حكايات وأسرار يكشفها المصرى القديم عبر حضارته العظيمة التى تبلغ آلاف السنين، وما زالت تبهر العالم حتى الآن، فبين الحين والآخر يتم حل لغز من ألغاز ذلك التاريخ الممتد على مدار قرون عدة، سجلت بعضها على جدران المعابد فى زمن الكتابة المصرية القديمة وأخرى لم تسجل بعد، لكن تكشفها كنوز أثرية تخرج من باطن الأرض.
وحكايتنا اليوم عن أحمس بن أبانا، أحد كبار رجال الدولة فى عهد الملك أحمس الأول، والذى يعد فى نظر المؤرخين المحدثين أهم شخصية بين موظفى عهد "أحمس الأول"، وقد كان يحمل العديد من الألقاب، إذ كان يطلق عليه رئيس بحارة الفرعون ورئيس بحارة ملك الوجه القبلى والوجه البحرى الملك "زسر كارع" (أمنحوتب الأول)، كما أطق عليه أيضًا حاجب الملك، على أن ألقابه لا يمكن أن نستخلص منها كثيرًا عن حياته.
ويعد كبار الدولة مثل أحمس بن أبانا من المصادر المهمة لدى المؤرخ الذى يفحص تاريخ مصر فى أى عصر من عصورها القديمة، إذ تعترضه صعوبة لا يمكن التغلب عليها إلا بعد بحوث طويلة قد لا تجدى فى النهاية، وفى هذه الحالة يمكنه أن يستخلص الحالات الاجتماعية المعاصرة لكل فرعون فكانوا عنايتهم إلى النقوس التى تركها كبار رجال الدولة الذين كانوا يقومون بالأعمال الحكومية في عهد كل ملك، فالواقع أن الموظف المصري منذ عهد الدولة القديمة كان شخصًا مغرمًا بالتحدُّث عن نفسه؛ إذ كان دائمًا حريصًا على أن يذكر لخلفه كلَّ ما قام به من أعمال جليلة، وما ناله من شرف وفخار على يد سيده الفرعون مدة خدمته له.
وقد ترك لنا "أحمس بن أبانا" على جدران قبره فى "الكاب" ترجمة حياته التى يحدثنا فيها عن شجاعته، وما ناله من فخار وترف، ولحسن الحظ قد قص علينا فيها تاريخ الحروب التى شنّها الفرعون "أحمس" على الهكسوس، وكانت نتيجتها طردهم من البلاد، وهذه الوثيقة تعد مصدرنا الهام عن حرب الخلاص والمعروفة بحروب الاستقلال التي كانت أمجد صحيفة في التاريخ المصري، وقد فصلنا القول في هذه الحروب الطاحنة في موضعه، وحسب ما جاء فى موسوعة مصر القديمة للدكتور سليم حسن، أنه لم تمض أربع أو خمس سنوات على بداية هذا النضال العنيف حتى أفلح "أحمس" في طرد الهكسوس من البلاد جملةً.
المناظر التى تركها لنا أحمس بن أبانا على جدران قبره قليلة فقد حطم معظمها، وما بقي منها يقدم لنا معلوماتٍ ضئيلة عن أسرته، فنرى من بينهم أحد أحفاده المسمى "جر إري"، الذي كان يحمل لقب "رسام آمون"، وقد مثل واقفًا أمام والده، كما نشاهد حفيدًا آخر يدعى "باحري" ويشغل وظيفة "رسام آمون"، وقد نقش منظره واقفًا أمام جده "أحمس بن أبانا" وزوجه يرتل صيغة القربان.