية المسئولة، ومن ثم تسهم بدفع مسيرة النهضة وتحقيق ماهية الاستقلال بمفهومه الشامل الذي يقوم على فلسفة الاكتفاء الذاتي.
وتُسهم المؤسسة التعليمية في تنشئة الفرد سياسيًا من خلال ما تنظمه من أنشطة وفعاليات وفق مخططها اليومي؛ فهناك الاصطفاف عند التجمع، والنشاط الإذاعي والصحفي، وهناك أنشطة أسبوعية أو على مدار شهري كالأنشطة الرياضية بتنوعاتها، والرحلات، وفعاليات المسرح والفن، والاحتفالات القومية، ناهيك عن المسابقات التي تستهدف تنمية مهارات التفكير، وتنمية القيم النبيلة من خلال عقد الندوات التي قد تتضمن مناظرات تعضد أسس وآداب المناقشة والحوار.
وفي صورة مبهرة نجد تجمع الطلاب واصطفافهم بشكل منظم وبملابس موحدة من حيث الشكل واللون، وترديدهم بحماسة للشعارات الوطنية وتحية رمز الدولة (العلم)، مرورًا بمعرفة الأحداث الجارية عبر إذاعة هادفة تعمل على نشر الوعي من خلال معلومات صحيحة وأخبار من مصادر موثوقة، كل ذلك يساعد بفعالية في صقل المعرفة السياسية لدى الطلاب، ويصوب ما قد يتلقونه من مصادر أنماط الفهم الخطأ التي أضحت منتشرة وفي إمكان الجميع.
ويتطلب أن تتضمن المناهج التعليمية عمقًا معلوماتيًا يساعد في اكساب الطلاب خبرات ترتبط بالنسق القيمي للمجتمع والفكر الوسطي؛ بالإضافة للجانبين الاقتصادي والسياسي، وهذا الأمر له بعد وجداني مهم للغاية؛ إذ يستشعر الفرد مقدرات وطنه وما تبذله الدولة ومؤسساتها الوطنية من جهود من أجل تعظيم مواردها والحفاظ عليها والاهتمام بالتنمية البشرية والعمل المتواصل بغية توفير الاحتياجات والمتطلبات المجتمعية الآنية والمستقبلية.
ويقع على عاتق الأستاذ بشتى المراحل التعليمية مهام جسيمة تجاه تربية طلابه سياسيًا؛ إذ ينبغي أن يصمم الأنشطة والمهام التعليمية التي تتضمن بالضرورة لغة الشراكة والتعاون والإيجابية والديمقراطية وتحمل المسئولية والمشورة وتعضيد ماهية العدالة والمساواة والحرية المسئولية في سجايا تلك الأنشطة بتنوعاتها المختلفة التعليمية منها أو الإثرائية وحتى العلاجية، ومن ثم يعتاد الطلاب على الأسلوب العلمي في التفكير؛ فيصعب أن ينال منه المغرضون الذين يحاولون بأساليب مبتكره أن يزيفوا الوعي ويدعموا السلوك غير الصحيح في انتهاج الأسلوب السياسي في المجتمع.
وبما لا يدع مجالًا للشك فإن حب المتعلم للقراءة وشغفه تجاه مطالعة كل جديد يمكن من أن يعبر عن ذاته قولًا وكتابةً، ويتمكن من تفنيد ما قد يتعرض له من أكاذيب وافتراءات، وتنمو مواهبه، ويؤهل لأن يصيغ الخبر في صورته المحايدة، ويبتكر في مجال تخصصه؛ ليصبح رائدًا مثقفًا متعدد المواهب، ومن ثم يستطيع أن يمثل ويشرف وطنه على كافة المستويات الإقليمية والعالمية، وتلك رسالة سفراء الوطن في صورها المتعددة.
ونظرًا لتعدد أنماط الوعي لدى الفرد، ينبغي أن تحرص مؤسساتنا التعليمية على تنمية هذه الأنماط من خلال أنشطة الرحلات التي تستهدف المزارات السياحية والتي تأصل تاريخ وجغرافية الوطن في ذهن ووجدان المتعلم، وهناك الرحلات التي تستهدف الأماكن والصروح الصناعية والتي تعضد الانتماء والولاء للوطن ومؤسساتها؛ بالإضافة لتقدير جهود العلماء والمسئولين بالدولة واليد العاملة التي تستحق كل تقدير وإشادة، ناهيك عن الرحلات التي تستهدف دور الرعاية الاجتماعية والمستشفيات والأندية والتي تؤكد لدى الفرد دوره الفاعل والمتنوع في تقديم ما يستطيع تقديمه، بما يعمق روح التعاون والمحبة لديه.
إننا في احتياج لانعقاد مستمر لحوار وطني داخل مؤسسات التعليمية، يستهدف ويساعد في نشر الثقافة السياسية، ودعم الأساليب والطرائق الديمقراطية وأدواتها المشروعة، والعمل المقصود الذي يستهدف القيم الديمقراطية؛ لتنمو شخصية لديها رأي مستقل ذو فكر مستنير تهتم بقضايا الوطن وتحرص على المشاركة في حلها، وتستثمر ما لديها من إمكانيات وتحرص على مطالعة كل جديد في ميدان التخصص من أجل خدمة البلاد.
حفظ الله شعبنا العظيم ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية أبدَ الدهر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة