سره الباتع لـ يوسف إدريس .. الجزء الحادى عشر

الخميس، 06 أبريل 2023 08:00 م
سره الباتع لـ يوسف إدريس .. الجزء الحادى عشر سره الباتع
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سره الباتع قصة للكاتب الكبير يوسف إدريس، تحولت إلى مسلسل للمخرج خالد يوسف بعد مرور 65 عامًا على صدورها ضمن مسلسلات رمضان 2023، وتزامنًا مع عرض مسلسل سره الباتع، ينشر "اليوم السابع" قصة "سره الباتع" التى نشرت لأول مرة عام 1958 ضمن مجموعة قصصية بعنوان "حادثة شرف".

سره الباتع لـ يوسف إدريس.. الجزء الحادى عشر

حامد كان من فلاحي هذه القرية الذين يزرعون الأرض، ويُصلُّون لله في الجامع، وظلَّ هكذا إلى أن جاءتْ قوَّاتُنا وعسكرَتْ في القلعة الجديدة، وكانتِ القوات بقيادة الكولونيل بيلو الذي عانقْتَه وأنتَ تودِّعُني في مارسيليا، أتذكُر؟ والقلعة كانت بالِغةَ الأهمية إذ كانتْ نقطةَ ارتكازنا الرئيسية في الدلتا كلِّها، وكانتْ في الوقت نفسِه قاعدةً تَخرُج منها الدَّوْريات لتفتيش المنطقة بانتظام.
 
وكانت سياسية بيلو منذ أن حلَّ في القلعة أن نتجنَّب مُضايَقة الفلاحين أو التحرُّش بهم حفظًا لسلامة القاعدة، وليس لأننا أصدقاء المصريين، كما كان يُحاوِل الرجل الطيِّب أن يُفهِم الفلاحين، ليس هذا فقط، بل كانتْ سياسة الجيش عامة أن يحاول التقرُّب من الوطنيين ويوطِّد علاقته بهم.
 
ولم نستفِدْ شيئًا من إقامة أمثال هذه العلاقات؛ إذْ كلَّما حاولنا أن نتقرَّب منهم ازدادوا نفورًا، وكلَّما حاوَلْنا إفهامَهم أنَّنا أنْقَذْناهم من ظلم المماليك نظروا إلينا طويلًا وكادتْ نظراتهم تقولُ: جئتم لتنقذونا من المماليك، وجاء المماليك لإنقاذنا من الأتراك، وجاء الأتراك لإنقاذنا من التتر، وجاء التتر لإنقاذنا من الخليفة، وجاء الخليفة لإنقاذنا من البطالسة، وجاء البطالسة لإنقاذنا من الإغريق … لماذا تخصُّونا بشهامتكم أيُّها السادة؟!
 
وما أقسى نظرات هؤلاء المصريين حين يوجِّهونها إلى عدوٍّ غريب، إنهم، بينهم وبين أنفسهم، يعامِلون بعضهم كالدُّيوك، طول النهار لا يتحدَّثون إلا شتائم، هناك أكثر من مائة لقب للأب تبدأ من المركوب وتمر بكل ما يُلبَس في الأقدام، وتغطي المملكة الحيوانية حتى الخنزير، وأي مكان في جسد الأمِّ ممكن أن يصبح مادة للشتائم شعب ثروة شتائمه لا تجِدُها عند أي شعب آخَر، ولا يتكلَّمون إلَّا زعيقًا ومع هذا فليجسر غريب، أي غريب، ويُحاوِل أن يلمس أحدَهم، ما إنْ يحدث هذا حتى تحدث المعجزة، وإذا بهم يواجهونه وقد نسوا كلَّ ما كان بينَهم من شتائم وخلافات.
 
وكنَّا دائمًا نحسُّ بنظراتهم تكاد تلتَهِمنا، وما أقسى أن تعيش بين شعب لا يحاول أن يُخفِيَ عداوته! وهكذا ظلَّتِ الهوَّة تتَّسِع حتى حدث عصيان القاهرة الذي حدثْتُك عنه، ومنذ ذلك الانفجار وأعصاب قوَّاتنا في انهيار مستديم.
ورغم تعليمات بيلو وتنبيهاته اليومية، فقد فَقَدَ أحدُ جنودِنا المعسكِرين في شطانوف أعصابَه ذات يوم وأطلق النارَ على فلاح كان يتتبَّعُه بنظراته، فقتَلَه.
وأحدث هذا العمل أسوأ الأثر في القرية.
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة