لم تكن المرة الأولى التي أكتب فيها عن المخدرات، ولن تكون الأخيرة، فقد توقفت مرات أمام هذا الكابوس المخيف الذي بات يهدد معظم الأسر المصرية، تحديداً تلك التي بها مراهقون أو شباب من الجنسين، وسأضع عدة خطوط تحت كلمة الجنسين لأؤكد أن تعاطي المخدرات لا يقتصر فقط على الذكور، فقد شمل قطاعاً كبيراً من البنات والسيدات بمختلف الأعمار وتحديداً بالسن الحرج الذي يشمل المراهقة والشباب.
أي نعم: كانت المخدرات موجودة بالمجتمع المصري منذ عقود طويلة، وكان هناك من يتعاطاها بقطاعات معينة وأنواع محدودة وسرية كبيرة تتلاءم مع كونه جرما يحاسب عليه القانون وينبذه المجتمع، إذ كان من المألوف أن يتوارى هذا المتعاطي عن الأنظار ويتجنب أن يذاع سره بالعلن.
ولكن:
مع مرور السنوات و تطورات العصر، كان ولابد أن تتطور أنواع المخدرات وتخرج عشرات الماركات المبتكرة التي تتناسب وهذا الانفتاح وتلك الحداثة، ولم يقتصر الأمر على تطورات أنواع المخدرات فحسب، وإنما على زيادة الأعداد من قطاعات المنضمين لمئات الأضعاف، لتتسع قاعدة المتعاطين وتشمل فئات عمرية وشرائح اجتماعية جديدة.
لنفاجأ، و نحن فى غفلة من الزمن مستغرقين حتى الآذان فى أحداث تلاحقها أحداث أخرى من كل اتجاه، بواقع مؤلم قد تسلل بخبث ليستشرى فى قلب المجتمع ذى العادات والتقاليد والقيم الأصيلة التى لم يقو على تبديلها يوماً الاستعمار ولا العولمة والانفتاح والإنترنت الذى جعل من العالم كله قرية صغيرة تؤثر وتتأثر ببعضها البعض بشكل مباشر وسريع.
فقد طالت هذه الغفلة حتى أفقنا على مأساة ليس كمثلها مأساة وهى ضرب عصب المجتمع ومستقبله المتمثل فى شبابنا فى مقتل!
فقد تم إدخال عشرات الأنواع من المخدرات المصنعة كيميائيا، متعددة الأسماء والتى تم تتويجها بأنواع خطيرة تحت مسمى (الاستروكس، الشابو، الكيتامين) وغيرها من مستجدات الإدمان الحديثة.
لتكتمل حلقات الدمار وتغييب عقول الشباب وتدميرها فيتحول عدد كبير منه إلى مجرد مسخ لا حول له ولا قوة ولا فائدة منه ولا رجاء!
كيف تم السماح لهذه الأنواع الخطيرة بالانتشار بهذا الكم حتى أغرقت السوق المصرية وباتت متاحة للجميع بدلاً من القراءة!
كما تحولت إلى موضة يتباهى الشباب باقتنائها وتناولها وخاصة فى الأوساط الراقية، نظراً لارتفاع سعرها، أى أنها أصبحت كيف الأثرياء من الشباب!
وبما أن المجتمع قد غرق فى الحرية والانفتاح فقد ظهرت موجة جديدة من موجات التجاوز، وضرب عرض الحائط بكل قيم وأخلاقيات المجتمع الشرقى الإسلامى من خلال الحفلات الصاخبة التى تجذب مئات المتمردين على الدين والعادات والتقاليد المصرية العتيقة، والتي تعد مناخاً خصباً للتباهي بأحدث وأغلى أنواع المخدرات.
نهاية:
سأروي لكم في عجالة، ما دفعني الآن وبشدة لكتابة هذا المقال عن موضوع المخدرات:
{منذ يومين عندما كنت أمر أمام المستشفى التي تقع داخل المجمع السكني الذي أعيش به، وجدت زحاماً شديداً أمام باب الطوارئ على غير المعتاد، وعندما سألت عن سبب هذا التجمهر الغريب، جاءني الرد الصادم الذي أصابني بخوف كبير،
وهو أن هناك شابين بأوائل العشرينيات من سكان المكان قد توفاهما الله، ذلك أثناء الاندفاع الشديد بالسيارة داخل الكومباوند، لدرجة أن السيارة قد اصطدمت بنخلة كبيرة لتكسرها وتحطمها ، وتختفي معالم السيارة وتختفي معها ملامح هذين الشابين بعد أن انتهت حياتهما.
وعندما سألت: لماذا تكون هذه السرعة القاتلة بمكان سكني غير مؤهل من الداخل لمثل هذه المناورات الخطيرة.
كان الرد: كانت هناك مطاردة للشابين لضلوعهما بتجارة المخدرات.
وعندما أصابني الذهول، من كون هؤلاء الشباب الذين من المفترض أنهم من أسر كريمة ذات مستويات معيشية جيدة ويتحول بهم الأمر للغرق بهذا المستنقع و تلك التجارة الحرام.. كانت الإجابة أبشع كثيراً من كافة الأسئلة، و التي كانت:
أن هناك فى نفس المكان، يعملون كمروجي مخدرات بداخل الكمبوند، أي أن الأطفال والأولاد بسن المراهقة وبالطبع الشباب، لن يتكبدوا عناء البحث عن تلك المخدرات.
وبهذا النهاية فقد لخصت تلك القصة المأساوية، الوضع كله، و الذي ينطبق على معظم الأماكن بمختلف المستويات الاجتماعية.
نداء عاجل إلى أولى الأمر: لا تتركوا الأمور تتفاقم وأنتم منشغلون فى أمور أخرى لا تزيد أهمية عن تلك التى ترونها هامشية وهى كارثة بكل المقاييس، كارثة ضرب عقول وأجساد نواة المستقبل وعصب المجتمع الذى إن مرض لن نرى إلا مستقبلا باهتا خاليا من التطلعات والآمال!
فبجانب المجهودات الكبيرة التي يقوم بها صندوق مكافحة وعلاج الادمان، و التي شكلت فارقاً حقيقياً وتأثيراً ملموساً، لابد من وضع خطة عاجلة محكمة تشترك بها كافة مؤسسات الدولة إلى جانب عمل الصندوق، للسيطرة على هذه الموبقات ومحاصرتها وفرض العقوبات القصوى على مروجيها ومستهلكيها والتوعية المكثفة بمخاطرها الصحية وتحريمها دينيا بأساليب بسيطة مقنعة تستطيع الوصول والتأثير فى عقول الشباب من سن المراهقة وحتى نهاية العشرينيات، هذا بجانب دور البيت من الداخل الذى يتحمل المسئولية الأكبر فى المتابعة والمراقبة والتقويم.
لعلنا ننقذ أجيالاً من الشباب إن تهاوت سيتهاوى المجتمع بأسره.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة