هيثم الحاج على

هوية مصر

الخميس، 09 مارس 2023 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ليست الهوية هي ما يبدو على السطح فقط من سمات مميزة سواء للشخص أو المجتمع أو الأمة، لكنها كذلك هي ما يتجذر فيما يمكن اعتباره اللاوعي الجمعي، وهو ما يظهر في الفترات التي يتم استدعاؤها فيها، للحفاظ على البقاء، فالهوية بالنسبة إلى الأمم كالغريزة التي تجعلها ليست فقط مميزة بل باقية بكيانها التاريخي كذلك.
 
والهوية ليست عنصرا أحادي التكوين يمكن تعريفه في كلمة واحدة أو حتى جملة، لكنها تلك العناصر المتراكمة عبر سنوات وقرون، والتي تعبر عن اختيار ما لهذه الأمة من كل ما مر عليها من مؤثرات، فهي تشبه الطبقات الجيولوجية التي تتراص بعضها فوق بعض لتكون كلا متماسكا لا يمكن فصله لكن يتم التعامل معه بوصفه تركيبا واحدا.
 
تتكون هوية مصر إذن من عناصر تم امتصاصها على مدار التاريخ من كل ما مر عليها من حضارات منذ فجر التاريخ، وهي العناصر التي تأسست على أرضية صلبة ثابتة تألفت منذ مصر القديمة من العناصر الفرعونية، في ثبات ربما لا يتكرر بالنسبة إلى أمة أخرى، هو الثبات نفسه الذي جعلها أمة قادرة حتى في أقسى فترات ضعفها قادرة على الاحتفاظ بهذه الأرضية الصلبة والأساس الثابت، وهو خط الدفاع الأهم الذي حماها من الذوبان في هويات من احتلوها على مدار التاريخ، بل هو كذلك الأمر الذي خلق في مصر تلك الهوية الصلبة والمرنة في آن واحد، فهي صلبة لأنها تحافظ دائما عل عناصرها الأساسية، وهي مرنة لأنها تمتص ما تراه مفيدا من كل من مروا عليها، فحتى الهواء فيها يتمصر، كما قال الجواهري الشاعر العراقي المعروف.
 
ولذلك فإننا لا نتعجب إن وجدنا في طبقات الهوية المصرية عناصر فارسية ويونانية ورومانية وفرنسية وإنجليزية وعربية، كما لا نستغرب اندماج محتلين تاريخيين في مصر مثل قمبيز ومينو، ولا نندهش إذا كانت التصورات الغيبية المصرية تحتوي على عناصر تنتمي إلى مصر القديمة بالإضافة إلى الأديان السماوية اليهودية والمسيحية وبالطبع الإسلام، وهي كلها عناصر يمكن الرجوع إليها في أحاديث أخرى، لكن أهم ما تجدر الإشارة إليه الآن أن الشعب المصري، وهو الحامل لعناصر هذه الهوية في منطقة ما من وعيه الجمعي، يحمل معها مؤشرا حساسا خاصا يستشعر أي خطر على لب هذه الهوية، فينتفض دفاعا عنها باعتبارها وجوده الخاص، الذي لا يقبل المساس به، فقد يبدو في ظاهره مستسلما لمحتل ما أو تيار ما، لكن عندما يقترب هذا أو ذاك من هويته وتكوينها فإن وحشا ينتفض دفاعا عنها، وهو ما تكرر عبر التاريخ مرات عديدة، وما ثورة يونيو إلا مثالا قريبا على الدفاع عن الهوية المصرية حين استشعر الشعب المصري محاولة النيل منها وتحويلها.
 
غير أن الحديث عن الهوية المصرية هو حديث يبدو متشعبا ومتجذرا في كل جوانب الحياة وهو ما يمكن لنا مده في أحاديث أخرى.
 
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة