منذ 4 آلاف و650 عاما تقريبا، أسس الملك سنفرو الأسرة المصرية «الفرعونية» الرابعة، واختلف المؤرخون على فترة حكمه، هل هى 26 عاما وفق ما ذكره «مانيتون»؟ أم أنها 25 عاما حسب ما ذكرته «بردية تورين» الشهيرة؟ أم تكون 48 عاما طبقا ما دشنه حديثا عالم الأثار الألمانى، راينر ستادلمان؟ فى كل الأحوال ومهما كانت الإجابة، فإن الملك سنفرو - وحسب «حجر باليرمو» الذى ذكر الكثير عنه - كان مهتما بالنشاط العسكرى جنبا إلى جنب مع النشاط الاقتصادى.
الشاهد الأثرى حجر باليرمو، سجل وقائع تاريخية مهمة عن الملك سنفرو، ولمن لا يعرف القيمة التاريخية عن حجر باليرمو، فهو الجزء الأكبر من سبعة أجزاء متبقية من لوحة تذكارية كبيرة معروفة اصطلاحا باسم «الحوليات الملكية للدولة القديمة» والتى تحتوى على قائمة ملوك مصر من عصر الأسرة الأولى وحتى بداية الأسرة الخامسة، وتسجل أحداثًا مهمة فى كل سنة من سنين حكمهم، ونُحتت من حجر البازلت الأسود.
المؤرخون يذهبون إلى أن اللوحة نُحتت فى عصر الأسرة الخامسة، أى فى الفترة من 2392 حتى 2283 قبل الميلاد، والحجر محفوظ فى المتحف الأثرى الإقليمى فى باليرمو، أما بقية اللوحة فهى موجودة فى متاحف القاهرة ولندن، يكشف حجر باليرمو النشاط العسكرى للملك سنفرو، وكيف اهتم بتأمين الحدود الجنوبية والغربية والشمالية الشرقية، وكيف خاض معارك قوية لتأديب الأعداء جنوبا، وفى سيناء، لدرجة أن جيش مصر - تحت راية الملك سنفرو - حقق انتصارات كبيرة على الجبهتين، وعاد بغنائم كبيرة من الجنوب، منها 7 آلاف أسير، و200 ألف رأس من البقر والأغنام.
الملك سنفرو، أرسل أيضا حملة لتأمين الحدود الغربية، ودخلت إلى الليبو «ليبيا حاليا» واستقدم منها 11 ألف أسير و13 ألف رأس من الماشية، كما أرسل عدة حملات عسكرية كبيرة لتأديب الأعداء الذين كانوا يُغيرون على سيناء بغية السيطرة عليها بحثا عن مناجم الفيروز والنحاس، والاستيلاء على قوافل التجارة، ونجح نجاحا كبيرا فى تأديب الأعداء، وهناك نقش له على صخور جبل المغارة، يُظهر الملك سنفرو وهو يؤدب الأعداء، ويبرز كم كان الملك يستحق التبجيل والاحترام كونه حامى حمى سيناء من الأعداء، ووضعت صورته جنبا إلى جنب مع المعبودتين حتحور وسوبد.
الشاهد أن حكام مصر - ومنذ بداية العصور التاريخية - اهتموا بتأمين الحدود، وأرسلوا الحملات العسكرية لتأديب كل من تسول له نفسه محاولة الإغارة على البلاد، وأن الاهتمام بسيناء على وجه الخصوص كان كبيرا، وأنه - ومنذ 4 آلاف و650 عاما - كان الملك سنفرو حاضرا فى قلب سيناء يؤدب الأعداء، ويؤمن الحدود، فى الوقت الذى لم تكن فيه دول من عينة أمريكا وإسرائيل موجودة على وجه الخريطة.
وفى ظل القيادة السياسية الحالية، زاد الاهتمام بتأهيل الجيش المصرى، عدة وعتادا، وتمتع الرئيس عبدالفتاح السيسى، بنظرة ثاقبة منذ كان وزيرا للدفاع وعندما صار رئيسا للبلاد، بأن المنطقة ساخنة، ويجب أن تمتلك مصر جيشا مؤهلا قادرا على الردع، لحفظ المقدرات وصيانة الأمن القومى، وأثبتت الأيام وتوالى الأحداث أن القيادة السياسية الحالية راهنت على بُعد نظرها، وكسبت الرهان، ودشنت مقولات غاية فى العظمة من عينة «العفى ماحدش يقدر يأكل لقمته»
بالتاريخ والجغرافيا، سيناء أرض مصرية مقدسة، وخط أحمر، وحبل سُرى منذ أول حاكم مصرى سجله التاريخ الملك نارمر «مينا» منذ 6 آلاف عاما، وحتى الرئيس عبدالفتاح السيسى ممتد أثره فى الإيمان بتقوية جيش مصر لردع المعتدين، وأن الشواهد الأثرية سجلت المعارك، نصا ورسما، تحت عنوان «تأديب الأعداء»، فى وقت كانت الدول المنصبة نفسها إمبراطوريات اليوم، غير موجودة على الخريطة.