ربما يبقى لفظ "الحياد" مرتبطا إلى حد كبير بالعلاقات الدولية، في ظل الأزمات التي تشهدها الساحة العالمية، في صورة العديد من الصراعات، خاصة فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، في ظل عدم وجود رغبة لدى الدول في التورط في الصراع الراهن، وتجرع الخسائر السياسية، بالإضافة إلى الاحتفاظ بفرصهم للقيام بدور أكبر، عبر تقديم أنفسهم كأطراف موثوقة، يمكنهم القيام بدور في احتواء الصراع، عبر الوساطة، وهو النهج الذي لا يبدو جديدا على الإطلاق، حيث تبناه معسكرا من الدول، في عام 1955، إبان الحرب الباردة، بقيادة مصر، عندما أسست "حركة عدم الانحياز"، بالشراكة مع الهند، وذلك لتبني موقفا محايدا تجاه المعسكر الغربي، بقيادة الولايات المتحدة، من جانب، والاتحاد السوفيتي في الشرق من جانب آخر، وهو ما طرح العديد من التساؤلات حول الكيفية التي يمكن أن تتعامل بها الأطراف "المحايدة"، مع أطراف الأزمة، وهو ما تمخض عنه بعد ذلك مفهوم "الحياد الإيجابي"، من شأنه الإعلاء من مصالح الدول، وتبني قضاياها في المحافل الدولية.
ولكن بعيدا عن حالة الأزمات الدولية، التي يعيشها العالم في اللحظة الراهنة، يبقى مفهوم "الحياد الإيجابي"، محلا للجدل، في ظل ارتباطه بحالة "عدم الانحياز"، لأى طرف من الأطراف على حساب الأخر، وهو ما لا يقتصر على العلاقات بين الدول، وإنما أيضا في المواقف التي تتبناها في الداخل، تجاه كافة الأطراف الفاعلة في المعادلة المجتمعية والسياسية في الداخل، وهو ما يبدو في الحالة المصرية، في المزايا التي باتت تحظى بها فئات معينة، ربما يراها البعض انحيازا لها، إلا أنها في واقع الأمر تمثل دعما يهدف إلى تفعيل أدوارهم في المجتمع بصورة أكبر، وهو ما يعود بالمنفعة الجمعية على كل أفراد المجتمع، في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها جراء التحديات المفروضة عليه من الخارج.
فلو نظرنا إلى المرأة، كنموذج للفئات المجتمعية في مصر، والتي تحظى بدعم كبير من قبل القيادة السياسية، ربما تجلى في العديد من المواقف في السنوات الماضية، وأخرها مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي في احتفالية تكريم المرأة المصرية، والقرارات التي أعلن عنها، نجد أن الموقف الذي تتبناه الدولة المصرية لا يمثل انحيازا في هذا الإطار، وإنما في جوهره تطبيقا عمليا لـ"الحياد الإيجابي"، والقائم في الأساس على تقديم المزايا لبنات مصر وسيداتها، من أجل دفعهن للمشاركة في العملية التنموية، وإدماجهن في عملية "صناعة القرار" في مختلف الدوائر، سواء السياسية أو الاقتصادية أو غيرها، وذلك بعد عقود من التهميش، والتي خسر المجتمع بسببها أكثر من نصف طاقته، ناهيك عما تعرضت له المرأة المصرية من ظلم اجتماعي، بسبب قوانين الأحوال الشخصية، وضعت على كاهلها عبئا ماديا وأخلاقيا، ربما لا يقوى على احتماله أقرانها من الرجال.
وهنا تحمل المزايا التي تقدمها الدولة للمرأة في مصر، في طياتها، مسارين، أولهما يقوم في الأساس على "إعادة الاعتبار" لها، بعد سنوات من التهميش، على الجانب العملي، ناهيك عن حالة الظلم الاجتماعي التي تعرضت لها لفترات طويلة، في ظل قوانين مجحفة، ربما تقوض فرصتها في الحصول على حياة طبيعية في الكثير من الأحيان، بينما يعتمد المسار الثاني على فكرة إحياء دورها باعتبارها "قوة" يمكنها إثراء الحياة المصرية في صورتها العامة، وهو ما يمثل أحد أهم أبعاد مفهوم "التنمية المستدامة"، والذي يمثل أحد أهم الأولويات القصوى التي تتبناها "الجمهورية الجديدة"، منذ ميلادها في 2014.
وفى الواقع، لا يقتصر نهج "الحياد الإيجابي"، من حيث نطاق التطبيق، على المرأة المصرية، وإنما يمتد إلى العديد من القطاعات الأخرى، ربما أبرزها الشباب وذوى الهمم، واللذين نالا قدرا كبيرا من اهتمام الدولة المصرية في السنوات الماضية، باعتبارهما جزءً لا يتجزأ من قوتها، والتي ينبغي تحقيق أكبر قدر من الاستفادة منها، بينما امتدت إلى الأقاليم، في ظل الاهتمام الكبير بصعيد مصر، وسيناء، وغيرها من المناطق التي شهدت تجريفا طويل الأمد، دام لعقود طويلة من الزمن، لتلعب دورا رئيسيا في العملية التنموية عبر المشاريع العملاقة التي دشنتها الدولة، ناهيك عن النهج الذي تبنته الدولة في الحرب على الإرهاب، والقائم على فكرة استخدام التنمية كأحد الأدوات التي من شأنها تقويض الدور الذي تلعبه جماعات الظلام في تلك المناطق، إلى جانب أدوات أخرى، على غرار الأمن والتوعية.
وهنا يمكننا القول بأن تعامل الدولة المصرية مع المرأة أو غيرها من الفئات المجتمعية، يمثل جزء من استراتيجية "الحياد الإيجابي"، والتي تقوم في الأساس على تفعيل أدوار كافة الفئات التي يمكنها المساهمة بدور في دفع البلاد نحو المسار التنموي، في إطار حشد كافة القوى لتحقيق هذا الهدف، بينما في الوقت نفسه تمثل انسجاما مع كافة التوجهات، بما فيها التعامل مع كافة القضايا الدولية، والتي تعتمد إطارا يقوم في الأساس على إعلاء مصلحة الدولة في مواجهة كافة التحديات المحدقة بها.