كانت الساعة السادسة صباحا، 26 فبراير، مثل هذا اليوم، 1972 حين قام ثلاثة من العراقيين بمحاولة اغتيال لاجئ سياسى عراقى يقيم فى مصر، وذلك أثناء زيارتهم له بمسكنه تحت ستار عرض بعض المسائل الخاصة عليه، وفاجأ أحدهم بإطلاق ثلاثة أعيرة نارية عليه فأصيب بإصابات طفيفة، حسبما يذكر بيان أمنى رسمى عن الحادث، نشرته «الأهرام» فى عددها يوم 27 فبراير، 1972، وذلك ضمن تغطيتها الموسعة عن الحدث الذى امتد إلى محاولة اغتيال اثنين آخرين من اللاجئين العراقيين كانوا من القيادات المسؤولة البارزة فى العراق، قبل لجوئهم إلى مصر.
تذكر «الأهرام»، أن اللاجئين العراقيين الثلاثة هم عرفان عبدالرازق، رئيس الوزراء العراقى الأسبق، وصبحى عبدالحميد، وزير الداخلية السابق، والعقيد عرفان عبدالقادر، الضابط السابق بالجيش العراقى، وهؤلاء الثلاثة من أبطال الثورة العراقية الأولى فى يوليو عام 1958 وزملاء عبدالسلام عارف، رئيس العراق من 1963 إلى 1966، ورفعت الحاج سرى وناظم الطبقجلى من شهداء هذه الثورة، كما اشتركوا فى حركة الإطاحة بعبدالكريم قاسم عام 1962، واشتركوا فى حركة 18 نوفمبر «تشرين الثانى» عام 1963 لتخليص العراق من حكم «البعث» الأول، ثم اشتركوا فى حركة سبتمبر 1965 التى قام بها عارف عبدالرازق.
تكشف «الأهرام» من خلال تحقيقات النيابة مع اللاجئين الثلاثة، وثلاثة متهمين تم القبض عليهم فى الساعة الخامسة مساء، أى بعد حوالى 11 ساعة من وقوع الحادث، أن المحاولات الثلاث فشلت جميعها، وان كان ثلاثة من المتهمين أوشكوا على أن ينجحوا فى اغتيال العقيد عرفان عبدالقادر، لولا أنه تلقى وهو جالس معهم فى صالون بيته بالدقى تحذيرا تليفونيا من زميله اللاجئ السياسى العراقى صبحى عبدالحميد، وكان بعضهم قد اتجه إليه قبلها بحوالى نصف الساعة ورفض مقابلتهم فاتخذ حذره، واستطاع عندما أطلقوا عليه الرصاص، أن ينحرف فيصاب بجراح بسيطة فى رقبته وكتفه اليسرى.
تضيف الأهرام، أن الشبان الثلاثة الذين هاجموا العقيد عرفان عبدالقادر، فى الساعة السادسة والنصف، واستطاعوا أن يهربوا بعد أن القى أحدهم بمسدسه فى حديقة البيت بعد أن خلفوا وراءهم رصاصة فى حائط الصالون، وأعطى العقيد عرفان أوصاف الثلاثة، وقرر لسلطات التحقيق صراحة أنه يعتقد أنهم ينتمون إلى حزب «البعث» العراقى الحاكم، وأن الحزب هو الذى دفعهم للقضاء عليه وعلى زملائه فى مصر، لما هو معروف عنهم من مناوءة لنظام الحكم فى العراق.
رجحت سلطات الأمن أن عدد الذين نفذوا محاولات الاغتيال خمسة أو سبعة، وأنهم قاموا بمحاولاتهم فى وقت واحد تقريبا، فقد توجه اثنان إلى مسكن صبحى عبدالحميد، فى الزمالك ولكنه رفض فتح الباب بعد أن شك فى طلبهم فى حوالى الساعة السادسة صباحا، وسارع إلى زملائه ليحذرهم تليفونيا، وفى الوقت ذاته توجه خمسة شبان إلى مسكن عارف عبدالرازق فى العجوزة، ولكنهم أخطأوا وطرقوا باب صاحب البيت الذى يقيم فيه.
تقدم الأهرام سيرة مختصرة عن اثنين من اللاجئين الثلاثة، فتذكر أن عرفان عبدالقادر كان يعمل ملحقا عسكريا بالسفارة العراقية بالقاهرة من 10 سنوات، وأنه من الشخصيات العراقية المعروفة باتجاهاتها الوحدوية، وكان ضابطا بالجيش العراقى برتبة عقيد وتولى آمر الكلية العسكرية فى أعقاب انقلاب 18 نوفمبر 1963 الذى قاده الرئيس الراحل عبدالسلام عارف، كما اشترك فى محاولة انقلاب فاشلة أخرى يوم 30 يوليو 1966 ضد حكم الرئيس عبدالرحمن عارف، لجأ بعدها إلى القاهرة، ولما جاء حكم البعث أحيل إلى الاستيداع لأنه من المتعاطفين مع الخط الوحدوى العربى، وطلب الإقامة فى مصر.
أما العقيد صبحى عبدالحميد، فكان وزيرا للداخلية فى حكومة الفريق طاهر يحيى التى تم تشكيلها فى نوفمبر 1963 بتكليف من عبدالسلام عارف رئيس الجمهورية، وكان قبل ذلك مباشرة يشغل منصب مدير العمليات العسكرية، وفى يوليو 1965 استقال من الحكومة ضمن سبعة وزراء آخرين، كما اشترك فى محاولة الانقلاب الفاشلة التى قادها عارف عبدالرازق، ضد الرئيس عبدالرحمن عارف فى 30 يونيو 1966، وظل معتقلا فى بغداد حتى أفرج عنه بعد عدوان 5 يونيو 1967، ولجأ إلى القاهرة وفضل الإقامة بها بعد أن وصل حزب البعث العراقى إلى السلطة فى يوليو 1968.
تذكر «الأهرام»، أنه حدثت مساومات من جانب حزب البعث مع هؤلاء الثلاثة للعودة إلى العراق ومباشرة نشاطهم السياسى، حيث وعدوا بمناصب كبيرة، ولكنهم رفضوا هذه المساومات بعدما حدث لاثنين من زملائهم كانا يقيمان فى مصر، واستجابا لهذه المساومات وسافرا إلى العراق، ولم يكادا يصلان مطار بغداد حتى اعتقلتهما حكومة البعث وما زلا فى المعتقل حتى الآن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة