كل ساعة وكل يوم، هناك عدد من التريندات والأشخاص يصعدون ويهبطون وينامون ويستيقظون على نجوم تظهر وتختفى، فجأة يظهر اسم ليحتل صدارة العالم الافتراضى، على تويتر «إكس سابقا» أو على فيس بوك، ويبدو الشخص العادى مندهشا، ربما يطرح سؤالا لماذا فلان هو اليوم على سطح العالم الافتراضى، بينما هذا الفلان لم يصنع شيئا مهما، قد يكون ظهر فى صورة أو قال كلمة، أو أطلق تصريحا، سرعان ما يتحول إلى نجم لليوم أو الساعة، وبعد ساعات يختفى ليظهر غيره، وهذه الصناعة ترتبط بتفاصيل وتحركات وتصرفات، وبعض هذه التريندات تتم صناعتها من خلال لجان إلكترونية، وظيفتها شن حملات أو نشر شائعة أو التربص باسم، وخلال السنوات الأخيرة كان الواقع المصرى مجالا للكثير من الحملات، بدأت الدراما تنتبه إلى ظاهرة السوشيال ميديا فى محاولة للتنبيه إلى واقع يفرض نفسه ويفرض على مجموع مستخدمى السوشيال ميديا موضوعا يتحدثون فيه، وينشغلون به حتى لو كان بعيدا عن الأهمية.
وهذا الحال بدأ منذ دخلت الكاميرا على الموبايل ليرسخ لمرحلة لا يمكن لمواطن النجاة منها طالما كانت له حسابات على مواقع التواصل، حيث تغيرت الكثير من المفاهيم وسقطت الحواجز بين الخاص والعام، ومساحة الحرية المتاحة للفرد خارج حدود حياته ومنزله أو داخلها. وقد تناولت بالأمس اهتمام الدراما بهذا الواقع وهذه الظواهر، بمناسبة مسلسل «صوت وصورة»، الذى يقدم معالجة للظاهرة لأول مرة، حيث يطرح إمكانية توظيف الذكاء الاصطناعى فى قلب الحقائق وإدانة الضحية وتبرئة المتهم، وكيف يمكن استعمال هذه الأدوات كسلاح مزدوج لصالح الضحايا أو ضدهم، وتضليل الجمهور وتوظيف محترفين يمكنهم اللعب لصالح من يدفع، ومثلما تكون نافذة لعرض موقف الضحية فهى طريق لتبرئة الجانى، وتوظيف لعبة «التريند» ولو على حساب الحقيقة، مسلسل «صوت وصورة» حظى بنسبة مشاهدة وعرض على منصة «واتش ات» وكان هو نفسه «تريند» على منصات التواصل الاجتماعى، وهو من تأليف محمد سليمان عبدالمالك، وإخراج محمود عبدالتواب، وبطولة جماعية لحنان مطاوع، وصدقى صخر، ونجلاء بدر، ومراد مكرم، وآخرين.
خلال العمل تحولت رضوى «حنان مطاوع» من ضحية لتحرش الطبيب المشهور إلى متهمة باستعمال أدوات التواصل، وخلال العمل هناك تصاعد وهبوط ومحاولة استغلال قضية رضوى للكسب من خلال محترفى التسويق الإلكترونى، بجانب توظيف الذكاء الاصطناعى فى تزييف الأدلة والتلاعب، باعتبار أن التكنولوجيا سلاح ذو حدين، بجانب كونها عالما عميقا له خطوط ونقاط ومراكز، وبالرغم من أن العمل يحاول معالجة هذا الأمر لكن تبقى محاولة تفهم هذا العالم، لأن الأمر هنا لا يتعلق بالقضايا الاجتماعية والجريمة، لكنه يدخل فى كيفية صناعة تعاطف الرأى العام مع الجانى، أو مع الضحية، ومخاوف من أن يكون الضعفاء والفقراء ضحايا فقط غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم.
الواقع أن عالم التواصل الاجتماعى يزدحم بمؤثرين حققوا الشهرة والمال من عرض تفاصيل حياتهم اليومية وخصوصياتهم، باعتبارها أكثر جذبا للمشاهدات، من خلال إثارة الجدل، وبجانب من يبحث عن شهرة أو تريند من أجل المال، هناك أيضا من يبحث عن المال من خلال إجادة استعمال هذه الأدوات، فى تعاقدات وصفتها بأنها فى الواقع أقرب إلى تعاقد الشيطان مع «فاوست» لشراء روحه مقابل أرباح هائلة.
وخلال السنوات الأخيرة لا يمر يوم من دون ظهور نجم يصعد أو يهبط فى بورصة رأى عام، هو فى الواقع افتراضى، لكنه ينعكس على الواقع، حتى فيما يتعلق بالسياسة والمجتمع والاقتصاد، فإن المعلومات المزيفة والأخبار المغسولة تلعب دورا فى التأثير فى نفسية المجتمع، أو زرع الشك والتردد والتشويش، اعتمادا على توظيف أدوات التواصل بشكل عمدى، وربما تكون الحرب على غزة، أو قبلها عشرات الأحداث نموذجا، لكيفية تنفيذ محاولات لتشويش الرأى العام بخصوص الواقع، وهى كاشفة عن انحيازات منصات التواصل، ضد الضحايا فى غزة، وتلعب الخوارزميات لمنع أى إدانة لقتل الأطفال فى غزة، أو تمرير مخططات خطرة، ويصل الأمر إلى أن يتبنى مواطنون شائعات وتقارير مزيفة، تستهدف تشويش العقول وتزييف الوعى، وتبنى آراء منصات ساندت الإرهاب وتدافع عن الاحتلال بالوعى أو بالخداع.