نتناول فى سلسلة حلقات "حكايات من غزة" التى توثق المعاناة الإنسانية التى يعيشها أبناء الشعب الفلسطينى مع استمرار عدوان الاحتلال على منازل المدنيين العزل - ما أدى لارتقاء أكثر من 17 ألف شهيد بينهم أكثر من 7 آلاف طفل وطفلة - قصة الشهيدة ريم "روح الروح" التى ارتقت قبل أيام بنيران المحتل الإسرائيلى.
حكاية اليوم سنتحدث فيها عن قصة هزت العالم خلال الأيام الماضية وهي قصة "روح الروح" أو الشهيدة الطفلة ريم التى هز مقطع فيديو مصور لجدها الشيخ خالد نبهان وهو يودعها قلوب شعوب الكرة الأرضية، وهو الفيديو الذى يدفعك للانخراط فى حالة بكاء شديد كلما شاهدته.
تحدث الشيخ خالد نبهان جد الطفلة ريم لـ"اليوم السابع" عن كواليس الساعات الأخيرة قبيل ارتقاء حفيدته ذات الثلاث سنوات، مؤكدا أن الطفلة الشهيدة تمثل كل شىء جميل فى حياته منذ ولادتها قبل أكثر من عامين، مضيفا: ريم ولدت في نفس يوم ميلادي 23 ديسمبر وقد احتضنتها بشكل قوي وقولت لوالدتها حينها ريم لي وأنا لها.. كنت اختار لها ملابسها وألعابها بعناية وأوفر لها كل الاحتياجات.
الطفلة ريم
وأوضح جد الطفلة الشهيدة ريم أنه كان متواجدا فى المنزل لحظة قصف طيران الاحتلال للمنزل المجاور لهم، مؤكدا أن القصف أدى لتضرر منزلهم وانهياره بالكامل ، ما أدى لاستشهاد ريم وشقيقها طارق، مضيفا: عقب الاستهداف مباشرة كنت أنا وزوجتي وأولادي وأحفادي تحت الأنقاض وتم إخراجنا من تحت الأنقاض.. شباك خشب كان سببا في نجاتي وفي هذه اللحظات تمالكت نفسي حيث كان القصف مع انقطاع الكهرباء على تمام العاشرة مساء ولم نكن قادرين على التحدث أو طلب النجدة لأننا لم نكن قادرين على الكلام بسبب الصدمة."
ريم روح الروح
يواصل الجد المكلوم وهو يتحدث فى نبرة حزن وحسرة: تحاملت على نفسي وتمكنت من النهوض والسير 3 أمتار وقد سقطت أرضا 3 مرات في محاولاتي لإنقاذ أولادي وأحفادي.. تمكنت من كسر جزء من الباب وسمعت استغاثة ابني وقفزت ومسكت بيده وتمكنت من إخراجه.. فجأة سمعت أصوات لجيران في الحارة الذين حضروا لنجدتنا وإخراجنا من تحت الأنقاض.
ويشن جيش الاحتلال الإسرائيلي غارات عشوائية وعنيفة على منازل المدنيين سواء في شمال أو جنوب غزة، وذلك بهدف إجبار الفلسطينيين على النزوح قسريا وترك أراضيهم في إطار مخطط الاحتلال لتفريغ القطاع لتنفيذ مخططاته الشيطانية.
الطفلة ريم وجدها
يقول الشيخ خالد نبهان في توصيفه لما حدث لمنزله: تعرض المنزل لانهيار تام وصرخت بصوت عال طالبا مساعدة أهل الحارة لمساعدتي في انقاذ أسرتي التي تمكث تحت الأنقاض .. تمكنت من عمل إنعاش لقلب بناتي ونجوا من الموت بعد نقلهم للمستشفى ووضعهم على جهاز التنفس الصناعي وكتب الله لهن النجاة.
وعن تفاصيل مشهد وداع الشهيدة ريم الذي تم تداوله بشكل واسع، قال: مسحت وجه ريم وطارق من الغبار وكان قلبي موجوع وحزين.. صورت ريم وطارق عقب استشهادهم بعد القصف مباشرة ومسحت على وجوههم قبل دفنهم.. شعرت أنهم نائمين ولم يستشهدوا وحاولت فتح عين ريم التي اعتبرها جزء مني فهي فعلا روح الروح.
ويضيف الجد المكلوم وفي نبرة صوته حزن وألم: همست وقولت لها ريم يا حبيبتي صاحية أنتي ولا نايمة .. فتحت عينيها وقبلتها منها وودعتها وقولت لها ستذهبين لربك وربنا معاكى.. ريم جزء من كياني وروحي ووجداني ومن حبي لها كنت ألعق أنفها وخدها وهي كانت تفعل ذلك معي في إطار مداعبتي لها فهي الحفيدة الأقرب إلى قلبي.
ولجأت السلطات الطبية فى قطاع غزة إلى حفر مقابر جماعية للشهداء خاصة من الأطفال والنساء في ظل ندرة "الأكفان" وعدم قدرة المقابر على استيعاب هذه الأعداد الضخمة من الشهداء الذين ارتقوا منذ 7 أكتوبر الماضي.
ريم وجدها
وحول خصوصية العلاقة بين الجد وحفيدته، أكد الشيخ خالد نبهان أنه يبدأ يومه باستقبال ضحكة من ريم بعد أدائه لصلاة الفجر وانتظارها حتى تستيقظ، مضيفا: أكثر شيء كانت تحبه ريم قبل القصف هو الكاتشاب لأنه المتوفر.. كنت أقود الدراجة الهوائية لمسافة 8 كم يوميا حتى أوفره لها لأن كل شيء مفقود في ظل هذا العدوان.
ريم
وأشار الجد الفلسطيني إلى مدى المعاناة التى يعاني منها الشعب الفلسطيني من عدم توفر أبسط سبل العيش الكريم بسبب الحصار وشح المواد الغذائية، لافتا إلى حواره الأخير مع ريم قبل استشهادها بثلاثة أيام، حيث قالت: يأيوئي وهو اسم دلع تناديني به دوما.. هل تتذكر الموز والبطيخ لأرد عليها: نعم يا حبيبتي أتذكره لكنني مش قادر أجيبه يا حبيبتي .. كانت طلباتها بسيطة جدا كأي طفلة بريئة تريد أن تعيش في هذه الدنيا بسلام واستقرار.
الطفلة ريم
وأكد جد ريم أنه كان يحافظ عليها ويعتني بها بشكل خاص لأنه يعتبرها جزءا من كيانه، حيث يختار لها متطلباتها واحتياجاتها بحرص شديد كأنها له تماما، مضيفا: كبرت ريم أمام عيني وقد احتفلنا بعيد ميلادها الثاني في 23 ديسمبر الماضي وكان جميل جدا وصنعنا له كيكة وهذا أسعد الأيام في حياتى.. كنت أقوم بتحضيرات لأحتفل بعيد ميلادها الثالث في 23 ديسمبر 2023 لكن قدر الله أن تكون في ذمة الله.
واختتم الجد حديثه لـ"اليوم السابع" قائلا: ما تحدثه به ملخص لمشاعري والحقيقة أني أتعرض لتعب شديد كلما تحدثت عن هذا الموضوع.. علاقتي بحفيدتى خاصة جدا وقد اتفقت معها بعد وقف العدوان الإسرائيلى بأن نذهب إلى مطاعم الشاورما والكباب وقد قطعت عهدا على نفسي للقيام بذلك بعد انتهاء الحرب لكنها رحلت إلى رب العالمين.. رحلت روح الروح إلى ربها وتركتني موجوع وحزين.. حسبنا الله ونعم الوكيل فهذا قدر الله وقدره.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة