محمد حبوشه

فتحي عبد الوهاب.. جوكر الشر المتألق دائما

الجمعة، 07 أبريل 2023 09:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من أهم مزايا فن التمثيل، أن الأدوات التي يستخدمها الممثل في عمله (أي أدوات التعبير) ليست منفصلة عنه كما هى الحال لدى الرسام (ألوان)، الموسيقي (الآلة التي يعزف عليها)، إن الممثل ذاته يعتبر أداة تعبيره، وهو في ذات الوقت خالق ومخلوق، أي مبدع ولوحة إبداعية، ولكي نفهم هذه الازدواجية يجب أن نحدد أو نعرف بماذا تتلخص لعبة الممثل.
 
إن جوهر فن التمثيل هو في خلق الممثل للشخصية الدرامية من خلال خلقه لمختلف الأفعال والأحداث الإنسانية التي تميز الشخصية، لذا يجب على الممثلين أن يلموا بالعواطف والمواقف والدوافع الإنسانية حتى يتمكنوا من القيام بأدوارهم على نحو جيد، وأن يكونوا قادرين على التعبير عن هذه العناصر حتى يتم للمشاهدين فهمهم .
 
ومن الممثلين الذين يملكون القدرة على الإحساس الصادق والتعبير المتقن والقيام بأدوارهم على نحو جيد يتسم بالإبداع الحقيقي الفنان المصري (فتحي عبد الوهاب)، الذي أصبح (جوكر أدوار الشر) بحيث أصبح لايبارى على شاشة التلفزيون في رمضان، كما جاء في دوريه المهمين في موسم رمضان الحالي مسلسلي (سوق الكانتو) الذي لعب فيه دور الشرير اللذيذ، و(الكتيبة 101) الذي لعب فيه الشرير المتجهم في ثوب ثعبان قاتل يبث سمومه في كل مشهد يؤديه بطريقة ناعمة، وقد تمكن (عبد الوهاب) من أن يترك بصمة واضحة مع متابعى الدراما الرمضانية إلى الآن في (سوق الكانتو) بخلطه بين الشر والكوميديا في ثوب مثير للغاية، أما في مسلسل الكتيبة 101، فشخصية (الدكتور وحيد) الذى يقدمها فتحى عبد الوهاب تثير التساؤلات بسبب إصراره على خيانة أهله، والعمل على بيع الإفارقة إلى خارج الحدود بطرق غير مشروعة، بالرغم من دور عمه البارز الشيخ موسى (خالد الصاوى) في مساعدتهم.
 
عبد الوهاب برع من قبل في الشر المطلق التي تستهويه الأدوار الصعبة والمركبة، التي بدأها بتقديم (يوسف) فى مسلسل (الإخوة أعداء) المأخوذ عن رواية (الإخوة كارامازوف) للأديب الروسى (ديستوفسكى)، والذى قام ببطولته أمام صلاح السعدنى وأحمد رزق، خاصة أن الدور يجمع بين الشر والأبعاد النفسية، وذلك قبل 11 عاما، وكرر نفس التجربة في أكثر عمل ولعل أبرزها مسلسلي (لمس أكتاف، وجزيرة غمام) والأخير كان في العام الماضي، ولعل تلك الأعمال هى ما قدمته بطلا مطلقا في أعمال الشر على غرار الراحلين العظيمين (محمود المليجي، وزكي رستم).
 
ولقد أثبت (فتحي عبد الوهاب) في (سوق الكانتو، والكتيبة 101) أنه من أهم مزايا فن التمثيل، أن الأدوات التي يستخدمها الممثل في عمله (أي أدوات التعبير) ليست منفصلة عنه كما هى الحال لدى الرسام (ألوان)، الموسيقي (الآلة التي يعزف عليها)، إن الممثل ذاته يعتبر أداة تعبيره، وهو في ذات الوقت خالق ومخلوق، أي مبدع ولوحة إبداعية، ولكي نفهم هذه الازدواجية، يجب أن نحدد أو نعرف بماذا تتلخص لعبة الممثل، إن جوهر فن التمثيل هو في خلق الممثل للشخصية الدرامية من خلال خلقه لمختلف الأفعال والأحداث الإنسانية التي تميز الشخصية، كما تجلى ذلك واضحا في غالبية أعمال (عبد الوهاب الأخيرة في الدراما التلفزيونية.
 
ولهذا يبدو لي (عبد الوهاب) من الممثلين الذين يملكون القدرة على الإلمام بالعواطف والمواقف والدوافع الإنسانية حتى يتمكنوا من القيام بأدوارهم على نحو جيد، وأن يكونوا قادرين على التعبير عن هذه العناصر حتى يتم للمشاهدين فهمهم .
 
وفي كل الأحوال يجب على الممثل أن يبلغ نفس حالة الإلهام التي يعيشها المؤلف أوالرسام أو الموسيقي، تماما مثل النجم (فتحي عبد الوهاب)، الذي تألق في مواسم الدراما الرمضانية في عدة مواسم سابقة فأصبح (جوكر دراما الشر في رمضان) بجدارة أدائه الاحترافي على مستوى سلامة الأفعال ومنطقها الفني، وعلى جناح السحرية التي مكنته من تقمص شخصية الإعلامي (طارق كساب) في مسلسل (القاهرة - كابول) العام قبل الماضي بشكل احترافي من خلال لغة جسد موحية ونبرة صوت معبرة استطاع من خلالها ترويض الشخصية في عملية الكلام والحركات والسكنات، لذا بدا فعل التقمص عند (عبد الوهاب) من خلال عملية ذوبانه كممثل إنسان وانصهاره بذات الممثل الشخصية.
 
وهذا الذوبان احتاج من (فتحي عبد الوهاب) إلى توظيف علاماتي تحويلي تحولت فيه صفات وسلوك ومشاعر الشخصية التي يؤديها وما يتعلق بعناصر التعبير الداخلية والخارجية من علاماته كممثل إنسان إلى علامات الممثل الشخصية، وعند هذا الحد يأتي  فعل التقمص عنده بأداء بعيد عن ميزات وخصائص شخصية الممثل الإنسان عن طريق عملية التحول إلى الصدق والإيمان، بحيث تتطابق مع الحقيقة العامة وتحقيق فعل الإيهام الذي انعكس على المشاهد بحيث تحول من متلقي إلى مستقبل متعاطف مندمج مع مستوى الأداء التمثيلي المتقمص من جانب (فتحي) القادر على الذوبان في الشخصية والنفاذ تحت جلدها، كما تجسد ذلك من حركات وإيماءا وإشارات فسرها المشاهد لحساب شخصيته الأسره في التقمص وفقا لمفهوم التمثيل الحقيقي عند (ستانسلافسكي) وغيره من عملاقة التمثيل والإخراج.
 
التركيز على لغة الجسد عند (فتحي عبد الوهاب) في تجسيده في أي شخصية يؤديها يشير إلى أنه يتعامل معه لا بوصفه جسدا يتحرك، وإنما جسد يفكر وينتج ليصنع التوازن المنشود مع الروح والواقع، وهو بهذا يلبي بالضرورة كل معاني الجمال التي أشار إليها (جروتوفسكي) في نظريته الشهيرة التي شرحها تحت عنوان (في طبيعة فن التمثيل ومعناه وأدواته)، ما يعكس براعة (عبد الوهاب) في التقمص والولوج إلى الشخصيات وهذا مايشير إلى عمق الموهبة التي يمتلكها، لأنها تنقل العمل الفني إلى درجات أرقى من المستويات العادية ولو كان ذلك على جناح الشر كما فعل (سوق الكانتو، والكتيبة 101).
 
ومع ندرة الفنانين المبدعين مثل (فتحي عبد الوهاب) باتت مهنة التمثيل أمام تحديات متعاقبة، ويرى الممثل فتحي عبدالوهاب - بحسب تعبيره - أن الممثل البارع هو القادر على تقمص كل شخصية والتلاحم معها بدراستها بعمق لتتوارى خلفها شخصيته الحقيقية، ومن هنا يعد (فتحي عبدالوهاب، أحد المتقمصين الذين يجيدون التكامل مع أدوارهم رغم سرديتها الصعبة وتنوعها الواسع وتكوينها المعقد، ويحظى بإشادة وصلت إلى أن اعتبره البعض رائد جيله في تقمص الشخصيات الشريرة منها على وجه الخصوص، بعد تسلمه جائزة أحسن ممثل تلفزيوني لعام 2018 عن دوره في مسلسل (أبوعمر المصري).
 
وقال فتحي عبدالوهاب - وقتها - هناك أدوات لكل ممثل للنجاح وتقديم عمل محترم، أهمها بناء شخصية لكل دور ليصبح طريقه لفهم التعامل معه وخدمته كي يخرج بأفضل صورة، موضحا أنه لا يشاهد أعماله عند عرضها، لكن يلمس ردود الأفعال حولها من الناس، وهذا ما يهمه، وهذا التفاعل هو معياره الوحيد كي يتأكد أنه يسير نحو الطريق الصحيح، فالمشاهد لابد أن يستمتع وتؤثر فيه الشخصية التي يجسدها، وإذا تحفظ عليه في شيء لا بد أن يراجع نفسه، ولا تكتمل عنده أي تجربة فنية دون المراجعة، وتقبل النقد والتعلم، ويطمح عندما تكتمل تجربته في أن تمثل إضافة للفن المصري والعربي.
 
ويبدو لي أن الفن في حياة النجم (فتحي عبدالوهاب) مرادفا لحيوات يعيشها على الشاشة بكل صدق بعد أن يمنحها الكثير من روحه، ويجد في براعة تجسيدها ذروة لحظات متعته الفنية - كما تألق حتى في أدواره الاجتماعية فائقة الجودة مثل (بيت فرح) في موسم الشتاء الماضي - ومع كل عمل جديد يكون على موعد مع خطوة مختلفة يدخل بها عتبات الفرح عن طريق الصدق والاتقان والتنويع، لذلك يبقى الجمهور في حالة شغف مستمر لتجسيده الحي، كما بدت أدواره في أعماله التي حرص من خلالها على الهروب من فخ التكرار - من العوامل الرئيسية التي تمسك بها فتحي - وتنوعت أدواره بين الكوميدي في أفلام (صعيدي في الجامعة الأميركية، راند فو، فيلم ثقافي)، والأدوار الإنسانية مثل (شجيع السيما، فرحان ملازم آدم، البلياتشو، سهر الليالي،ساعة ونص)، بالإضافة إلى الأدوار المركبة كما في فيلم (عصافير النيل، عزبة آدم، كباريه).
 
تمكن (عبدالوهاب) طوال رحلته من الجمع بين انتمائه إلى الفن كقيمة ورسالة دون التعالي على الجانب التجاري للسينما كصناعة، وقدم أدوارا مهمة في أعمال جماهيرية كبيرة في أفلام مثل (الديزل، هروب اضطراري، حرب كرموز)، وفي الدراما ظهر مؤخرا في أكثر من شخصية تختلف عن بعضها على المستوى النفسي والاجتماعي ومنها شخصيته في في مسلسلي (القاهرة كابول، جزيرة غمام، سوق الكانتو، الكتيبة 101)، وقد لاحظت أن سمة التنقل السلس بين الأدوار المتباينة أمرا طبيعيا بالنسبة له كما بدا ذلك واضحا في دوريه الأخيرين (رشاد، والدكتور وحيد)، وكما يقوله على لسانه نفسه: (عملي وواجبي أن أخلص له، وأقدم ما يرضيني ويمتع الناس، ويضمن حياة ممتدة للشخصيات التي أقدمها في أذهان الجمهور، وجميعنا سوف نموت كفنانين، لكن تبقى الشخصيات التي نقدمها يتذكرها الناس، وقد تظل عالقة في أذهانهم وقادرة على جذبهم).
 
ولأن (الجوكر) هو الورقة الرابحة دائما في اللعبة الشهيرة (الكوتشينة)، وهو توصيف للشخص الناجح في أي مهمة يتواجد فيها في الوسط الفني، لذا فقد  حصد (فتحي عبد الوهاب) هذا اللقب في مواسم رمضان 2021، 2022، 2023)، وذلك دون سائر أقرانه من الجيل الحالي (الوسط) بعد أن أصبح فنانا واحدا يعتبره الجميع استثنائيا في الموهبة واحترافيا في الأداء السهل الممتنع، المركب والمعقد، البسيط والتلقائي، كل هذه الأوصاف تجتمع في اسمه وحده على جناح أدائه الإبداعي الذي أذهلنا بشخصياته في المواسم الثلاثة الأخيرة، التي تجمع المتناقضات في شخص واحد نهم للسلطة والمال والجاه، وضعيف للغاية أمام رغباته التي توقعه دائما في شر أعماله.
 
وفي النهاية: لا شك أن فتحي عبد الوهاب، من أهم الأسماء التي تمكنت من إيجاد مكانة مميزة لها في السينما والمسرح والدراما التليفزيونية المصرية، وهى التي جعلته النجم المتميز والاستثنائي الذي استطاع خطف الأنظار إليه منذ ظهوره الأول في صورة النجم الذى علقت شخصياته وأدواره في أذهان الجمهور، حيث تميز بدمجة ما بين أدوار الشر وأدوار الخير بلمسة كوميديا ليقدم لنا خليط من الشخصيات المؤثرة في السينما والشاشة الصغيرة .. تحية تقدير واحترام لهذا الفنان الذي يمتلك موهبة متدفقة يحسده عليها الكثيرون، ليست تمثيلية فقط، بل في قدرته على الاختيار لمساحة التميز التي يوفرها لنفسه مع كل عمل يقدمه.
 
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة