فى كل عمل درامى يتناول فترات تاريخية أو سير لشخصيات يثور جدل عن مدى دقة مطابقة العمل الدرامى، فيلم أو مسلسل، للحدث التاريخى، ويسعى البعض لمطابقة الأحداث فى العمل الفنى بالأحداث والتواريخ الحقيقية، وهو أمر غالبا ما يثير جدلا، البعض يفعل من أجل الدقة والبعض من أجل الاستعراض، أو المشاركة.
ومع اتساع أدوات التواصل تتزايد أعداد النقاد للأعمال الفنية والأدبية، من خلال بوستات، لا تكلف الكثير، ويرى كل صاحب صفحة افتراضية أن لديه الحق فى إبداء رأيه، تأييدا أو رفضا، وهى عادة ولدت وترعرعت مع عصر أدوات التواصل، ومن حق أى فرد أن يبدى رأيه، طالما لا يؤذى نفسه أو غيره.
نقول هذا بمناسبة ما يثار حول مسلسلات رمضان، ومنها مسلسل سره الباتع، الذى أخرجه خالد يوسف، عن قصة للكاتب الراحل الكبير يوسف إدريس، ضمن عدد من الأعمال الدرامية من إنتاج الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، تتنوع بين الدراما والكوميدى والاجتماعى، وهو أمر ليس جديدا، حيث تمثل الدراما وجبات رمضانية، منذ عصر الإذاعة وألف ليلة وليلة.
«سره الباتع» فى الواقع يتناول فكرة الكاتب حول مقام مجهول فى قرية، للشيخ «السلطان حامد»، يحكى البطل عنه ويظل بين مصدق ومكذب لاعتقاد الأهالى به، والراوى يحمل اسم حامد تبعا لنصيحة جده لأبيه الذى كان ينجب بنات، ويموت الذكور، فنصح الجد الأب أن يسمى ابنه حامد حتى يعيش، ويرتبط حامد بالضريح، المجهول الغامض، الذى يقسم به أهل القرية، حيث إنه فى قصة يوسف إدريس يحاول الراوى « حامد» فهم علاقة السلطان صاحب الضريح بالقرية وتلبية الحاجات واستقبال النذور.
فى المسلسل «سره الباتع»، يمزج مؤلف العمل بين زمنين، زمن الحملة الفرنسية التى يندهش أفرادها بمدى ارتباط أهالى القرية بمقام السلطان حامد، خاصة بعد تعرض عدد كبير من أفراد الحملة للقتل فيصدرون قرارا برمى جثمان حامد فى النيل وهدم ضريحه، بينما أفراد مقاومة الفرنسيين يقلدون حامد بدق الوشم على أصداغهم وقطع أصابعهم، باعتبار أنهم من أتباع السلطان حامد.
الخيط الآخر هو أن «حامد» المعاصر، الذى يعمل فى الصاغة، يحاول فك لغز السلطان حامد، الذى يوجد له أكثر من ضريح باسمه فى أكثر من قرية، ويحاول «حامد» البحث وراء وثيقة بالفرنسية يعثر عليها فى الضريح، بعد محاولات بعض اللصوص نبش المقام، ويذهب إلى عالم آثار لفك اللغز، وفى نفس الوقت يحاول أحد رجال المافيا أو الأجهزة البحث عن الوثيقة، هذا فى الحلقات الأولى.
القصة الأساسية التى كتبها يوسف إدريس تتحدث عن سر الضريح وصاحبه، المسلسل يحاول الربط بين وقت الفرنسيين وحملتهم ومقاومة المصريين لهم، وهنا يعلق البعض عن بعض ما يرونه من أخطاء فى الملابس أو طريقة الحياة، أو عدم تطابق بعض الأحداث، وهذا بالنسبة لمن ينظر للعمل على أنه تاريخى، بينما هو عمل معاصر، عن لغز السلطان حامد، والذى يوجد مثله فى كل مكان فى قرى مصر ومدنها فى الوجهين البحرى والقبلى، وهناك قطاع واسع من المصريين يتبرك بهم أو يقدم لهم النذور، والموالد، ضمن تقاليد مصرية مستمرة على مدى عقود.
وفى الخلفية الحملة الفرنسية قبل أجيال، وليس تاريخيا، وبالتالى فإن أحداث الحملة الفرنسية والمماليك، هى فى خلفية الحدث، الذى ينتظر أن يتفاعل ليتطور، فى خط البحث عن سر الورقة، أو الكنز أو الضريح، حاملا بعض الروايات عن أسرار تركها الفرنسيون بعد أن رحلوا عن مصر، وهى أسرار عالجت بعض القصص والأعمال الدرامية بعضها، لكن «سره الباتع» عمل يعالج خيوطا متعددة، ويتضمن فى جزء منه مناقشات وأفكارا عن التاريخ أو الماضى، والدين والثقافة.
وما زال فى بدايته، وإن كان يحمل خطوطا متقاطعة، وفيه جهد فى التصوير والمشاهد والمجاميع، فضلا عن أن الفرجة بالنسبة للمشاهد العادى ترتبط بالتشويق والجاذبية، والأحداث فى سره الباتع تبدو مبشرة، بالمزيد من التفاصيل، وربما لهذا يبدو جاذبا للمناقشات، وكل عام وأنتم بخير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة