هناك الكثير من التهديدات والتحديات تواجه البشر خلال السنوات الأخيرة، تستدعى عملا جماعيا وتجاوزا للصراعات، فالعالم لم ينته من تهديد الفيروسات والجوائح منذ كورونا، والتى لا تزال تهديداتها قائمة، فضلا عن التغيرات المناخية التى أصبحت خطرا يهدد الدول بالتأثيرات الاقتصادية، وتنعكس فى صورة فيضانات وحرائق وجفاف، وحتى تهديدات الزلازل والظواهر الطبيعية الخطرة هى الأخرى لا تبدو بعيدة عن سلوكيات بشرية وإن كانت خطرا موجودا على مدى القرون فإنها أضحت تمثل خطرا إضافيا بما تحمله من تغييرات فى الشكل والمضمون، فالتجارب النووية والصاروخية والتلوث الصناعى، فى الهواء والمحيطات، كلها تغير من طبيعة الأرض وتنعكس فى صورة ظواهر فوق طبيعية.
كل هذه الأخطار تستدعى اهتماما جماعيا من دول العالم، باعتبارها أخطارا جماعية تفرض مواجهة وتضامنا، وهو أمر قد يبدو مثاليا، لكنه واقع يفرض نفسه، ويتطلب تفكيرا جماعيا يسمح لعروض السلام والاستقرار أن تأخذ مكانها، حتى يتسنى للبشر العمل لمواجهة تهديدات وجودية للأرض والناس، وهو ما دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الجلسة الافتتاحية لقمة المناخ بشرم الشيخ، وأكد أهمية أن يواجه العالم التحديات المشتركة، التى تتطلب عملا جماعيا لمواجهتها.
وخلال أقل من ثلاثة أعوام وربما قبلها تعرض العالم لتحد تمثل فى فيروس كوفيد - 19، والذى كان أعلى تهديد واجهه البشر خلال قرن تقريبا، وسبقته تهديدات من فيروسات مثل أنفلونزا الطيور والخنازير، والتى أشارت إلى خطر التهاون.
وفرض فيروس كورونا على العالم الكثير من العزلة، ووقف حركة الطيران والسفر، واستهلك وقتا وجهدا وترك خسائره الاقتصادية والصحية، واستهلك آفاقا ضخما فى الرعاية الصحية للمصابين، واللقاحات، وبالرغم من تراجعه ما زال يمثل خطرا، فضلا عما خلفه من انعكاسات وتداعيات اقتصادية.
وفى نفس الوقت تضاعفت تأثيرات التغيرات المناخية على العالم بشكل خطر، من كوارث وتهديدات وجودية للبشر، يستدعى تغييرا فى سياقات التفكير، وربما تكون الزلازل التى ضربت تركيا وسوريا هى أبرز مثال على ما يمكن أن يواجه العالم من تهديدات وجودية، حيث تبدو الدول أحيانا عاجزة عن التعامل وحدها لمنع تداعيات هذه الكوارث، وقد ظهر وشاهد العالم المآسى التى يعيشها مئات الآلاف من سكان المناطق المنكوبة بالزلازل، ومئات القصص والمشاهد التى أثارت تعاطف العالم، ودفعت دولا كثيرة لعرض المساعدة وإعلان التعاطف، وهذا الشعور ربما يكون دافعا للبشر لأن يتحركوا من أجل وقف أى صراعات والتركيز على مواجهة التحديات الكبرى التى تهدد سكان العالم، وتأثيرها أخطر على الشعوب والدول الضعيفة.
مأساة كبرى يعيشها سكان المناطق المنكوبة من الزلزال المدمر فى كل من تركيا وسوريا، والذى يعد إحدى أقوى الكوارث خلال القرن الواحد والعشرين، الأمر الذى يستدعى تضافرا دوليا وإقليميا لمواجهة آثاره، وتقديم الإغاثة لضحاياه، وهذا الشعور يتطلب آليات دولية للتعامل مع حدث يتخطى كل حدود المأساة، لأن الصراعات وانعكاساتها فى بعض مناطق سوريا مثلا تعرقل وصول الإغاثة والمساعدات للمنكوبين، وتتطلب تدخلا دوليا وإجراءات تسهل وصول الإغاثة إليهم، هناك دول سارعت بإرسال معونات وإغاثة، مثلما تم مع مصر منذ اللحظات الأولى، وبجانب إرسال المعونات والمساعدات البشرية والغذائية والطبية، كانت هناك جهود لإيصال هذه المواد.
الزلزال المدمر ترك آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى والمشردين، وكانت المشاهد التى عرضت صعبة وكاشفة عن المآسى المحزنة، خاصة أن مثل هذه الكوارث تجعل من الصعب على السلطات المحلية التعامل مع الآثار المدمرة، وتأتى هذه الكوارث وسط أزمة اقتصادية عالمية تترك آثارها على دول العالم، وتنعكس بالسلب على سكان الكرة الأرضية، وتستدعى تدخلا دوليا عاجلا بشكل يمكن من تقليل الآثار الناجمة عن هذه الكوارث.
ونظن أن المنظمات الدولية والدول الكبرى بحاجة لأفعال تتجاوز التعاطف إلى أفعال تمكن من وصول المساعدات العاجلة، ومعها التفكير فى خطوات لمتابعة آثار ما بعد الكارثة، من إعادة إعمار، خاصة أن الزلازل ضاعفت من مآسى سكان مناطق تعانى على مدى سنوات من آثار الصراع.
وإذا كانت الزلازل لا تحذر قبل وقوعها، يفترض أن يكون الزلزال نفسه تحذيرا من أخطار أخرى تتطلب تحركا دوليا لوقف الصراعات والتفرغ لمواجهة التحديات.