في مارس عام 2001 هاج العالم وماج ضد حركة " طالبان" التي قامت بتدمير تمثالين لبوذا في وادي باميان بأفغانستان وصدرت بيانات ادانة عنيفة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وانضمت لها منظمة العالم الاسلامي ضد الحركة وأهتمت وسائل الاعلام العالمية بقضية " التماثيل" واعتبرتها واحدة من أسوأ الجرائم التي طالت مواقع أثرية في العالم ..!
بعد عامين فقط وأثناء الغزو الأميركي للعراق وتحت سمع وبصر قوات الغزو اقتحم اللصوص المتحف الوطني العراقي في بغداد ونهبوا واستولوا على نحو 15 ألف قطعة آثرية تمثل حضارة بلاد ما بين النهرين السومرية والآشورية والبابلية والأكادية في أقل من يومين
ولم يتوقف نزف آثار العراق عقب الغزو الأميركي الى الخارج في ظل حالة الفوضى الأمنية وحل الجيش العراقي والمؤسسات الأمنية الداخلية. ولم يتوقف تدمير المواقع الآثرية مع صعود تنظيم "داعش" بعد عام 2014، فقد حطم تماثيل ومجسمات أثرية في متحف الموصل بمحافظة نينوى كما نهب القطع النفيسة من المتحف وهربها إلى الخارج. وجرف التنظيم مواقع أثرية مهمة، بينها مدينة النمرود جنوب الموصل التي يعود تاريخها للقرن 13 قبل الميلاد، وتعد من أهم المواقع الأثرية بالعراق والشرق الأوسط.
وهذه المرة صمت العالم بمنظماته وهيئاته المعنية بالتراث الإنساني وهو يشاهد كيف تدمر حضارات الأمم وشواهد تاريخها القديم بأيد " تتار العصر " الكارهين للإنسانية والحضارة. والصمت المخزي يأتي بتعليمات وتهديدات من الدولة الراعية للتدمير.
الكارثة تتكرر الآن في غزة، فالهمجية الصهيونية التي لا تحظى من التاريخ سوى الدم والتدمير والخراب لكل ما هو انساني على الأرض لم تردعها أية قوانين أو مواثيق عالمية للحفاظ على حضارات البشر التي تمتد لآلاف السنين دون أن يهتز ضمير العالم ومنظمة الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو أو يصدر عنها بيان ادانة طالما لم تتحرك واشنطن أو تصدر بيانات ادانة وشجب لما يقوم به الصهاينة ضد آثار غزة التي تعكس حضارة شعب متجذر في أرضه منذ آلاف ومئات السنين.
هي حرب لا شرف لها ولا مواثيق ولا قوانين ومعاهدات يقوم بها " تتار العصر" الصهاينة الذين لا يراعون ويحترمون أبسط المواثيق الإنسانية. يدمرون كل شيئ أمامهم الزرع والغرس والمساجد والكنائس والمستشفيات والمدارس والمعاهد والجامعات وجاء الدور على الآثار والتراث الذي هو ملكا للعالم وللإنسانية وليس لحماس أو فتح أو للشعب الفلسطيني وحده.
وكما استصرخ الشعب الفلسطيني في غزة العالم المتواطئ والصامت من الحرب الإبادة الصهيونية، فمؤسساته تطالب العالم بالتحرك لحماية التراث والآثار الإنسانية في قطاع غزة الذي يقوم العدوان الصهيوني بقصفها وتدميرها.
بالأمس أعلنت وزارة الثقافة الفلسطينية أن الاحتلال الاسرائيلي دمر مبنى "سيباط "العلمي في غزة، والذي تم إنشاؤه عام 1806، ويتكون من ثلاث غرف وإيوانان ومطبخ ودرجان يؤديان إلى الدور الثاني وغرفة السيباط وتم ترميمه عام 2009 وتحويله إلى مركز رياض العلمي للتراث والثقافة. وقالت الوزارة، أن الحمام كان يعتبر مزارا سياحيا وعلاجيًا في الوقت ذاته، فهو أول من قام بالعمل به هم السامريون ومن هنا بدأ يطلق عليه اسم حمام السمرة.
كما دمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي الكثير من المواقع الدينية التاريخية والمتاحف والمواقع الأثرية فى غزة التى كانت مركزًا ثقافيًا لكل الحضارات التي غزت المنطقة، من مصر في أوائل القرن الخامس عشر قبل الميلاد، إلى اليونانيين في عهد الإسكندر الأكبر إلى الإمبراطوريتين الرومانية والبيزنطية.
وأوردت تقارير نشرتها العديد من المواقع الأجنبية منها "أرت نيوز" عن وقوع كنائس ومساجد تعود إلى قرون عديدة ضحية لحملة القصف، بما في ذلك المسجد العمري في جباليا شمال غزة وكنيسة القديس برفيريوس، التي يُعتقد أنها ثالث أقدم كنيسة في العالم؛ ومسجد ابن عثمان والسيد هاشم.
وقال إسبر صابرين، عالم الآثار السوري ورئيس منظمة التراث من أجل السلام: "يظهر التقرير أهمية تراث غزة". "إنها منطقة صغيرة ولكن بها الكثير من التراث."
ووفقًا لوزارة السياحة والآثار الفلسطينية، ليس من الممكن حاليًا الحصول على تقييم كامل للمواقع التراثية المتضررة أو المدمرة، نظرًا للظروف على الأرض.
وترصد تقارير فلسطينية أن جيش الاحتلال "الإسرائيلي" استهدف ودمّر أكثر من 200 موقعٍ أثريٍ وتراثيٍ من أصل 325 موقعاً في قطاع غزة، ما بين مساجد أثرية وكنائس ومدارس ومتاحف ومنازل أثرية قديمة ومواقع تراثية مختلفة، في محاولة فاشلة لطمس الوجود الثقافي والتراثي الفلسطيني ومحاولة لدثر الشواهد التاريخية والعمق التاريخي الفلسطيني في قطاع غزة.
أبرز المواقع التي دمّرها جيش الاحتلال هي، كنيسة جباليا البيزنطية، والمسجد العمري في جباليا، ومسجد الشيخ شعبان، ومسجد الظفر دمري في الشجاعية، ومقام الخضر في دير البلح، وموقع البلاخية "ميناء الأنثيدون" شمال غرب مدينة غزة القديمة، ومسجد خليل الرحمن في منطقة عبسان في خان يونس "جنوب قطاع غزة"، ومركز المخطوطات والوثائق القديمة في مدينة غزة، وغيرها من المواقع الأثرية والتراثية المهمة)، كما واستهدف الاحتلال، كنيسة القديس برفيريوس في حي الزيتون بمدينة غزة، وبيت السقا الأثري في الشجاعية، وتل المنطار في مدينة غزة، وتل السَّكن في الزهراء، وتبة 86 في القرارة، ومسجد السيد هاشم في مدينة غزة.
كما دمر الصهاينة عددا من المواقع التراثية والأثرية التي دمرها يعود أصول بعضها إلى العصر الفينيقي، وبعضها يعود أصوله إلى العصر الروماني، وبعضها يعود تاريخ بنائه إلى 800 عام قبل الميلاد، وبعضها يعود تاريخ بنائها إلى 1400 عام، وبعضها إلى 400 عام، في إشارة واضحة إلى رسوخ الحق الفلسطيني في الأرض الفلسطينية التي يحاول الاحتلال تغيير معالمها بالقصف والاستهداف المباشر.
جريمة حرب جديدة تضاف الى سجل الجرائم الذي يقوم بها الصهاينة من السابع من أكتوبر ضد الشعب الفلسطيني في غزة وضد مؤسساته ومنشآته وآثاره، فاستهداف وتدمير الاحتلال للمواقع التراثية والأثرية في قطاع غزة جريمة دولية واضحة وفقاً للقوانين الدولية، وخاصة للقانون الدولي الإنساني، ولاتفاقية لاهاي لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح والبروتوكول الثاني للاتفاقية لعام 1999م الذي يحظر الاستهداف المتعمد في الظروف كافةً للمواقع الثقافية والدينية.
هل بات مكتوبا على الشعب الفلسطيني أن يناشد ويستنجد ويصرخ لانقاذه من الهمجية الصهيونية فقط دون أن يتجاوب العالم ومؤسساته الدولية العاجزة ولو بـ"نت شفه" وهي كلمة ادانة واحدة..!
هل تتحرك المنظمات المعنية لوقف الجريمة الإنسانية ضد آثار وتراث وتاريخ الشعب الفلسطيني العريق أم مازالت في انتظار الإشارة الصدرة من واشنطن..؟