خرجت الفتاة الصغيرة ذات الستة عشر ربيعا والحزن يملأ عينيها وصوتها يختنق مقاوما البكاء، لتقول عبر وسائل التواصل الاجتماعى إن الأحداث التى دار حولها مسلسل (تحت الوصاية) الذى عرض مؤخرا فى شهر رمضان هى ما تعانيه ووالدتها بالفعل، وقالت كلاما مؤثرا حول أن هؤلاء الأوصياء عليها بعد وفاة والدها منذ عامين لم تكن تراهم سوى فى الأعياد والمناسبات الأسرية، وتحول الأمر بعد وفاة والدها لتستجدى والدتها منهم حق ابنتها، لأنها لو لم تفعل سيكون الجوع مصيرهم، وتناشد الفتاة بسرعة تعديل قانون الوصاية الذى تعانى هى وغيرها بسبب قصوره.
لكن التيار المتطرف فى نفس الوقت لا يترك فرصة للمزايدة والمتاجرة بالدين إلا وانتهزها، مستغلا جهل البعض بصحيح الدين حتى يحول الأمر إلى مؤامرة على الدين وانتهاك للشرع والربط بينه وبين مسلسل أمل فاتن حربى الذى عرض العام الماضي.
الحقيقة أن كل هذا الجدل الذى نتفق مع بعضه، ونستهجن بعضه ما هو إلا نجاح لمسلسل مهم استطاع أن ينال احترام واهتمام المشاهدين الذين تابعوه بشغف على مدى خمسة عشر يوما، كتبه برؤية فنية واجتماعية واعية خالد دياب وشيرين دياب، وأخرجه باقتدار المخرج الشاب محمد شاكر خضير، والحلقات كما تابعها الكثيرون تتناول قصة سيدة توفى زوجها وترك لها طفل وطفلة وأصبح الجد هو الوصى بحكم القانون، وبحكم كبر سن الجد أصبح ابنه الثانى عم الأطفال هو المتحكم فى مركب الصيد الذى يملكه الأب المتوفى، تهرب الأم بطفليها من الإسكندرية إلى دمياط وتتمكن من نقل المركب المتنازع عليه وتغير ملامحه وتتحدى كل الصعاب ومطاردات عم الأطفال ونظرة مجتمع الصيادين لفكرة خوض سيدة العمل فى البحر .
أحداث درامية متلاحقة وحبكة قوية لم تترك لحظة ملل للمشاهد، وأداء تمثيلى ممتاز من الفنانة الكبيرة منى زكى ودياب ومها نصار ورشدى الشامى وخالد كمال وأحمد خالد صالح ونهى عابدين والطفل الموهوب الرائع عمر شريف، وغيرهم من الفنانين الكبار والمتمكنين من أدواتهم الفنية.
لعل أجمل ما فى هذا العمل الفنى الكبير هو دخول المشاهد ذلك العالم المجهول الجديد القديم الذى ربما لم تنقله إلينا إلا قليل من الأعمال الفنية المحدودة، خاصة فى أفلام سينمائية، وهو عالم البحر والصيد وتلك الحياة القاسية من أجل السعى إلى الرزق، وربما يكون هذا هو العمل الأول الذى ينجح فى نقل وتجسيد تفاصيل هذه الحياة ومكونات مراكب الصيد وطريقة عملها والعبارات والأسماء والقواعد التى ينتهجها من يمتهنون هذه المهنة الشريفة.
ثم تلك اللحظة الرائعة لخروج محصول البحر فى الشباك، وكيفية إلقاء الشباك ثم جمعها وتفريغها وتوزيعها، وتحكم فئة من التجار فى مقدرات الصيادين الكادحين، ومن خلال كل هذا نوازع النفس البشرية وكيفية الحياة يوم بيوم فى خضم أمواج البحر والحياة، ولعل هذا من أجمل ما حمله هذا العمل وهو اعتماده الكامل على التصوير الخارجى حتى داخل البيوت والغرف والمقاهى والمطاعم والمحاكم والمستشفيات، كلها واقعية تماما كأحداث المسلسل أو هكذا شعرنا على الأقل .
الحقيقة أن هذا العمل لا يتعرض لقضية وصاية الأم على أبنائها فقط، لكنه أدخلنا لعالم أرحب فى فضاء كبير، ومشاهد مُحكمة لمخرج واع يملك أدواته جيدا ويحمل رؤيا فنية جديرة بالمشاهدة. وهذا العمل (تحت الوصاية) جدير بامتياز بالمشاهدة الواعية المتأنية، وجدير أيضا بالتقدير والتحية لكل من ساهم فى صناعته، وهو تجسيد واضح للعمل الفنى مكتمل العناصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة