أيام قليلة تفصلنا عن شهر رمضان الكريم، حيث تتعطش القلوب وتهفو النفوس شوقا للشهر الكريم، الذي "يطبطب" على القلوب، ويسكن بها السكينة والرحمة والود والطمأنينة.
ما أحوجنا لهذا الشهر الكريم، وأجواء الروحانيات، ولم شمل الأسر، وتجمع الأقارب والأحباب.
ما أحوجنا لرمضان بروائح الزمن الجميل، حيث تلاقي القلوب الصافية النقية، والتجمع الأسري الرائع، وأمهات على "سجاجيد الصلاة" تدعو، وعيون تزرف الدمع خشوعا وخنوعا لله في صلاة التراويح.
ما أحوجنا لسماع صوت القران الكريم قبل انطلاق آذان المغرب، حيث يعلو صوت "المنشاوي وعبد الباسط ومصطفى إسماعيل والطبلاوي"، فينصب الجميع، حتى الشجر والحجر، تشعر أنهم يستمتعون بجمال التلاوة، ولابتهالات النقشبندي، وأدعية الشعراوي.
ما أحوجنا لأجواء رمضان برائحة الزمن الجميل في قريتنا الحبيبة "شطورة" شمال محافظة سوهاج في صعيدنا الطيب النقي، حيث التكافل والتراحم والمودة بين الجميع، فيعطف القادر على غيره، ويرسم الجار البسمة على وجوه جيرانه، فتتزاحم "صواني الأكل" ليأكل الجميع على موائد واحدة، ويتقاسم الجميع العصائر والحلويات، و"يحبسوا بالشاي" في أجواء مليئة بالمحبة والقلوب العامرة بالود والتسامح.
ما أحوجنا لأجواء رمضان مع أقارب وجيران وأصدقاء و"بلديات"، ترتسم على وجوههم ملامح الرضا، تحتضنك قلوبهم بمحبة شديدة، قبل أن تطوقك أذرعهم شوقا وفرحا لرؤيتك، فهنا كل شيء رائع وجميل، وكفيل أن تشحن طاقات إيجابية وتستمد قوتك مرة أخرى، وتهجر مشاكلك، التي تتحطم على صخرة لقاء الأحباب وسهرات السمر، والتجمعات في المساجد لقراءة القرآن الكريم بأصوات جميلة.
تلك الأجواء الروحانية المفعمة بالإيمان والسعادة، ما أحوجنا إليها جميعًا، حتى نتغلب من خلالها على قسوة الحياة ورويتنها الذي يصيب البعض بالملل، هذا الشهر فرصة لصلة الأرحام التي تمزقت بسبب ضغوط الحياة ومشاغلها، وظهور منصات التواصل الاجتماعي، التي حلت بديلة لأجواء التجمع والمحبة، حتى أصبحنا نطمئن على بعضنا البعض عبر "الشات"، وندعم بعضنا البعض بـ"لايك" أو "شير"، ونعزي الغير بـ" ايموشن"، حتى أصبحنا نضحك ونبكي ونشارك مشاعرنا لقطعة من "الحديد أو البلاستيك" أكثر مما نضحك في وجوه بعضنا البعض.
أعتقد، أن "لايك" على فيس بوك، أو رسالة على الواتس آب، أو صورة عبر انستجرام، كل ذلك لا يساوى دفء "لمة أسرة" حول "الطبلية" في رمضان، مع انطلاق مدفع الإفطار، أو دقات "طبلة المسحراتي".
أعتقد، أن رمضان فرصة طيبة لاستعادة أجواء المحبة، ولم الشمل، ومشاركة الغير أفراحهم وأحزانهم، والتصافي والمحبة، والدخول في أجواء روحانية، بعيدًا عن منصات التواصل الاجتماعي التي أفسدت حياتنا الاجتماعية.