بعد إلحاح شديد، سبقنى صديقى «الأنتيم» إلى حيث التقينا آخر مرة، لا أتذكر متى جمعنا آخر لقاء، لكن أتذكر أنه منذ بضعة أشهر.. فالسماء وقتها كانت ملبدة بالغيوم، وقطرات المطر الساحرة كانت تتسابق إلى الأرض كاللؤلؤ المكنون، فلا عيب فيها غير أنها تسر الناظرين، أتذكر جيدًا شعاع الشمس وهو ينظر إلينا من طرف خفي، وقد حجبته السحب الرمادية.. الرياح كانت هادئة تراوض أوراق الشجر عن نفسه قبل أن تتساقط على الأرض فتشكل لوحة فنية رومانسية بديعة، ومن فرط جمالها تكاد تذهب بالأبصار.
استبق صاحبي إلى جذع شجرة رافعًا عينيه إلى السماء، لنلتقط أطراف الحديث الذى بدأنه عندما التقينا، همست إليه كيف هي أحوالك مع الزواج يا صديقي؟ نظر نظرة إلى السماء "الركامية" فظننت وبعض الظن اثم أنه رأى كوكبا في عز "الضهر"، لكن ولوهلة أحسست بشىء في صدري، كررت عليه السؤال لكنه استمر في النظر إلى السماء، قلت له بحق السماء "طمنى عليك".. قال: "لست بخير".
لا أعلم لماذا خطر ببالي أن صديقي "الأنتيم" يعاني ضيق "ذات اليد"، كأغلب المتزوجين حديثًا، هؤلاء قوم يستمرون في دفع أقساط وتكاليف الزواج سنين عددا، لكن لا بأس إنها سُنة الحياة.. قلت له: هون عليك يا صديقي فالعالم كله يعاني أوضاعًا اقتصادية مريرة"، نظر إلي كالذى يٌغشى عليه من الموت فالتقط أطراف الحديث مرة أخرى "الموضوع مش كده.. الحمد لله مستورة".
تنهدت وقلت له هون عليك يا صديقي أين تكمن المشكلة إذن؟ طالما أن الأمور ميسورة والحال ماشى".. قال لي: يا ليتني اتخذت من نصائحك سبيلا وفزت فوزا عظيما، استحلفته بالذى خلق السماوات والأرض أن يقص عليّ القصص، فبدأ سرد معاناته من تجربة "الزواج" في بيت العائلة، وما أدراك ما "بيت العائلة "الذى هو أوهن البيوت مثل «بيت العنكبوت».
قال لي: هل أُسدى إليك معروفا؟
قلت: بلى
قال: أما أنا فتزوجت ومكثت في بيت "العائلة" فلقيت ما لقيت، وتعرضت زوجتي لكل أنواع الألم النفسي والضغط العصبي ووابل من الشتائم والألفاظ البذيئة التي يترفع عن ذكرها الرجال قبل السيدات، بل تخطى ذلك كله بعد أن اتفق نفرٌ من الأهل مع شمطاء مقبورة تنعت في لغتنا العربية بـ"سيدة القوم" ، لم أتعجب من صنيعة «النفر» فإخوة يوسف سبق وألقوا أخاهم فى غيابة الجب، حقيقة القول أن هؤلاء الشرذمة القليلون تمادوا وتفننوا في الأذى عبر خطط الأبالسة والشياطين، حتى قضى الأمر وكان أمر الله قدرا مقدورا..لذا أصدقني القول بألا تقرب من هذا الصنيع حتى لو «منحوك الذهب».
قلت: أما أنا فلن أبرح «العزوبية»، فقد اخترتها مسلكًا وطريقًا حتى يأذن الله أمرا كان مفعولا.. بيد أنى أعاهدك يا صديقى العزيز ألا أتزوج البتة في "بيت العائلة" حفاظًا على سلامي النفسى بعد كل ما سلف وأمرى إلى الله، وحفاظًا على "بنت الناس" التي قد يختارها قلبي يوما ما لتكون شريكة لي في السراء والضراء.