لم يمر سوى عام على ما حدث مع السيدة آية يوسف التي اشتهرت بمعلمة الدقهلية، والتي كادت أن تقدم على الانتحار بسبب تداول ڤيديو مصور لها، وهي ترقص في رحلة نيلية ترفيهية مع زملائها، حيث أقيمت المحاكمات ونصبت المشانق ، وانقسم المجتمع إلى مساند للسيدة، وفريق يتوعدها بالنار والعذاب في الدنيا والآخرة، حتى تقدمت باستقالتها، ثم أبعدتها مديرية التعليم في الدقهلية من عملها كمدرسة لغة عربية في مدرسة خالد بن الوليد ونقلها إلى إحدى المدارس التجريبية، ومرت بأزمة نفسية عصيبة كادت تودي بحياتها وتعصف بأسرتها، لولا أنه مازال في هذا البلد من يحملون الرحمة في قلوبهم ساندوا السيدة آية وساعدوها في رد اعتبارها.
عادت نفس الواقعة تطل علينا بنفس قسوتها مرة أخرى وبنفس السيناريو، لسيدة من نفس المحافظة الدقهلية من مركز السنبلاوين وتدعى ياسمين واشتهرت (بصاحبة الفستان الأزرق)، لكنها في هذه المرة كانت ترقص في فرح، وفرح يعني فرح وسعادة واندمجت السيدة التي بالفعل تجيد الرقص الشرقي، كما تجيده كل بنات مصر والوطن العربي تقريبا، ويعبرن في المناسبات عن ذلك وتتوارثه الأجيال كأحد الفنون التي تعبر عن ثقافة كل بلد، حيث لا تخلو بلد في العالم من رقصة تعبر عن ثقافة هذا البلد واجتماعه على هذا الفن في الأفراح والمناسبات، ولا يعني هذا مطلقا سوء سلوك أو شبهة!.
لكننا وعلى مدى عدة عقود أصبحنا رقباء على بعضنا البعض، كل منا يعتقد انه يمتلك وحده الفضيلة والقيم الأخلاقية، ثم يتخذ من نفسه قاضيا وجلادا ومربيا ومعلما للأخلاق، وغالبا ما يكون حاملًا من الصفات المتدنية ما لو كشف الله ستره عنه لأذهل الجميع بنقائصه! وهذا في الحقيقة أمر غريب مازال مجتمعنا يصر عليه ولا يريد تجاوزه، وهو التدخل غي حياة الغير وتقييم سلوكه، والإدلاء برأيه سواء طُلب منه أو لم يُطلب، ثم اتخاذ موقف غاية في القسوة يدمر حياة الضحية ويوصمها بالعار في مجتمع منغلق، مازال الرجل يفعل فيه ما يشاء كما لو كان محصنا من الأخطاء، والمرأة فريسة لكل مدعين الأخلاق والقيم، على الرغم من أن أول شروط الأخلاق عدم التدخل في حياة الغير، ومن أهم قواعد الأديان كف الأذى عن الغير، وهؤلاء لا يعلمون من الإخلاق شيئا ولا يعرفون من الدين إلا مظاهره!.
المدهش أن هؤلاء هم أنفسهم الذين يهينون زوجاتهم، ولا يبرون أبائهم، وهم من يضعون أيديهم بلا رحمة في جيوب من يقع تحت أيديهم سواء بدروس خصوصية أو تجارة مستغلة حوائج الناس، أو المتاجرة بأمراض البشر، أو حتى عدم إعطاء العمل حقه، ناهيك عن الكذب والغش والتدليس والسرقة، وكل ما يحيط بنا من قيم سيئة انتشرت واستقرت وأصبحت قائمة وراسخة ومتغلغلة في مجتمع يزداد في كل يوم تدني، ثم يصحو فجأة وقد غلي الدم في عروقه من أجل فتاة تعبر عن فرحتها بصديقتها التي تشاركها الرقص هي وغيرها، لكنهم تصيدوا هذه وقرروا أن يذبحونها ويشربوا دمائها التي لا تشبع أمراضهم ولا نقائصهم منها، ولا يهمهم في ذلك تحطيم أسرة أو خراب بيت أو قتل هذه السيدة بلا رحمة. فأين سيذهبون من الله وكيف تجرأوا ونصَّبوا من أنفسهم حماة للشرف وهم لا يدركون معناه الحقيقي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة