تمر اليوم الذكرى الـ125 على تقديم إميل زولا للمحاكمة بتهمة التشهير بسبب نشره مقالة كتبها بعنوان "أنا أتهم ...!" وتتحدث عن قضية دريفوس، وهى صراع اجتماعى وسياسى حدث فى نهاية القرن التاسع عشر فى عهد الجمهورية الفرنسية الثالثة، واتهم بالخيانة فى هذه القضية النقيب ألفريد دريفوس، وهو فرنسى الجنسية يهودى الديانة، وذلك فى 7 فبراير عام 1898م.
وتسبب إيمان "زولا" بالقضية وكتابته رائعته "أنا أتهم"، دفع بسببها الثمن باهظا حين حكم عليه بسبب هذه المقال بالسجن، مما دفعه إلى نفى نفسه إلى لندن، وتوفى عام 1902، قبل أن يعاد الاعتبار للضابط درايفوس بعدها بأربعة سنوات، بعدما صادف أحد الضباط بالقيادة العامة بالجيش الفرنسى وثيفة مزيفة حول درايفوس، وأعيدت المحاكمة وتم تبرئة الضابط الفرنسي.
والحقيقة أن الكثير من كبار الأدباء تعرضوا للمحاكمة بسبب مقالات الرأى، بل تعرض بعضهم للحبس، من هؤلاء الأدباء:
ديستوفيسكى
عملاً بنصيحة الشاعر الروسى ألكسيى بليششيف، انضم دوستويفسكى لمجموعة الثورى ميخائيل بيتراشيفسكى المتكونة من العديد من المثقفين الذين اعتادوا عقد اجتماعات سرية لمناقشة مسائل عديدة تخص الإمبراطورية الروسية، كحرية الصحافة وتحرير الأقنان. كذلك شارك دوستويفسكى بشكل محدود فى هذه الاجتماعات ولجأ فى المقابل لاستغلال مكتبة هذه المجموعة للحصول على الكتب والمطالعة.
وفى نفس الفترة، توفرت لدى المسؤول بوزارة الداخلية الروسية، إيفان ليبراندي، معلومات حول أنشطة مجموعة بيتراشيفسكى لتبدأ إثر ذلك عملية ملاحقة أفرادها، الذين كان من ضمنهم عملاق الأدب الروسي، حيث اتُهم بمطالعة عدد من الكتابات المحرمة بالبلاد، مثل تلك التى ألفها الأديب الثوري، فيساريون بلنسكي. ولتبرير موقفه، أكد دوستويفسكى للمحققين الروس أنه قرأ مثل هذه الكتابات الممنوعة من باب أدبى وثقافى بعيداً عن التجاذبات السياسية. إلا أن هذه الكلمات لم تكن كافية لإقناع السلطات الروسية، وفى 23 ديسمبر 1848، أمر القيصر الروسى نقولا الأول باعتقال جميع أفراد مجموعة بيتراشيفسكي، عقب تخوفه من تمرد شبيه بتمرد عام 1825 وإمكانية امتداد ثورات الربيع الأوروبى لعام 1848 نحو بلاده.
طه حسين
عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، كان أحد الذين ذهبوا إلى المحكمة، بسبب كتاباتهم، وذلك على خلفية صدور كتابه الشهير "فى الشعر الجاهلى"، والذى اعتبره الكثيرون وقتها مسيئا للدين الإسلامى، وبحسب كتاب "محاكمة طه حسين" للأديب الكبير الراحل خيرى شلبى، فإن المحاكمة بدأت بعدما تقدم عبد الحميد البنان عضو مجلس النواب حينها بدعوى أن كتاب "فى الشعر الجاهلي"، طعن وتعدى على الدين الإسلامى بعبارات صريحة واردة فى كتابه سنبينها فى التحقيقات"، وبعد شهور من التحقيقات، قرر المحقق حينها براءة الدكتور طه حسين من تهمة الإساءة للدين، مؤكدا أن ما ورد فى الكتاب كان بهدف البحث العلمى.
الأديب الكبير عباس محمود العقاد، هو الآخر تمت محاكمته، وتم حبسه، وذلك على خلفية اتهامه بتهمة "العيب فى الذات الملكية"، فى 15 أكتوبر من عام 1930، حيث مثل عباس العقاد أمام النيابة للتحقيق معه، وكان بإمكان الملك فؤاد أن يتدخل للعفو عن العقاد، ولكنه لم يفعل ذلك، واستمر التحقيق مع العقاد عدة أيام، ثم صدر ضده أمر رسمى باعتقاله وتقديمه لمحكمة الجنايات، فحكم عليه بالحبس تسعة أشهر، بسبب مقالات كتبها فى «المؤيد» هاجم فيها الملك والحكومة، وقضى العقاد مدة حبسه فى سجن القلعة.
أحمد عبد المعطى حجازى
الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى، تعرض للحجز على أثاث منزله، وذلك أثناء فترة رئاسته لتحرير مجلة "إبداع"، بعض نشره لمقاطع من قصيدة "شرفة ليلى مراد" للشاعر الراحل حلمى سالم، فى عددها الأول شتاء عام 2007، وهو ما أدى إلى تقديم الداعية الإسلامى يوسف البدرى و18 محاميا بلاغا يتهم "حجازى" و"سالم" بنشر الكفر والإلحاد، وبعدها قام الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى، بكتابة مقالات يهاجم فيها الداعية سالف الذكر فى مجلة روز اليوسف، فقام أيضا "البدرى" برفع دعوى جديدة عليه، صدر حكم فيها فى يوليو 2007 ضد "حجازى" يلزمه بدفع غرامه 20 ألف جنيه تعويضا للداعية الإسلامى، لكن الشاعر الكبير رفض تنفيذ الحكم، وبالتالى اضطر يوسف البدرى إلى التنفيذ حيث قام بعمل محضر للحجز على الأثاث والمنقولات الموجودة بشقته لسداد المبلغ المحكوم عليه به للشيخ يوسف البدرى. كما صدر حكم فى أبريل 2008 من محكمة القضاء الإدارى المصرية حكما قضائيا يطالب وزارة الثقافة بعدم منح جائزة التفوق للشاعر حلمى سالم بدعوى "إساءته للذات الإلهية"، قبل أن يتقدم المجلس الأعلى للثقافة بالطعن على الحكم.