نقصد بجودة الحياة مجموعة المتطلبات التي تعمل على تحسين وتطوير مختلف الجوانب الخاصة برأس المال البشري، والتي من شأنها أن تؤثر على جودة حياتهم متمثلة في بيئتهم الاجتماعية والثقافية والصحية، بما يؤدي إلى تحسين أدائهم، وتنمية أفكارهم، ومن ثم يسهم في تحقيق أهداف المؤسسة أو المنظمة والفرد والأطراف كافة ذات العلاقة.
وفيما يخص الدولة تُعبر جودة الحياة عن السياسات والإجراءات والعمليات التي تنفذها الدولة بهدف تطوير وتحسين الحياة الوظيفية، والشخصية لمواطنيها، والذي ينعكس بدوره على الأداء العام إيجابيًا، وبذلك تحقق الدولة أهدافها وتطلعاتها، وفي نفس الوقت تُلبي وتشبع رغبات مواطنيها، ما يضمن استمرارية نجاح الدولة وتقدمها، ومن ثم حصانتها ضد الكثير من الأزمات والتحديات.
وبمطالعة ما ورد في رؤية مصر 2030 والتي تعتمد على مبادئ "التنمية المستدامة الشاملة" و"التنمية الإقليمية المتوازنة"؛ فقد جاء الهدف الأول فيها عن جودة الحياة: ونصه (الارتقاء بجودة حياة المواطن المصري وتحسين مستوى معيشته)، وذكرت في تفاصيله بأنه يتحقق الارتقاء بجودة حياة المواطن المصري وتحسين مستوى معيشته بالحد من الفقر بجميع أشكاله، والقضاء على الجوع، وتوفير منظومة متكاملة للحماية الاجتماعية، وإتاحة التعليم وضمان جودته، وجودة الخدمات الصحية، وإتاحة الخدمات الأساسية، وتحسين البنية التحتية، والارتقاء بالمظهر الحضاري، وضبط النمو السكاني، وإثراء الحياة الثقافية، وتطوير البنية التحتية الرقمية.
وعندما يدرك الفرد مكانته الاجتماعية في ضوء منظمة القيم والسياق الثقافي الذي يؤمن به؛ فإنه يثابر ليحقق أهدافه ويلبي احتياجاته ويفي باهتماماته؛ فقد يعبر ذلك عن جودة الحياة من وجهة نظره؛ فيشعر بالرضا عن نمط حياته؛ لكونه يمتلك المهارات النوعية لتخصصه، ومن ثم لا يشعر بالقلق تجاه حقوقه المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.
وتتباين جودة الحياة من فرد لآخر؛ فقد تُمثل بالنسبة لفرد ما الصحة، ولآخر السعادة، أو تقدير الذات أو الرضا عن الحياة، وهذا يجعلها متغيرة في تناولها، من حيث المرحلة العمرية وزمانها، وقد تتباين في المكان؛ لذا يمكن القول بأن مستوى الشعور بجودة الحياة تختلف من شخص لآخر وفق ما يتبناه من قيم ومعتقدات وأطر ثقافية، وفي ضوء ما يمتلكه من مقومات متعددة؛ منها: مقدرته على التفكير، واتخاذ القرار، وإدارة الذات، وما يمتلكه من صحة جسدية ونفسية، وما يحيط به من ظروف اقتصادية واجتماعية.
وترتبط جودة الحياة بالحالة النفسية؛ لذا فمعدل الشعور بها أو التأثر بمستواها يأتي في ضوء الحالة النفسية للفرد؛ فمن يستشعر الرضا تزيد لديه معدلات السعادة والانسجام والتوافق والتكيف مع بيئته وأفراد مجتمعه، كما يقوى تواصله مع الآخرين، ومن يشعر بالاضطراب أو الهم يزيد لديه معدل العزوف والتشاؤم وينتابه الملل وتتملكه الأحزان، وينطوي على نفسه وينعزل عن بيئته قدر الإمكان.
وتكمن جودة الحياة للفرد في توافر المناخ الاجتماعي الذي يلبي احتياجاته الرئيسة، وعليه يحرص على أن يؤدي ما يُوكل إليه من مهام، ويقدم أفضل ما لديه من أعمال، كما يتحقق لديه الرضا التام سواء في منزله أو في عمله أو في علاقته الاجتماعية المتزنة أو فيما يقدم له من خدمات، أو تجاه البيئة الآمنة المحيطة به؛ لذا يتجنب الفرد أن يلحق الضرر بغيره أو ببيئته لاتجاهاته الإيجابية التي اكتسبها بصورة متراكمة.
وحري بالذكر أن جودة الحياة تشمل في سياقها الاحتواء الاجتماعي؛ حيث مساعدة الفرد على استيعاب طبيعة وثقافة مجتمعه، والتوافق والتكيف مع قيمه التي تشكل عاداته وتقاليده، كي يشعر بالولاء من خلال الدعم الذي يتلقاه، والمساندة في صورها المتعددة على مستوى مؤسسي وغير مؤسسي، بما يزيد من تأكيد الأمن الاجتماعي والنفسي لديه والشعور بالسعادة، ومن ثم تتحقق الرفاهية بصورها المنشودة، وفي المقابل يشارك مجتمعه وأفراده المشكلات والهموم والأحزان والأفراح، ولا يتعارض مع حفاظه على خصوصياته والآخرين، كما يحفز لديه المقدرة على تحقيق طموحاته ورغباته التي تتسق مع قيمه.
ونظرًا لأن جودة الحياة تقوم على الشعور بالرضا لدى الفرد نتيجة لقناعاته الفكرية أو المعرفية الداعمة لإحساسه بما يمكنه من القيام بأدواره المهنية والاجتماعية، كما تحفزه للاستفادة من المصادر البيئية والمادية المتاحة وتوظيفها بشكل إيجابي- نجد الأبواق الإعلامية المغرضة تعمل على خفض الشعور الإيجابي لدى المواطن؛ ليُصاب بصعوبة في التكيف مع المهام التي توكل إليه، فيعمل بفتور، ولا يتعاون أو يتشارك في إنجاز الأعمال، ويتجنب طرائق التواصل الفعالة، ومن ثم يفتقر للعلاقات السوية على المستوى الفردي والجمعي، بما يؤثر على أدائه الوظيفي ويحد من الإنتاجية في العمل لديه.
ومن زاوية تربوية يمكننا القول بأن جودة الحياة ترتبط باحتياجات الفرد الأساسية وترتقي للاحتياجات العليا والتي منها تقديره لذاته وثقته في نفسه، والاستقلالية، وزيادة الولاء والانتماء للوطن، وتقديم المصلحة العامة على الخاصة، وبما لا يدع مجالًا للشك هناك دعائم مهمة تحقق هذه الاحتياجات بالنسبة للفرد، في مقدمتها أسرته ومجتمعه وما يتلقاه من دعم في المجال التعليمي والاقتصادي؛ بالإضافة لتوافر متطلبات الأمن والأمان.
ولا تنفك جودة الحياة عن إتقان الفرد لعمله في ضوء ما يمتلكه من مهارات نوعية؛ لينتج عن ذلك مستوى عال من الرضا والسعادة في حياته العملية والمعيشية، وبما يدفعه لمزيد من تحقيق تطلعاته وغاياته، والنظرة التفاؤلية لمستقبله، وبالأحرى يصعب أن تتحقق جودة الحياة لدى الفرد بعيدًا عن الصحة المتكاملة (البدنية، العقلية، الانفعالية)؛ ليتمكن من الصمود أمام ما يواجهه من ضغوط حياتية لا تنتهي.
وتسعى الجمهورية الجديدة عبر مشروعاتها القومية في شتى المجالات أن تحقق جودة الحياة لدى المواطن؛ حيث توفر له مقومات الصحة الجسدية والنفسية، وتوفر له البيئة النقية، وتقدم له الخدمات في مجالاتها المتعددة من تعليم، ووسائل تنقل راقية، ووظائف تتناسب مع مهاراته، وتحقق له العدالة الاجتماعية بسبل التكافل المتعددة التي تضمن له حياة كريمة، وتتيح له الممارسة الديمقراطية والحرية المسئولة، وتلبي متطلبات تحقيق الأمن والأمان، بما يسهم في تأصيل المحبة في نفسه لنفسه وللآخرين، وتبث حالة من التفاؤل والإيجابية، بما يحقق الانتماء والولاء للوطن.
وتحرص القيادة السياسية على دعم إحساس الفرد بجودة الحياة؛ حيث توفر له مقومات حصوله على حقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ ليستمتع بمفردات حياته، كما تؤكد القيادة السياسية على تنمية وعي المواطن بحقوقه ودفاعه عنها، كما تحث القيادة على تأصيل الشراكة كداعم رئيس للتكافل بين طبقات المجتمع، ما يؤكد تقوية العلاقات التي تعمل على التوازن وتحد من الصراعات، ومن ثم يؤدي إلى الإحساس بجودة الحياة.
وتعمل الدولة المصرية عبر مؤسساتها المختلفة على دعم البيئة لتصبح نظيفة خالية من الملوثات وتتزين بالعناصر الجمالية، وهذا ما يُسهم في الراحة النفسية للفرد، كما توفر الحكومة بكامل طاقتها الأمن الاقتصادي الذي يُعد من مكونات جودة الحياة؛ حيث إن توافر المتطلبات المعيشية يحقق الرضا والاحتواء والتكيف، والإحساس بالأمن، والسعادة، والرفاهية.
وتقدم الجمهورية الجديدة وقيادتها السياسية البيئة الحاضنة للريادة في مجالاتها المختلفة، وتوفر متطلباتها التي تساعد على تحقيقها، وذلك لجميع مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية.
حفظ الله بلادنا وحقق آمالها وطموحاتها، ووفق قيادتها السياسية لما فيه الخير والصواب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة