لم يكن الاجتماع الأخير للجنة الاقتصادية بمجلس النواب برئاسة الدكتور محمد سليمان اجتماعا عاديا إذ شهد التعرض لواحد من مشروعات القوانين الهامة للغاية والمبشرة خاصة فى ظل التعاطى مع توجه الدولة المصرية لمواجهة أزمة التغيرات المناخية.
وتقدمت الدكتورة غادة على عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب بمشروع قانون متميز لتعديل أحكام قانون سوق رأس المال وخاصة فيما يتعلق بخفض الانبعاثات الكريون، ففى الوقت الذى أصدر فيه رئيس مجلس الوزراء قرار رقم 4664 لسنة 2022، بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال الصادر بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 135 لسنة 1993، تتبلور فلسفة القانون فى إيجاد غطاء تشريعى محفز ومنظم لتداول شهادات خفض الانبعاثات الكربونية.
ووفقا للمذكرة الإيضاحية التى أعدتها نائبة التنسيقية يستهدف مشروع القانون المقترح، الاستثمار فى إصدار أدوات مالية تتوافق مع متطلبات حماية المناخ وهو ما يمكننا من الاستثمار فى شهادات الكربون كأدوات مالية غير تقليدية وكذلك تشجيع الشركات لإصدار السندات الخضراء القابلة للتداول والتحول لشركات صديقة للبيئة حيث ستكون مضطرة لقياس قيمة الفائض الناتج عن تقليلها للانبعاثات الكربونية باستخدام البصمة الكربونية وطرحها للتداول لتستفيد منه الشركات عالية الانبعاثات الكربونية.
وفى سابقة هى الأولى من نوعها، يسمح مشروع القانون بإطلاق منصة الكترونية تسمح بتسجيل وتداول شهادات الكربون خاصة بعد أن تم رصد زيادة كبيرة فى حجم التداول على تلك النوعية من الشهادات فى الأسواق المالية، كما اعتمد الاتحاد الأوروبى شهادات الكربون كأحد الأدوات المالية عام 2018.
كما يستهدف المشروع تحول مصر لمركز جذب استثمارات لسندات خضراء وشهادات كربون دولية للتداول فى السوق المحلى.
ووفقا للمذكرة الإيضاحية المرفقة بمشروع القانون، ظهرت أسواق الكربون فى العالم أجمع منذ توقيع اتفاقية كيوتو، والذى اعتمد عدد من الآليات التى تسمح للدول بالوفاء بالتزاماتها تجاه تقليل انبعاثات الاحتباس الحرارى، فالشركات والجهات فى مختلف دول العالم أصبح لديها التزامًا بخفض مستوى انبعاثات الكربون الصادرة منها بمستوى معين، وهناك شركات وجهات تنجح فى تخفيض حجم الانبعاثات بأكثر من المستوى المطلوب منها، وبالتالى تحقق فائض فى متطلبات الانبعاثات ويمكنها بيع تلك الفوائض إلى شركة أو جهة أخرى لم تستطع الالتزام بتخفيض متطلبات الانبعاثات كما هو مطلوب منها.
وقالت غادة على أنه على سبيل المثال حينما يرغب مصنع فى تخفيض 7 أطنان من انبعاثات ثانى اكسيد الكربون يقوم بتغيير معدات التصنيع الخاصة به بمعدات أقل تلويثًا للبيئة وينجح فى تخفيض 10 أطنان من انبعاثات ثانى اكسيد الكربون، وبالتالى لديه وفر 3 أطنان، يستطيع إصدار شهادة بهذا الوفر ويقوم بيعها لمصنع آخر لم يستطع تخفيض الانبعاثات الخاصة به وبالتالى يصبح المصنع الثانى ملتزم نتيجة شرائه لهذه الشهادة.
ومن هذا المنطلق ظهرت أسواق منظمة لبيع وشراء شهادات الكربون فى الدول المتقدمة والناشئة ايضًا مثل كوريا وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وغيرهم من الدول، وعلى مستوى المنطقة فتسعى المملكة السعودية لإنشاء أول منصة لتداول شهادات الكربون.
ومع الارتفاع القياسى لأسعار شهادات الكربون فى الأسواق العالمية حيث بلغت اعلى مستوياتها وفقًا لما ورد بتقرير البنك الدولى الصادر فى يونيو 2022 والذى توقع أيضا استمرار أسعارها فى الصعود نظرًا لأن أسواق الكربون فى العالم لا تغطى أكثر من 4% من من الانبعاثات العالمية، وأشار التقرير أيضًا إلى ارتفاع إيرادات الكربون بنحو 60% خلال العام الماضى لتصل إلى 84 مليار دولار.
وقالت المذكرة الإيضاحية أن المادة السادسة من اتفاقية باريس للتغير المناخى والتى وافقت بشكل رسمى على امكانية بيع رصيد الكربون من دولة لدولة بشرط حسابها مرة واحدة فقط وتجنب الازدواج الحسابى، مما يجعل من المهم لمصر أن تسعى بقوة لإنشاء سوق لتداول شهادات الكربون، وهو ما يساعد على فتح الطريق أمام مصر لكى تعلب دورًا محوريًا كأكبر مركز اقليمى لتداول شهادات الكربون
وهو ما سوف يسهم فى جذب استثمارات مالية أجنبية إلى الاقتصاد المصرى من خلال المشترين الأجانب لشهادات الكربون المحلية وأيضا تنمية سوق المال المصرى بإضافة أدوات مالية جديدة غير تقليدية هذا إلى جانب تطوير مكانة مصر كلاعب أساسى فى الجهود الدولية لإصلاح التغيرات المناخية، بالإضافة إلى تشجيع الشركات المحلية على التركيز على تخفيض الانبعاثات توفير التمويل اللازم لللشركات المحلية للتوافق مع الاعتبارات البيئية.
ويسمح قانون سوق رأس المال بالتعامل على شهادات الكربون كأدة مالية قابلة للقيد والتداول فى بورصات الأوراق المالية، وكذلك السماح للشركات والجهات الأجنبية بقيد شهادات الكربون الخاصة بها فى السوق المصرى لجذب الاستثمارات الأجنبية فى هذا الشأن لتمكين الاقتصاد المصرى من لعب دور اقليمى فيما يتعلق بنشاط تداول شهادات الكربون، كما يسعى مشروع القانون لتعظيم دور مصر الريادى فى جهود إصلاح التغيرات المناخية.