- مدفع الكوميديا سريع الطلقات وأحد أيقونات شهر رمضان.. جعل نشر البهجة هدفا بلا تعقيد وصنع لنفسه مكانة لا ينافسه فيها أحد
- منح من روحه لشخصيات فطوطة وميزو ومسعود وبهلول وكابتن جودة وجحا وغيرها فعاش للأبد فى وجدان الملايين
شخصيات ورموز مصرية كانت وما زالت مؤثرة، ولها صيت كبير، سواء على المستوى المحلى أو العربى والعالمى، أثرت وتؤثر فينا، فى مجالات كثيرة ومتنوعة سواء فنية أو علمية أو دينية أو اقتصادية أو سياسية وغيرها الكثير والكثير.
وتحرص «اليوم السابع» على إعادة حكايات تلك الرموز وتاريخها المُضىء، وفى إطار حرص الدولة وتوجُهها بإحياء الهوية المصرية ورموزها، حفاظا على تاريخنا العريق وللاستفادة من تلك القصص المُلهمة، وتقديم القدوة الحسنة للشباب والأجيال القادمة، وذلك من خلال تناول بروفايل لأبرز الشخصيات المُتميزة فى مصر، أسبوعيا على صفحات «اليوم السابع».
يأتى رمضان هذا العام وقد اقترب العام الثانى من رحيل الفنان الكبير صاروخ الكوميديا سمير غانم على الاكتمال، عامان كادا يكتملان على وفاة أحد رموز رمضان وإحدى أيقونات الكوميديا فى مصر والعالم العربى.
«سمير غانم مدفع الكوميديا سريع الطلقات».. هذا اللقب الذى أحبه النجم الكبير بعد أن أطلقته عليه عندما كتبت عنه قبل رحيله، «ملك الارتجال»، الذى يستطيع رسم البسمة والضحك حتى فى كلامه وحياته العادية، فى لقاءاته وحواراته وكل تعاملاته، عاشق البهجة الذى كره الحزن، وجعل من الضحك فى حد ذاته رسالة وهدفا ببساطة ودون تعقيد أو فلسفة، فدخل القلوب وعشق الجمهور كل ما قدمه على مدار ما يقرب من 60 عاما هى عمر مشواره الفنى الطويل، الذى تفرد فيه وصنع لنفسه مكانة لا ينافسه فيها أحد، واستطاع بذكاء أن يقدم فى كل مرحلة جديدا يبهر به جمهوره ويبقى دائما على القمة، لأنه وضع نفسه فى منطقة لا تقبل المقارنة أو التكرار.
ذكاء سمورة وتمرده
والمتأمل لمشوار الفنان الكبير سمير غانم الفنى يدرك كيف استطاع دائما أن يكون مختلفا وسط عمالقة الكوميديا وأن يقدم فنا لا يشبه غيره وأن يكون ذكيا طوال الوقت، وأن يتربع فى قلوب الصغار والكبار بما قدمه من كوميديا وشخصيات مختلفة.
سمير غانم الذى بدأ مشواره مع الكوميديا منذ كون مع صديقيه الضيف أحمد وجورج سيدهم أشهر وأنجح فرقة كوميدية «ثلاثى أضواء المسرح» فى الستينيات، فكانت الورقة الرابحة فى كل الأعمال الفنية التى شاركت فيها وقدمت أعمالا سينمائية ومسرحية واسكتشات كوميدية حققت نجاحا منقطع النظير.
ولم يتنازل عن القمة بعدما انحلت فرقة الثلاثى بوفاة الضيف أحمد، فاستطاع أن يجد له مكانا راسخا على عرش الكوميديا بمئات الشخصيات التى قدمها، فكان حالة خاصة على المسرح وبهجة خاصة على شاشة السينما والتليفزيون، وخلد اسمه للأبد بشخصيات يمتد حبها مع أجيال مختلفة، فطوطة وميزو ومسعود والكابتن جودة وبهلول فى إسطنبول، وفارس وبنى خيبان، وجحا، وغيرها، فنسج من هذه الشخصيات مدرسة كوميدية خاصة به وحده، استقر من خلالها فى وجدان الملايين الذين حفظوا إفيهاته، وعشقوا فنه وكانوا ينتظرون دائما ما سيفاجئهم به فى كل مرة يطل عليهم فيها.
سمير غانم ابن عرب الأطاولة بمحافظة أسيوط، المولود فى 15 يناير عام 1937 وكان منذ بداياته متمردا على النمطية، فعل الرغم من أنه انضم بعد الثانوية العامة إلى كلية الشرطة حيث كان والده وعدد من أفراد عائلته ضباط شرطة إلا أنه ترك الكلية بعد رسوبه عامين متتاليين ليلتحق بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية، وهناك انضم إلى الفرق الفنية، وكون مع صديقيه وحيد سيف وعادل نصيف فرقة اسكتشات غنائية وعروضا على المسرح فى الإسكندرية، ولكن بعد انتقاله للقاهرة تفرق أعضاء الفرقة وظلت الفكرة فى رأسه، ووقتها كانت شهرة جورج سيدهم انتشرت بجامعة عين شمس، وكذلك الضيف أحمد بجامعة القاهرة، فاجتمع الثلاثة وكونوا فرقة «ثلاثى أضواء المسرح»، التى حققت نجاحا كبيرا فى السينما والمسرح وكانت فقرة رئيسية فى كل الحفلات، وقدمت أعمالا واسكتشات حققت نجاحا كبيرا ما زال الكبار والصغار يرددونها رغم مرور سنوات طويلة ومنها اسكتش كوتوموتو، لو كانوا سألونا».
وقدمت فرقة ثلاثى أضواء المسرح أول فوازير فى التليفزيون المصرى بعدما استعان بهم المخرج الكبير محمد سالم لتقديم أول فوازير عربية عام 1967 وكانت خليطا بين الدراما والاستعراض 1967، وبعدما انحلت الفرقة بوفاة الضيف أحمد عام 1970 استمر التعاون بين جورج وسمير وقدما معا عددا من أنجح وأشهر الأعمال الكوميدية سواء فى السينما أو المسرح منها «موسيقى فى الحى الشرقى، والمتزوجون، وأهلا يا دكتور».
انطلق سمير غانم فى طريقه الفنى كالصاروخ، وفى كل مرحلة كان ينتقل من نجاح لآخر بطريقة مختلفة لا يتوقعها الجمهور، شارك فى عشرات الأفلام السينمائية سواء فى بطولات جماعية أو بطولة مطلقة أو حتى فى أدوار ثانية، شارك خلالها كبار النجوم فتميز فى كل منها وكان يضيف للعمل مذاقا خاصا فيبهر جمهوره، وتبقى مشاهده وأعماله وإيفيهاته حاضرة فى الأذهان، وكان من أشهر أفلامه «تجيبها كدة تجيلها كدة هى كدة، أميرة حبى أنا، خلى بالك من زوزو، الزواج على الطريقة الحديثة، يارب ولد، رمضان فوق البركان، البعض يذهب للمأذون مرتين، وغيرها».
وفى عام 1977 حقق سمورة نجاحا مبهرا فى الدراما التليفزيونية حين قدم شخصية ميزو فى مسلسل حكايات ميزو الذى حقق نجاحا كبيرا وجماهيرية واسعة، وقدم بعده عددا من المسلسلات التى كان اسمه على أى منها يكتب لها النجاح، كما قدم عشرات الأعمال والمسلسلات الإذاعية.
فطوطة والفوازير
وفى مرحلة جديدة من مراحل المفاجأة والنجاح أبهر سمورة جمهوره حين قدم فوازير فطوطة بداية من عام 1982، ولمدة 3 سنوات فكانت الفوازير تحديا جديدا اجتازه بنجاح مبهر، وأصبحت شخصية فطوطة من أكثر الشخصيات شعبية وجماهيرية ودخلت قلوب الكبار والصغار.
وكان التحدى الكبير أن فوازير فطوطة التى قدمها سمير غانم جاءت بعد نجاح استمر لسنوات قدمت خلالها الفنانة نيللى الفوازير وكتبها المبدع الكبير صلاح جاهين، وكانت تحمل توليفة خاصة وناجحة من الاستعراض والإبهار والملابس وحققت نجاحا منقطع النظير، وهو ما جعل سمير غانم متخوفا من هذه التجربة، فهو ليس فنانا استعراضيا، والجمهور اعتاد على أن تعتمد الفوازير على الاستعراض والإبهار، وهو التحدى الذى استطاع النجاح فيه فى معادلة صعبة لا يستطيع اجتيازها سوى فنان بذكاء واختلاف وخفة ظل «سمورة».
وبدأت فكرة فوازير «فطوطة» عندما فكر المخرج المبدع الكبير ملك الفوازير فهمى عبدالحميد فى تقديم الفوازير بطريقة جديدة ومختلفة، عن تلك التى قدمها فى السنوات السابقة مع نجمة الاستعراض نيللى، وكانت الفكرة فى البداية تدور حول سفريات الرحالة «ابن بطوطة»، وبعد لقاءات عديدة جمعت المخرج بسمورة تطورت الفكرة وتحولت من ابن بطوطة إلى «فطوطة»، بشكله ونبرة الصوت مع ظهور سمورة بحجمه وشكله الطبيعى وصوته الطبيعى.
وفى أحد حواراته عن تطور الفكرة قال الفنان الكبير سمير غانم أن المخرج فهمى عبدالحميد استوحى شكل بدلة فطوطة من البدلة التى ارتداها سمورة وهو يجسد شخصة مسعود بطل مسرحية «المتزوجون»، وقامت بتصميمها مصممة الأزياء وداد عطية، وكتب الفوازير المؤلف الشاعر عبدالرحمن شوقى، وقدمها سمير غانم لأول مرة فى رمضان عام 1982 واستمرت لمدة 3 سنوات حققت خلالها نجاحا مبهرا وعشق الكبار والصغار شخصية فطوطة، حتى أن الشاعر الكبير صلاح جاهين قال عن شخصية فطوطة إنها من أفضل الشخصيات التى يمكنها أن تؤثر فى الطفل تأثيرا مباشرا، وتمنى لو كان كتب هذه الشخصية، وبرع سمير غانم فى تقديم الشخصيتين سمورة وفطوطة بصدق ومهارة كبيرة، حتى أصبحت شخصية فطوطة وكأنها شخصية حقيقية.
استطاع سمير غانم أن يقدم الفوازير بشكل مختلف وبأسلوبه الساحر، وأن يخلق من شخصية فطوطة حالة نجاح جديدة ومستمرة ومختلفة ومبهرة لتصبح هذه الشخصية إحدى أيقونات شهر رمضان، فصنعت العرائس والزينات التى تحمل صورة فطوطة الذى عشقه الكبار والصغار واستغل المنتجون نجاح الشخصية لتقديم أعمال فنية جديدة تحمل اسم فطوطة، ومنها مسلسل الكرتون «فطوطة وتيتا مظبوطة» فى رمضان 2010، كما قدم سمورة فى التسعينيات وعلى مدى ثلاث سنوات متتالية من عام 1992 وحتى 1994 فوازير المتزوجون فى التاريخ، والمضحكون، وأهل المغنى.
المسرح عشق حتى النهاية
واستمر عشق سمير غانم وحضوره على المسرح طوال مشواره الفنى، فالمسرح فهو بيته الأول وعشقه الأكبر واستطاع سمورة أن يصنع فيه حالة خاصة من النجاح والإبهار، وأن يكون علامة من علاماته التاريخية، وملكًا للارتجال والإفيهات، فحققت مسرحياته نجاحا منقطع النظير واستمر عرض الكثير منها لسنوات عديدة ومنها «أخويا هايص وأنا لايص، جحا يحكم المدينة، فارس وبنى خيبان، أنا والنظام وهواك، بهلول فى إسطنبول، أنا ومراتى ومونيكا، دو رى مى فاصوليا وغيرها»، وبين فترة وأخرى كان سمير غانم يستعين بنجوم رأى فيهم إضافة لمسرحياته وجمعته بهم علاقة صداقة كبيرة ومنهم المطرب الشعبى شعبان عبدالرحيم الذى شاركه عدد من المسرحيات ومنها: «دو رى مى فاصوليا»، التى انطلق عرضها عام 2001، ومسلسل «عبد الحميد أكاديمى» عام 2005، ومسرحية «سيبونى أغنى» عام 2017، وكان الراحل سمير غانم يذكره كثيرا ويتحدث عن خفة ظله والمواقف الكوميدية التى جمعتهما فى مقابلاته التليفزيونية، وكذلك الفنان الكوميدى طلعت زكريا، الذى بدأت علاقته به عام 1984 عندما شاركه فيلم «حادى بادى»، وبعدها جمعهما عدد من المسرحيات أبرزها «فارس وبنى خيبان» عام 1987، و«بهلول فى إسطنبول» عام 1995، و«المحظوظ وأنا» عام 1997، و«أنا ومراتى ومونيكا» عام 1998، و«دو رى مى فاصوليا» عام 2001، إلى جانب تعاون «غانم» و«زكريا» فى عدد من المسلسلات منها «عبد الحميد أكاديمى، مطعم تشى توتو، معكم على الهواء هايم عبدالدايم»، وتأثر سمورة تأثرا كبيرا بوفاة شعبولا وطلعت زكريا بشكل كبير.
وكان آخر عمل مسرحى لمدفع الكوميديا سريع الطلقات مسرحية الزهر لما يلعب عام 2020 أى قبل وفاته بعام واحد، وعرضت المسرحية 10 أيام فقط، وظهر خلالها الفنان الكبير وهو يستند على عصا فى بعض المشاهد، كما أعاد خلال هذه المسرحية الفنان شيرين لتقف أمامه على المسرح بعد 40 عاما من مسرحية المتزوجون، وأعاد سمورة خلال مسرحيته الأخيرة مشهدا صغيرا من مسرحية المتزوجون مع الفنانة شيرين، كما استعان بإيمى ابنة طلعت زكريا لتشارك بالتمثيل فى هذه المسرحية.
وخلال سنواته الأخيرة، شارك صاروخ الكوميديا سمير غانم فى عدد من المسلسلات التليفزيونية أهمها ما شارك فيه ابنتاه الموهوبتان دنيا وإيمى، ومنها مسلسل لهفة والكبير أوى ونيللى وشريهان، وحققت عائلة الفنان الكوميدى معا نجاحا جديدا وحالة مختلفة، وكان الفنان الكبير يحلم بأن تجتمع عائلته فى عمل مسرحى ولكن القدر لم يمهله ليحقق حلمه.
رحيل سمورة
استطاع الفنان الكبير سمير غانم أن يخلق حالة كبيرة من البهجة والسعادة مع كل ظهور له سواء على المسرح أو على شاشة التليفزيون أو السينما، حتى وإن ظهر فى إعلان لا تتجاوز مدة عرضه دقيقة على الشاشة، وأصبح يجسد جزءا كبيرا من وجدان وذكريات عدة أجيال ارتبطت بأعماله وحفظت إيفيهاته وتشكلت طفولتها وصباها وشبابها مع أعماله، فكانت هذه الأعمال تمثل المتعة والبهجة والسعادة للملايين على مر الأجيال، ولهذا كان الحزن على وفاته حزنا عميقا، خاصة مع ظروف وفاته المأساوية وتزامن مرضه مع مرض زوجته الفنانة المحبوبة دلال عبدالعزيز ووفاته قبلها بأشهر قليلة وغيابها عن جنازته ووداعه الوداع الأخير بسبب مرضها الشديد وإخفاء خبر موته عنها، والمأساة التى عاشتها ابنتيهما دنيا وإيمى اللتين فقدتا الأب وكان عليهما أن يتماسكا أمام الأم المريضة وإخفاء خبر وفاته عنها، خوفًا عليها من الصدمة، ولكن سرعان ما لحقت الفنانة الكبيرة دلال عبدالعزيز برفيق عمرها وشريك حياتها سمير غانم.
وكان رحيل الفنان الكبير سمير غانم وزوجته الفنانة الكبيرة دلال عبدالعزيز صادما ومؤلما للملايين، فالفنان الكبير جمعته علاقة خاصة وفريدة بجمهوره، فكان كالكتاب المفتوح، وتابع الجمهور مراحل حياته منذ زواجه بالفنانة الجميلة دلال عبدالعزيز وطفولة ابنتيه دنيا وإيمى وصباهما وبداية عملهما بالوسط الفنى ونجاحهما وزواجهما، فعاش مع هذه العائلة وكأنها عائلته، وكأن سمير غانم قريب عزيز لكل جمهوره يتابع أحواله دائما ويفرح لفرحه ونجاح عائلته، وعز على الجمهور أن يرى هذه الابتلاءات والتحولات فى حياة هذه العائلة التى كانت دائما مصدرا ورمزا للبهجة والسعادة لذلك كانت صدمة الجمهور برحيل الفنان سمير غانم فى 20 مايو عام 2021 صدمة كبيرة، وكأن كل فرد من هذه الجمهور قد فقد أحد أفراد عائلته واكتمل هذا الحزن برحيل زوجته الفنانة المحبوبة دلال عبدالعزيز فى 7 أغسطس من نفس العام.