سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 7 ديسمبر 1975.. وفاة الفنان زكريا الحجاوى.. المبدع الرائد فى كل طريق وضع قدميه عليه ومكتشف عشرات الأساطير والملاحم الشعبية

الخميس، 07 ديسمبر 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 7 ديسمبر 1975.. وفاة الفنان زكريا الحجاوى.. المبدع الرائد فى كل طريق وضع قدميه عليه ومكتشف عشرات الأساطير والملاحم الشعبية زكريا الحجاوى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
طاف الفنان زكريا الحجاوى فى يومه الأخير بمعظم أصدقائه ومحبيه بالعاصمة القطرية «الدوحة»، كان فى قمة النشاط والحيوية، ويريد أن يرى صديقه وحبيبه الأديب السودانى الطيب صالح «أحد منابع النيل» كما كان يسميه.
 
كان «الحجاوى» يعمل فى قطر منذ عام 1971، وذهب دون سابق موعد إلى «الطيب صالح» المسؤول عن الثقافة فى قطر، وما إن شاهده «الحجاوى» حتى أقبل عليه بفرح عظيم، وراح يقبله وكأنه عائد فى هذه اللحظة من القاهرة، أو مغادر إليها، حسبما يذكر الكاتب والأديب عبدالقادر حميدة فى كتابه «أوراق بدون ترتيب فى الأدب والفن والحياة».
 
يكشف «حميدة»، أن «الحجاوى» ذهب فى المساء إلى مكتبه ليشرف على تدريبات «فرقة الفنون الشعبية» التى أنشأها منذ ثلاث سنوات، ولما سمع لغطا من بنات الفرقة فى غرفة التدريب، طلب من صديقه ومرافقه على الدوام المغنى الشعبى القطرى مرزوق العبدالله أن يسكتهم، فخرج «مرزوق» لهذه المهمة ثم عاد ليجده منكفئا على مكتبه، وناده: يا أستاذ؟، فلم يرد، وحاول أن يرفع وجهه، فلم يستجب، وعندئذ طلب مرزوق سيارة الإسعاف، وكانت الروح لا تزال فيه، لكنه فى هذه اللحظة غادر هذه الدنيا بلؤمها، وشرورها، وصراعاتها غير الإنسانية، وغير العادلة.
 
غادر «الحجاوى» الدنيا وعمره ستون عاما وستة شهور، فهو من مواليد 4 يونيو 1915 فى «المطرية» بمحافظة الدقهلية، وعاش حياته كما يحب، وأبدع كما يجب، يتذكر الكاتب محمود السعدنى أول معرفته به، قائلا فى كتابه «مذكرات الولد الشقى»: «عندما بدأ زكريا الحجاوى يتكلم بدا أنه يعلم أشياء كثيرة، وعندما حان موعد الغداء أرسل فاشترى بقرشين صاغ مصارين مقلية وبقرش جبنة وبطيخ وعشرين رغيفا، ورحنا نأكل فى مرح شديد كأننا على صلة وثيقة منذ عشرة أعوام، وأحببته منذ تلك اللحظة، وعشت معه أياما سعيدة ومريرة، وطفت خلفه فى ريف الجيزة، نبحث عن سهرة وعشوة، ومن زكريا تعلمت الصبر وقوة الاحتمال، كان أبا لسبعة أطفال، ولا يملك سبعة قروش، ومع ذلك لم تفارقه النكتة، ولم يعرف اليأس طريقه إليه، وحوله تعرفت على عدد من الصبية الصغار، أصبح لهم فيما بعد شأن، يوسف إدريس، صلاح جاهين، محمد عامر، الشاعر محمد الفيتورى، الشاعر صلاح عبدالصبور.
 
اشترك مع صديقه «محمد على ماهر» فى تهريب الرئيس السادات وقت اتهامه باغتيال أمين عثمان فى يناير 1946، وأخذه لمنزله بالمطرية وبقى هناك شهورا متخفيا باسم «الأسطى إبراهيم»، حسبما يذكر الكاتب الصحفى يوسف الشريف فى كتابه «زكريا الحجاوى - موال الشجن فى عشق الوطن».
 
وعن إبداعه يذكر «الشريف» أنه قدم للإذاعة المصرية 72 ملحمة وأسطورة اكتشفها من بطون الريف وفيافى الصحراء وأكواخ الصيادين، و120 مسلسلا بينها، أيوب المصرى، سعد اليتيم، أنس الوجود، سارة والعقاد، عزيزة ويونس، بلقيس أنشودة الزمان، حياة الإمام محمد عبده، أبونواس، قطر الندى، فارس بنى حمدان، ومن مؤلفاته المسرحية «بيجماليون، ملك ضد الشعب، يا ليل يا عين «أول أوبريت شعبى  سنة 1957»، ومجموعة قصصية «نهر البنفسج»، كما كتب موسوعته «التراث الشعبى - الجزء الأول»، وكتابه الموسوعى «حكاية اليهود» وكان الممثل والمخرج والشاعر نجيب سرور من أشد المتحيزين لهذا الكتاب.
 
بدا «الحجاوى» بهذا الزخم الإبداعى وكأنه مجموع مبدعين اجتمعت فى شخصه، فهو فى رأى تلميذه الفنان نجيب سرور وفقا لمقاله «زكريا الحجاوى والحية الفتاكة»: «الشاعر، الزجال، المخرج، الممثل، الناقد، الذواقة، الجامع للتراث الشعبى، المحقق الدارس لهذا التراث، الرائد فى كل طريق أتاحت له المقادير والظروف أن يضع قدمه عليها، ويلخص «سرور» مسيرته الإبداعية بالأرقام، قائلا فى مقاله الذى يعيد يوسف الشريف نشره ضمن كتابه:
 
«1: أول من نبه إلى قيمة الاعتماد على الفن الشعبى فى الأفلام والمسرحيات والأعمال الفنية.. 2: أول من حول الموالد إلى مؤتمرات شعبية تعتمد على الفن الشعبى الفطرى.. 3: فى أحضانه كتبت أول أسطورة من الفولكلور «يا ليل يا عين».. 4: قام بأول جولة لجمع الرقص الشعبى وقام بعرضه على مسارح عواصم البلاد.. 5: صاحب فكرة قوافل الثقافة ومنشئها.. 6: صاحب فكرة قصور الثقافة ومنفذها، وفرق الفن الشعبى إلى جانب المسرح والكتاب.. 7: فى أحضانه نشأت الفرقة القومية للفنون الشعبية.. 8: منشئ معهد الفنون الشعبية ونوادى الفولكلور.. 9: صاحب فكرة الفرقة النموذجية للفنون الشعبية التى عملت على مسرح المقطم».
 
مع كل هذا العطاء لم يجد «الحجاوى» فى رصيده ما لا يبنى به بيتا بعد أن صدر قرار إزالة لبيته بالجيزة، فاضطر إلى السفر لقطر، وحسب الطيب صالح: «لم يترك شيئا من حطام الدنيا، قال لى مرة إن كل أمله أن يجمع بعض المال، ليقيم به دارا يجمع فيها ما تبعثر من كتبه وأوراقه وينقطع إلى الكتابة والبحث».









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة