تمر اليوم ذكرى ميلاد محمد على باشا، والي مصر، وأحد أشهر الشخصيات العالمية فى القرن التاسع عشر، لكن كيف كان صباه، وما قصته مع اليتم.
يقول كتاب "تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر" لـ جرجي زيدان، انظر إلى خارطة بلاد الروملي في سواحلها الجنوبية على مسافة 320 كيلومترًا من الآستانة غربًا، ترَ قرية اسمها قوالة لا يزيد عدد سكانها على ثمانية آلاف نفس، وكان في تلك القرية في أواسط القرن الثامن عشر رجل اسمه إبراهيم آغا، كان متوليًا خفارة الطرق، وُلد له سبعة عشر ولدًا لم يعش منهم إلا واحدًا، وفي سنة 1773 تُوفِّي هذا الرجل وامرأته عن ذلك الولد وسنه أربع سنوات واسمه محمد علي.
فأصبح الغلام يتيمًا ليس له من يعوله إلا عمًّا اسمه طوسون آغا، وكان متسلمًا على قوالة، فجاء به إلى بيته شفقة عليه، غير أن المنيَّة عاجلت طوسون فقُتل بأمر الباب العالي بعد ذلك بيسير، فأصبح الغلام يتيمًا قاصرًا وليس من ينظر إليه.
وكان لوالده صديق يعرف بجربجي براوسطة فشفق على الغلام وجاء به إليه، وعُني بتربيته مع أولاده، غير أن ذلك لم يُنسه حاله من اليتم، فكان يشعر بالذل وضعة النفس. ويُروى أنه بعد أن ارتقى ذروة المجد واعتلى منصة الأحكام، أنه كان يُحدث أخصَّاءه عما قاساه في صبوته من الذل إلى أن يقول:
وُلد لأبي سبعة عشر ولدًا لم يعش منهم سواي، فكان يُحبني كثيرًا ولا تغفل عينيه عن حراستي كيفما توجهت، ثم توفاه الله فأصبحت يتيمًا قاصرًا، وأُبدِل عزِّي بذلٍّ، وكثيرًا ما كنت أسمع عشرائي يكرِّرون هذه العبارة التي لا أنساها، وهي: «ماذا عسى أن يكون مصير هذا الولد التعيس بعد أن فقد والديه»، فكنت إذا سمعتهم يقولون ذلك أتغافل عنه، ولكنني أشعر بإحساس غريب يُحركني إلى النهوض من تحت هذا الذل، فكنت أجهد نفسي بكل عمل أستطيع معاطاته بهمَّة غريبة حتى كاد يمرُّ عليَّ أحيانًا يومان ساعيًا لا آكل ولا أنام إلا شيئًا يسيرًا، وفي جملة ما قاسيته أني كنت مسافرًا مرة في مركب فتعاظم النوء حتى كسره، وكنت صغيرًا، فتركني رفاقي وطلعوا إلى جزيرة هناك على قارب معنا، أما أنا فجعلت أجاهد في الماء وِسْعي، تتقاذفني الأمواج، وتستقبلني الصخور حتى تهشمت يداي، وكانتا لا تزالان يانعتين، وما زلت حتى أراد الله ووصلت الجزيرة سالمًا، وقد أصبحت هذه الجزيرة الآن قسمًا من مملكتي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة