بيشوى رمزى

"صمود وتنمية".. القدس وتنويع أدوات المقاومة

الإثنين، 13 فبراير 2023 02:28 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
في الوقت الذي واجهت فيه القضية الفلسطينية العديد من محاولات التهميش، على المستوى العالمي، خاصة بعد اندلاع الفوضى في العقد الماضي، جراء ما يسمى بـ"الربيع العربي"، وهو ما ساهم جزئيا في تراجعها، بسبب تنامي العديد من التهديدات وأبرزها ارتباك الحالة الأمنية في المنطقة وتنامي ظاهرة الإرهاب، إلا أنها ربما لم تفقد الزخم تماما، وهو ما يبدو في الجهود المتواترة التي بذلتها القوى العربية الرئيسية، وعلى رأسها مصر، من أجل الحفاظ على حقوق الفلسطينيين، سواء من خلال مواصلتها لدعم القضية في مختلف المحافل الدولية، أو عبر ممارسة الضغوط على الجانب الإسرائيلي للجلوس على مائدة المفاوضات، ناهيك عن دورها كوسيط لتحقيق المصالحة بين الفصائل المتناحرة منذ عام 2007، وهو ما يمثل انعكاسا للأهمية الكبيرة التي تحظى به، والتي تجاوزت تحديات عميقة واجهت المنطقة بأسرها عموما، ومنظومة العمل العربي المشترك بصفة خاصة.
 
ولعل أولوية فلسطين تبدو بجلاء في استعادة موقعها باعتبارها القضية المركزية بعد مدة زمنية قياسية من عودة الاستقرار النسبي للمنطقة، وهو ما يبدو في تصدرها لأجندات الاجتماعات العربية، سواء في صورتها الفردية بين الدول، أو على المستوى الجمعي، تحت مظلة جامعة الدول العربية، في إطار اجتماعات وزراء الخارجية العرب أو القمم العربية، وأخرها قمة الجزائر التي عقدت في شهر نوفمبر الماضي، والتي هيمنت فيها القضية الفلسطينية على قراراتها والإعلان الصادر عنها.
 
ويعد مؤتمر دعم القدس، والذي عقد أمس الاحد، بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، أحد أهم ثمار القمة العربية الأخيرة، بينما يمثل كذلك نتيجة جهود مصرية كبيرة، بذلت لسنوات طويلة، لصد "موجات" دولية، لتهميش القضية برمتها، في ظل الفوضى التي ضربت المنطقة، كان الهدف الرئيسي وراءها ليس فقط "شرعنة" الاستيطان، ومباركة الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال يوميا بحق ألاف الفلسطينيين، سواء بهدم المنازل أو الاعتقالات التي طالت الأحداث، ناهيك عن جرائم القتل العمد التي مورست دون تفرقة بين طفل وشاب وشيخ، وإنما أيضا ضرب القضية في مقتل، عبر انتهاك القدس، والتي تمثل في حقيقة الأمر "قبلة" الديانات، وبالتالي فهي تحمل في قلوب العرب مكانة خاصة، ربما ترجمتها حالة الزخم الكبير التي شهدها المؤتمر.
 
وللحقيقة، فإن المعضلة الحقيقية التي تواجه القدس، لا تقتصر على ممارسات الاحتلال القمعية، ضد سكان المدينة، من هدم واعتقال وتنكيل وقتل، وإنما تحمل في طياتها جوانب أخرى مركبة، تهدف في النهاية إلى تغيير هويتها العربية، عبر عملية "تهويد" منظمة تمارسها سلطات الاحتلال، عبر مسارات متوازية، أهمها تغيير ملامح المدينة، عبر مشاريع عمرانية وأخرى دينية، تحمل "حلة" سياحية، ولكنها في واقع الامر تستهدف تقويض الإرث العربي، بينما كان استهداف المناهج التعليمية مسارا آخر تبنته الدولة "العبرية" لطمس التاريخ، ناهيك عن الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى، مسارا ثالثا، وهو ما زادت وتيرته مؤخرا مع صعود حكومة متطرفه بزعامة بنيامين نتنياهو إلى سدة السلطة في إسرائيل، لتصبح تلك الاقتحامات لا تحظى فقط بمباركة السلطة، وإنما بمشاركتها وتحت قيادة مسؤوليها، على غرار الوزير إيتمار بن غفير.
 
إلا أن الانتهاكات التي واجهتها المدينة المقدسة لم تقتصر على مجرد ممارسات الاحتلال، ولكن امتدت على المستوى الدولي، وهو ما يبدو في قرار الولايات المتحدة بتحويل سفارتها بإسرائيل من تل أبيب إلى القدس، لتسير دولا أخرى على نفس الخط، وهو ما يمثل خرقا كبيرا للشرعية الدولية، وهو ما حدث بالطبع تحت وطأة التراجع الذي حل بالقوى الرئيسية بالمنطقة جراء الفوضى التي حلت بها، والتي وضعت الكثير منها على شفا الانهيار، ناهيك عن تحول العديد من دول المنطقة نحو سياسة الانكفاء على الذات، لحماية أمنها ووحدتها وسلامتها الإقليمية في مواجهة مخططات التقسيم.
 
وهنا يبدو الزخم الكبير الذي حظى به مؤتمر القدس، حيث يأتي انعقاده في اللحظة الراهنة، بمثابة العديد من الرسائل الموجهة للعالم، بدءً من عقده في جامعة الدول العربية، والتي تمثل الكيان الجامع للدول العربية، لتعلن وحدة العرب من المحيط إلى الخليج، في دعم المدينة المقدسة، في مواجهة ما يلاحقها من انتهاكات، مرورا بمستوى المشاركة، في ظل وجود الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، عدد كبير من وزراء الخارجية، في انعكاس لمستوى الاهتمام الكبير، بما يعكس عودة القضية، وفي القلب منها القدس إلى مكانتها المركزية، بالاضافة لمشاركة مسؤولي منظمات إقليمية أخرى، على غرار مجلس التعاون الخليجي ومنظمة عدم الانحياز ومنظمة التعاون الاسلامي، ناهيك عن مشاركة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، والذين اجتمعوا لنصرة القدس تحت راية "بيت العرب"، تأكيدًا على الهوية الثقافية والدينية للمدينة.
 
بينما يبقى عنوان المؤتمر "القدس صمود وتنمية" في ذاته، رسالة بالغة الأهمية، حيث ارتبط مفهوم "الصمود" وما يحمله من معاني المقاومة في مواجهة آلة البطش التي يتبناها الاحتلال، بالجانب التنموى، مما يضفي صورة جديدة للمقاومة، سوف تساهم، حال تنفيذ ما أسفر عنه المؤتمر من قرارات متعلقة بدعم المشروعات في المدينة، جنبا إلى جنب مع انتهاج السبل القانونية، في إطار الأمم المتحدة، لحماية الحق الفلسطيني، وهو ما حققت فيه دولة فلسطين نجاحات متواترة، على مدار الأشهر الماضية، سواء بإعلان المنظمة الدولية إحياء ذكرى "النكبة" للمرة الأولى في شهر مايو المقبل، ناهيك عن اتخاذ خطوات كبيرة، للحصول على اعترافات دولية مهمة، حول أحقيتهم بـ"دولة" مستقلة، عبر طلب الحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة، واللجوء إلى محكمة العدل الدولية، للحصول على فتوى حول ماهية الاحتلال، وهو ما أقرته المنظمة الدولية الأكبر في العالم، وهو ما يمثل خطوة كبيرة، تضع عبئا أخلاقيا على كاهل الحكومة الإسرائيلية، في مواجهة العالم.
 
ويمثل التركيز على الجانب التنموى، في عملية المقاومة، بمثابة استلهاما للرؤية المصرية القائمة على مواجهة التحديات، عبر تحقيق التنمية، وهو ما بدا في التعامل مع العديد من التحديات التي واجهتها في السنوات الماضية، حيث كان الجانب التنموي أحد أهم أدواتها في مواجهة الارهاب عبر اقتحام المناطق المهمشة التي وجدت فيها جماعات الظلام ملاذا آمنا، من خلال مشروعات عملاقة من شأنها تقديم "الحماية" لسكانها من الأفكار المتطرفة التي تروجها التنظيمات الإرهابية، بينما قاومت به العديد من الأزمات، كالفوضى والأوضاع الاقتصادية التي كانت على شفا الانهيار.
 
 
وهنا يمكننا القول بأن رسائل مؤتمر القدس تجاوزت الحالة التقليدية في التعامل مع القضية الفلسطينية، في ظل حالة من التنوع في أساليب إدارة الصراع التاريخي، تعتمد في جزء منها على الضغط السياسي عبر تقديم صورة وحدوية خلف المدينة المقدسة، لا تقتصر على الجانب العربي، أو الجغرافيا التقليدية، وإنما امتدت إلى مساحة أكبر من العالم، تجسدت في مشاركة منظمات التعاون الاسلامي وعدم الانحياز، ناهيك عن الأمين العام للأمم المتحدة، وهو ما يمثل مساحة جغرافية غير محدودة النطاق، بالاضافة إلى تنويع أدوات المقاومة، بين الاستناد على الحقوق القانونية، والتي تجد مرجعيتها في قرارات الشرعية الدولية، والجانب التنموى الذي يمثل نهجا جديدا لتعزيز صمود المقدسيين، في مواجهة آلات الاحتلال القمعية.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة