عاد الحوار الوطنى إلى الصورة، مع انعقاد جلساته، وعقد لقاءات مع حقوقيين يمثلون المجتمع المدنى والأهلى، وضم شخصيات من المثقفين والحقوقيين والاقتصاديين إلى الحوار، مع بدء انعقاد جلسات الحوار بشكل دائم لوضع اللمسات النهائية للانطلاق، بمشاركة تيارات وأحزاب ومنظمات حقوقية وأفراد مثقفين وحقوقيين وغيرهم، وهذا بعد عام من الدعوة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى رمضان الماضى، لحوار سياسى واسع دون تمييز أو استبعاد.
تضمنت الدعوة تكليف إدارة «المؤتمر الوطنى للشباب» بالتنسيق مع مختلف التيارات السياسية الحزبية والشبابية، لإدارة حوار حول أولويات العمل الوطنى بمشاركة كل التيارات دون تمييز أو استبعاد، وقدمت الدولة خطوات بإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسى وخروج أعداد متتالية، اللجنة أنهت الإفراج عن المحبوسين، سواء عن طريق النيابة العامة أو بقرارات رئاسية عن الصادر ضدهم أحكام وتسعى أيضًا إلى دمج المفرج عنهم ومتابعة عودتهم لحياتهم وأعمالهم لتكون جسرًا جديدًا بينهم وبين المجتمع والجهات التنفيذية، بما يقوى دور اللجنة وفاعليته فى تمهيد أرضية.
المبادرة عند إطلاقها خلقت حالة من الحيوية، وفتحت شهية كثيرين للحديث وطرح الأفكار، وتحديد أطر الموضوعات التى يفترض أن يشملها الحوار وتشمل القضايا الرئيسية التى تتعلق بالمستقبل، العام الماضى شهد جولات ومناقشات ومطالب وسعى لتوافق يقوم على الثقة، وهو أمر تطلب جهدًا ووقتًا، مع الأخذ فى الاعتبار تنوع الآراء وتجربة سنوات يفترض أنها تمثل دروسًا للجميع، فى كيفية إدارة حوار يثمر نتائج وخطوات يمكن البناء عليه.
والآن هناك بالفعل قضايا وموضوعات مطروحة يمكن أن تتخذ مكانها، خاصة أنه على مدى شهور أتيحت فرصة فى برامج ومنصات، عبر فيها سياسيون وأعضاء منظمات مدنية، عن نقاط يرون أولوية مناقشتها، أو ما يتعلق بتوسيع المجال العام، والتداول حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعمومًا كانت فكرة الحوار أنها فرصة لمناقشة قضايا تتعلق بالمستقبل، خاصة وقد تحققت آراء السياسيين وأعضاء المنظمات المدنية، فيما يتعلق بملفات المحبوسين، أو اقتراح الإشراف القضائى الكامل على الانتخابات المقبلة، وهو ما تم إقراره والاتجاه لتطبيقه.
بدا أن الخطوات التى تمت تسهل بناء جسور ثقة نحو حوار جاد يخرج من إطار الماضى أو الهامش إلى الموضوعات المتعلقة بالمستقبل وخرائط التنمية والاقتصاد، صناعة وزراعة وقيمة مضافة، انطلاقًا من واقع ومعلومات حقيقية وليس من أحلام أو أفكار خيالية، وهذا لا يعنى تغييب الخيال بل السعى لتنشيط الخيال والأفكار الخلاقة التى تسهم فى رسم صورة للمستقبل.
ومن البداية اعتبرنا أن أهم خطوة فى الحوار الوطنى أنه فتح الباب لمناقشات وآراء متنوعة، وهذا فى حد ذاته يمثل نقطة إيجابية، والأهم هو بناء الثقة وإقامة جسور بين الدولة والتيارات السياسية والمنظمات الأهلية، وهذه الثقة هى الأرضية التى يمكن أن تمهد لجمع الشمل والبناء على ما تحقق خلال السنوات الماضية، لأن بناء الثقة يسمح باتساع مجال التفاهم وتحديد نقاط أساسية، وبعد إقامة هذه الجسور يمكن أن تكون هناك مساحات للتفاهم والتحاور.
مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك خلافات بين التيارات السياسية والحزبية حسب توجهاتها، وهى خلافات طبيعية، ونجاح الحوار هو قدرة كل هذه التيارات على تقبل بعضها، والوصول إلى توافق على الأولويات التى تمثل مطالب عامة، دون الدخول فى مواجهات واشتراطات قد تشتت الأمر، وأن تكون هذه التيارات مستعدة لتقبل الأسئلة، حول نفسها ووزنها النسبى، وربما أيضًا اعتبار الحوار يشمل قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية، بين تيارات لها انتماءات متنوعة، يسارًا ويمينًا.
ويضاف لذلك أن التحولات التى شهدها العالم على مدى العقود الأخيرة من ثورات التكنولوجيا والاتصال ومنصات التواصل الاجتماعى، تغير من شكل السلطة وممارستها فى العالم كله، وتتيح ميزات فى طرح الآراء ومناقشتها، مع أعراض جانبية للاستقطاب وغياب المعلومات الموثقة، وهى تحولات يفترض أن تضعها الأحزاب والتيارات المختلفة فى الاعتبار، ليكون الحوار بداية لحوارات أوسع للمستقبل، وهناك أمل أن تستغل القوى والتيارات المشاركة فى الحوار الفرصة لطرح وجهات نظر يمكن الانطلاق منها، وكل هذا مرهون ببناء جسور ثقة يمكن المرور عليها للمستقبل.