"مجموعة من شرائط التسجيل الصوتية تحتوي على جلسات تجربة نفسية فريدة من نوعها لاستكشاف عالم من الأحلام الغريبة" كانت هذه الفكرة كفيلة لجذبي إلى رواية "أحلام فترة الموف أون" التي تعد الإصدار الأول للكاتب والمهندس عُمر الحسيني.
كان الإغراء كبيرًا، فأنا أحب كثيرًا عالم الأحلام، أحرص على تدوين أحلامي الطريفة والغريبة وأشاركها مع أصدقائي على فيسبوك. أنقبض وأفكر في المغزى حين أرى أحلامًا بها شيء من المنطق أو رسالة ما؛ ولكن أحلام غريبة؟ كفتاة حضرت في أحلامها حفل الأوسكار الذي سرعان ما انقلب إلى نسخة من الـ Red wedding الشهير في "صراع العروش"، وواعدت توم هانكس عدد لا نهائي من المرات، وسافرت إلى كل البلاد التي تحلم بزيارتها، ورأت قططها تذهب في رحلة إلى معرض الكتاب لشراء كتابها، هل يمكن لأحلام غريبة أن تدهشني؟ هذا ما فوجئت أنه يحدث في رواية "أحلام فترة الموف أون" التي مزجت بين الفانتازيا والسخرية ولم تخلو من الرومانسية والطابع الاجتماعي كذلك.
بخيال خصب واطلاع موسوعي على عالم السينما وألعاب الفيديو سرد الكاتب القصة من بين سطور نحو 54 حلمًا. كانت الأحلام بعيدة تمامًا عن المنطق إلا إنها مليئة بالرموز وعبر طريقة سردها خلال التجربة النفسية تستكشف وجهات نظر البطل في الحياة وفي علاقته بالمحيطين به، بين الأسرة والعمل والأصدقاء ورأيه في العلاقات العاطفية، وما يحبه وما يكرهه وما يخشاه. وتلتقط عبر سرده المقتضب أحيانًا والمستفيض والمليء بالتفاصيل في أحيانٍ أخرى خيوط حكايته مع الحبيبة الضائعة التي كان يتمسك بأحلامه، رغم إنهاكها له، على أمل أن يلتقيها مرة أخرى.
كان البطل يدعم سرده لأحلامه خلال التجربة النفسية / الرواية بصور مطبوعة تقرب الصورة إلى ذهنك. ليست صور توضيحية من المؤلف، بل صور يقول البطل إنها تشبه ما رآه في الأحلام وأرى في هذا ذكاء من المؤلف كي لا يضطر القارئ إلى الضغط على ذاكرته في محاولة استدعاء صورة، أو البحث على الإنترنت من أجل معرفتها، أو في حالة أسوأ لم يكن ليهتم بأن يبذل هذا الجهد ويضيع جزء كبير من الاستمتاع بالرواية.
اختار الكاتب، رغم إجادته للفصحى، أن يكتب الرواية بالعامية، ووعد القارئ بأنه سيفهم من الصفحة الأولى لماذا كانت العامية الاختيار الأنسب. وهو ما تحقق بالفعل، فلا أتخيل أنه كان يمكنني الاندماج لهذه الدرجة من اللحظة الأولى في الرواية لو لم تكن بالعامية. رغم ذلك لم تخلو من تعبيرات قوية ودقيقة تجعلك في بعض المواضع تعيد القراءة مرة بعد أخرى لأنك تعجز عن تخطي تعبير ما لمس قلبك وكان ذكيًا وبليغًا للغاية.
وكان مزيج العمق الإنساني والفهم العميق للشخصيات المحيطة مع خفة الظل، فضلاً عن التشويق المستمر الذي يدفعك دفعًا لالتهام السطور لتكتشف سر ما يحدث مع البطل، وتعرف المزيد عمن يجري معه التجربة النفسية الغامضة، توليفة خاصة جعلتني سعيدة بالتجربة رغم أن الفانتازيا ليست نوعي المفضل في القراءة أو السينما.