أصدرت الدار المصرية اللبنانية، كتاب لمستشرق بريطاني يعيد بناء صورة صلاح الدين الأيوبي في المخيلة الأوروبية، وهو كتاب المستشرق البريطاني الشهير ستانلي لين بول عن صلاح الدين الأيوبي، وهو أول كتاب صدر عنه في أوروبا، أثار صدور الكتاب ضجة وردود فعل ومناقشات حين صدر، عاش ستانلي لين بول بين عامي 1854 و1931م.
ترجم الكتاب الدكتور علاء مصري النهر، الذي قدم بالتوازي مع نص الكتاب المترجم إضافات هامة من المصادر والمراجع التي نشرت منذ عصر المؤلف إلي يومنا، مما يجعل هذا الكتاب كتابًا مرجعيَّا عن صلاح الدين الأيوبي وعصره والحروب الصليبية، كما قام خبير المخطوطات والتراث الدكتور أيمن فؤاد سيد بمراجعة الترجمة وتدقيق الكتاب، كما كتب مقدمة ضافية له أبرزت أهميته.
يعرض الكتاب لصورة صلاح الدين في الأدب الغربي، فيبدأ برواية "رتشارد قلب الأسد" الإنجليزية ويدحض ترهاتها دحضًا لا مثيل له، ثم يتحدث عن "حكايات منشد ريمس" الفرنسية، فينسف فكرة علاقة الملكة إليانور بصلاح الدين من جذورها، هي وغيرها من الحوادث التي لا أساس لها في التاريخ كتعميد صلاح الدين. ويتحدث باستطراد عن تقليد صلاح الدين حزام الفروسية على يد الأمير همفري صاحب تبنين أو الأمير هيو صاحب طبرية بحسب ما أوردته رواية "وسام الفروسية" الفرنسية، لكنه يرجح - إن كان قلد – أن الذي قلده هو الأمير همفري. ويولي أهمية كبيرة بما ذكرته رواية "الطلسم" الإنجليزية الشهيرة عن صلاح الدين، ويدحض بالأدلة عدم لقاء صلاح الدين برتشارد ألبتة. ثم يتحدث عن موضوعية مسرحية "ناتان الحكيم" الألمانية واقترابها من الواقع التاريخي كثيرًا.
هذا الكتاب يهدم الأساطير التي اعتدنا عليها، فحركة الاستشراق كانت لديها تحيزات للغرب ووجهة نظره، لكنها حملت أيضًا دراسات بها موضوعية في الطرح.
سرد الكتاب تفاصيل حياة صلاح الدين الأيوبي فتناول نجم الدين أيوب والد صلاح الدين، ومساعدته الجليلة لعماد الدين زنكي في عبور نهر دجلة ونجاته من جيش الخليفة العباسي المسترشد بالله وأعوانه من السلاجقة، ثم ينتقل بالحديث إلى اضمحلال الخلافة العباسية، وسطوع نجم السلاجقة، لا سيما السلطان ملكشاه الأول ووزيره العظيم نظام الملك، ثم تطرق إلى تمزق أوصال دولتهم وقيام دول الأتابكيات على أنقاضها. وتحدث عن حملة الفرنج الأولى وتأسيس مملكة بيت المقدس وغيرها من الإمارات اللاتينية ببلاد الشام والجزيرة الفراتية، ثم يختص بالحديث عن الأمير أسامة بن منقذ صاحب "كتاب الاعتبار"؛ ليدلف إلى العلاقات بين الفرنج والمسلمين في وقت السلم والحرب.
ثم يتحدث الكتاب بالتفصيل عن نشأة صلاح الدين يوسف ببعلبك في إبان تولي أبيه حكمها، ثم ينتقل إلى الحديث عن حملة الفرنج الثانية على دمشق، ويفصل القول في طفولة صلاح الدين بها، ولم يفته الحديث عن عمه أسد الدين ودوره في تثبيت أركان دولة الملك العادل نور الدين محمود صاحب دمشق وحلب. وتناول الكتاب الأحوال السياسية بالديار المصرية أيامئذ، وحملات أسد الدين الثلاث عليها، وموته بأخرة. وحلل المؤلف الظروف التي تولي فيها صلاح الدين منصب الوزارة للخليفة الفاطمي العاضد لدين الله، وقضائه على تمرد العبيد السودان بالقاهرة وإفشاله حصار الفرنج لمدينة دمياط، ثم يتحدث عن غاراته على غزة وأيلة، ودعوته للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله بالديار المصرية.
ثم استعرض قصر الخليفة الفاطمي الذي ورثه صلاح الدين، وكنوز الفاطميين وذخائرهم، وتشييده قلعة القاهرة، ثم انتقل بالحديث إلى حصار الشوبك والكرك، وغزو طرابلس الغرب والسودان واليمن، وحصار الصقليين لثغر الإسكندرية.
خصص المؤلف قسمًا كبيرًا من كتابه لدولة صلاح الدين الأيوبي تحت عنوان (إمبراطورية صلاح الدين)، وذلك في أربعة فصول: يتحدث في أولها عن موت الملك العادل نور الدين محمود، وانقسامات أمرائه بشأن الوصاية على ابنه الملك الصالح إسماعيل، ثم دخول صلاح الدين دمشق، ومحاولة الحشيشية اغتياله أمام حلب، وانتصاره على الزنكيين في معركتي قرون حماة ثم تل السلطان، ومحاولة الحشيشية الأخرى اغتياله أمام قلعة أعزاز. ويتحدث في الفصل الثاني عن الحشيشية وشيخ الجبل، ثم ينتقل إلى بناء قلعة القاهرة، وكسرة الرملة الشهيرة، ونصر المسلمين المؤزر على الفرنج بوقعة مرج عيون، وتخريب حصن مخاضة يعقوب عند نهر الأردن، ثم عقد هدنة معهم، وصلحه مع أمراء بلاد الجزيرة الفراتية وحلب وسلطان سلاجقة الروم وملك أرمينية. أما الفصل الثالث فيتطرق فيه لموت الملك الصالح، ووداع صلاح الدين القاهرة وداعًا لا رجوع بعده، ثم غزوه بلاد الجزيرة الفراتية، وأخذه مدينة حلب. وفي الفصل الرابع يتحدث عن معركة قلعة الفولة جنوبي الناصرة ضد الفرنج، وحصاري قلعة الكرك، وعقد هدنة معهم مجددًا، ثم أنهى الفصل بالحديث عن مدينة دمشق ليلقي بك في أتون التفاصيل عن مهام صلاح الدين كسلطان، وسفارة القاضي بهاء الدين ابن شداد الموصلي – كاتب سيرته - إليه من قبل حاكم الموصل، وعقد الصلح النهائي مع أصحاب الموصل.
ويعتبر الجزء الرابع (قتال الفرنج) من أهم أجزاء الكتاب، ولعل مرد هذه الأهمية حديثه عن معركة حطين، وتحرير مدينة القدس. يتكون هذا الجزء من خمسة فصول: في أولها يتحدث عن جولة الأمير باليان صاحب يبنى من أجل رأب الصدع بين الفرنج بعضهم بعضًا، ثم يتحدث عن المناوشات بين جيش صلاح الدين والفرنج عند عين جوزة قرب الناصرة، ونهب مدينة طبرية، ثم يفصل الحديث تفصيلا عن معركة حطين وقتل الأمير أرناط. وفي ثانيها يتحدث عن فتح المدن الفلسطينية التابعة لمملكة بيت المقدس، ثم ينتقل بالحديث إلى دور المركيس الفرنسي كونراد في إنقاذ مدينة صور من حصار صلاح الدين الأول، ثم يرجع ليتحدث عن فتح عسقلان، ودفاع الأمير باليان عن مدينة بيت المقدس وحصار المسلمين لها واستسلامها في النهاية، وهنا يبسط الحديث عن كرم صلاح الدين ونبله تجاه أهل هذه المدينة المقدسة. وفي ثالث فصل يتحدث عن أول خطبة ألقيت في المسجد الأقصى، ثم يتحدث عن حصار صور الآخر وأسباب الانسحاب عنها، ثم يتطرق إلى توغل جيش صلاح الدين في أقاليم إمارتي طرابلس وأنطاكية، وفتح قلعة كوكب وصفد والكرك. ويتحدث في الفصل الرابع عن حملة الفرنج الثالثة، وما جرى في غضونها من ملاحم وحروب تشيب النواصي، ثم يتطرق إلى حصار قلعة شقيف أرنون جنوبي لبنان، وبدء زحف الفرنج نحو عكا ونجاحهم في فرض الحصار عليها. ويبدأ خامس فصل بالحديث عن شروع صلاح الدين في فرض حصار على الفرنج المحاصرين لعكا، ووصول هنري كونت شامبين وغيره من نبلاء أوروبا إلى معسكر الفرنج، وهنا يتحدث عن معاناتهم بسبب من الحصار المضروب عليهم من قبل المسلمين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة