عصام محمد عبد القادر

احترام الرأي الآخر

الأربعاء، 14 يونيو 2023 10:54 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
 
يُعدّ التواصل والتعارف سمة من سمات الإنسان، وميزة كرّمه الله بها، وغاية فضله بها على سائر خلقه، قال تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا" الحجرات، ومن قَبْلِ القرآن والنبيّ العدنان، جاءت سائر الأديان لتؤكد على هذا المعنى وتدعم الأخوة والاحترام والتواصل، وتمنع الفرقة والنزاع اللذان يؤديان إلى البغض والعداوة، ويُعطلان طاقة الإنسان لإعمار الكون، ويقعدان به عن المهمة التي خلقه الله لها، مهمة الاستخلاف في الأرض لإعمارها بالعبادة والعمل والجد والاجتهاد، قال تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" التوبة. 
 
وتتنوع الطرائق التي يتم بها التعارف بين الأفراد، ويأتي في مقدمتها الحوار المتبادل فيما بينهم؛ حيث قد يحدث نوع من الانسجام الفكري يؤدي إلى هذا التعارف، ومقومات ذلك يقوم على مبدأ الاحترام المتبادل بين الطرفين عبر المناقشة والحوار؛ فإذا غاب هذا المبدأ نجد طريقاً ممهداً للخصومات والمشكلات بين الطرفين يؤدي إلى المزيد من النزاعات ومن ورائها القطيعة، ولا ننكر بحال مبدأ التباين في الرأي؛ فهذا من مقومات الطبيعة الإنسانية؛ لكن ما ننكره حتماً غياب مبدأ الاحترام المتبادل بين الطرفين.
 
وهناك من يتبنى النظرة الإيجابية في تناول الأمور رغم ما يحيط بها من سلبيات؛ بهدف التطلع لمستقبل أفضل مع ما قد يطرأ من متغيرات تعمل على تحسين هذه الأمور، وإن بدت المؤشرات واضحة لما هو أفضل قياسًا عما سبق؛ لذا ينبغي تجنب الطعن والتجريج لأصحاب النظرة المتفائلة، بل يتوجب دعم المسار الإيجابي والإشارة برفق للسلبيات بهدف إيجاد حلول تسهم في دعم متخذي القرار.
 
إن من يتبنى مبدأ الطعن والتجريح، لا تتكامل الصورة الإيجابية في ذهنه؛ فتركيزه فقط على كل ما يشكل أوجه القصور، متناسيًا عن قصد الصورة الإيجابية ومراحل العمل على تحسينها، غاضًا طرفه عن الماضي السحيق الذي أورث الإحباط لعقود من الزمن جنى الأجيال عبرها مرارة الحياة في شتى تنوعاتها الصحية والتعليمية والاقتصادية والسياسية حتى بدت الدولة بمثابة هيكل يقوم على بنية تحتية متهالكة لا تتحمل مقومات النهضة والتقدم في مجالات الحياة المختلفة.
 
ورغم تجني فئات عديدة وتبنيها لفكرة الطعن والتجريج إلا إن الأمل معقود من خلال التماس العذر لها، ومن ثم ينبغي محاولة مواجهتها بالأدلة والبراهين التي تثبت النظرة الإيجابية في ضوء ما يستجد على الساحتين المحلية والعالمية، والمسئولية هنا تقع على كل من يملك الوعي الصحيح في تصويب المعتقدات المشوبة والتي تقوم على التعصب لما يرد من معلومات وبيانات مغلوطة لا تقوم البتة على الدليل والبرهان.
 
وتشكل صور التواصل الفعال مع المواطنين حجر الزاوية في تكوين وعي صحيح؛ حيث إن المقاطعة بصورها المختلفة تشعر الآخر بالإحباط والامتهان وتجعله يسلك مسلكًا غير صحيح في التعبير عن رأيه؛ لذا يفضل إتاحة الفرصة للحوار البناء مع تلك الفئات بغية تجنب المقاطعة والحرص على المشاركة في صورة إيجابية تسهم في بناء الوطن وتعضيد فكرة المحافظة على مقدراته العامة قبل الخاصة؛ فالوطن بيت للجميع دون استثناء.
 
ويتطلب ممن يقوم بتصويب الفهم المغلوط أن يتحلى بالصبر وضبط النفس وأن يمتلك الاستراتيجيات الفعالة في هذا الشأن؛ حيث يقوم بإقناع الطرف المستهدف بالحسنى، مع مقارعة الحجة بالحجة، وربط المعلومات بالواقع، حتى يتسنى إحداث ما يسمى تربويًا بالصراع المعرفي والذي فيه يستبدل الفرد ما لديه من فكر مشوب بالفكر الصحيح.
 
ومحاولة الفرد الانتصار لنفسه يؤدي لصدام حتميّ مع الطرف الآخر؛ لذا باتت القناعة بالصورة الذهنية الإيجابية من الأمور المهمة التي تجرد الفرد من ذاته، ليضع نُصب عينيه تحقيق أهداف القضية التي يتناولها بالحوار والمناقشة، والتوعية وتوضيح المفاهيم بصورة منظمة قائمة على الحقائق، لا التشكيك والتضليل.
ولنُدرك أن التسرع في اتخاذ القرار بناءً على معلومات منقوصة يؤدي إلى نتائج غير مرضية للطرفين؛ لذا بات تأجيل اتخاذ القرار أو تكوين الفكرة بصورتها المتكاملة بعد تفكير عميق يسهم في الوصول إلى نتائج مثمرة حول القضية أو المشكلة أو الموقف، ومن فقد أضحى التريث سبيلًا لتحقيق الهدف.
 
وانطلاقًا من مقولة (اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية)، فقد صار الاتفاق بين أطراف الحوار على الشواهد والأدلة أو على الأصول والمصادر، يسهم في إذابة نقاط الخلاف بين أطراف الحوار، ويحقق التوازن في القناعة المشتركة نحو ما هو صائب، ويحد من فرص الصدام والتصلب للرأي وفق خبرات متراكمة.
 
إننا في احتياج واضح عند عقد جلسات الحوار والمناقشة مع الآخرين أن نقدم نقاط الالتقاء أو الاتفاق في البداية لوضع أرضية مشتركة ننطلق منها إلى جوهر القضية، وتساعد في تعضيد القواعد المشتركة بين أطراف الحوار، وتخفف الحد من التباين في وجهات النظر، ومن ثم تدفع الحوار والمناقشة نحو تحقيق الهدف منها، كما يمكن أن تولد نقاط مشتركة تسهم في دفع الفكرة في الاتجاه الصحيح.
 
إن من بداهات احترام الرأي الآخر الحفاظ على طاقته الإيجابية عند أداء مهامه، وذلك بأن نتجنب إضاعة وقته ونسبب له الإحباط بإلقاء المزيد من النقد الهدام، ومن ثم ينبغي أن نستبدل ذلك بالمزيد من التشجيع والنقد البناء ليقوم من أدائه ليصل إلى الصورة المرضية على مستوى الفرد والجماعة. 
 
وينبغي أن نعي قيمة احترام الآخر والمتمثلة في التسامح، وبالأحرى فنحن في احتياج لها في ظل التحديات التي باعدت بين المتخاصمين أو المختلفين في الرأي، والنظرة الإيجابية للتسامح تشير إلى التقارب الثقافي بين المجتمعات في ظل مقومات التقنية التي يمتلكها الجميع؛ لذا فإن تعضيد ثقافة الحوار والمناقشة صارت من أساسيات الاحترام المتبادل.
 
دعونا نتقبل فكرة ثقافة الرأي والرأي الآخر بمزيد من الاحترام، وفي مناخ يسوده الحب وسعة الصدر والهدوء وتجنب التحيز، وتوظيف فرض الرأي لاعتبارات متباينة، دعونا نتجنب النقاش غير المجدي ونُقبل على النقاش البناء، دعونا نستنكر الهدم بصوره المختلفة، ولا نوجه الإهانات عبر المنابر التي تسهم في تشكيل الوعي المجتمعي، دعونا نحتفي بالإنجازات، ونتطلع سويًا لمستقبل يحمل الخير المستدام لأجيال وأجيال.
 
حفظ الله علينا نعمة العقل، ومنحنا الرضى، ووفق قيادتنا السياسية لمزيد من الإنجازات في شتى المجالات.
 






مشاركة



الموضوعات المتعلقة

الثقافة الإنجابية من منظور تربوى

الأربعاء، 07 يونيو 2023 10:03 ص

الصناعة فى الجمهورية الجديدة

الأربعاء، 31 مايو 2023 09:52 ص

تعزيز الريادة.. رؤية مصر 2030

الأربعاء، 17 مايو 2023 09:52 ص



الرجوع الى أعلى الصفحة