تواجه المجلات الثقافية خلال السنوات الماضية، أزمة اقتصادية طاحنة هددتها بالتوقف عن الصدور أو تسببت في توقفها بالفعل، وذلك في ظل انتشار المنصات الرقمية، وصعود منصات السوشيال ميديا، لتحارب الإصدارات الورقية في كافة الإصدارات الصحفية ومن بينها المجلات الثقافية، ليكون السبيل إلى هذه المجلات هو التحول إلى نسخة رقمية.
الملاحق الثقافية بشكل عام تشهد تراجعا حادا فى الفترة الأخيرة، بسبب أزمات منها عدم اهتمام قطاع كبير من الجمهور بقراءة الصحف والمجلات الثقافية، فضلاً عن الأوضاع المادية المتدنية وغياب التمويل الذى يكاد يدفع عدداً كبيراً من الدوريات الثقافية إلى التوقف، أبرزها كان توقف مجلة مثل "الخيال" ، ومن بعدها "أبيض وأسود" قبل عودتها كفصلية ربع سنوية، وتحويل مجلة "مسرحنا" إلى إلكترونية، فضلا عن النشر غير منتظم لمجلات مثل "أمكنة" الفصلية للشاعر علاء خالد، لكن بعيدًا عن أزمات التمويل، هناك أيضا أزمات ومشاكل أخرى أثرت على شكل الصحافة الثقافية فى مصر والوطن العربى.
ويبدو أن مجلة المسرح العريقة التي تصدر عن المركز القومي للمسرح، بالتعاون مع الهيئة المصرية العامة للكتاب، تواجه هي الأخرى خطر توقف الإصدار الورقي وتحولها إلى نسخة رقمية، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، وزيادة أسعار مستلزمات الطبع، مما قد يؤدى إلى ارتفاع سعر النسخة الورقية إلى 38 جنيها، بحسب تصريحات للناقد المسرحى عبد الرازق حسين، رئيس تحرير المجلة، والذى تقدم باستقالته لهذه الأسباب.
ويبدو مصير مجلة المسرح التي عادت للصدور في عام 2019، بعد توقف دام 4 سنوات، أقرب لمصير نظيرتها "مسرحنا" التي تصدر عن هيئة قصور الثقافة، حيث تم تحويل مجلات مثل "مسرحنا" و"مصر المحروسة" اللتان كانا يصدران عن الهيئة العامة لقصور الثقافة قبل عدة سنوات إلى نسخ إلكترونية ومواقع ملحقة بموقع الهيئة الرسمى، كما تم إصدار أعداد مجلة "الثقافة الجديدة" بشكل "pdf" بجانب إصدارها بشكل ورقى أول كل شهر، وهو نفس الوضع مع مجلة "قطر الندى" للأطفال.
الهيئة المصرية العامة للكتاب التى تعد الناشر الرسمي لوزارة الثقافة، حاولت على مدار تلك الفترات دعم المجلات الثقافية، ومنها مجلة "أدب ونقد"، وكذلك أعلنت الهيئة عودة مجلة "القصة" التى تصدر عن نادى القصة للصدور مرة أخرى في أكتوبر 2021، بعد توقف دام لـ7 سنوات، ومنذ تولى الدكتور أحمد بهي الدين رئاسة الهيئة، صدرت جميع المجلات الثقافية التي تصدر عن الهيئة بشكل مستمر ودون توقف، ومنها مجلات "فصول، عالم الكتاب، إبداع، فنون"، لكن مع استمرار ارتفاع مسلتزمات الطباعة، ما هو مستقبل هذه المجلات، وهل تستطيع الهيئة الحفاظ على صدور هذه المجلات بشكل مستمر، أم تنضم بعضها إلى الإصدارات الإلكترونية، مثل "مسرحنا"؟
وزارة الثقافة، كانت قد ناقشت من قبل إمكانية تدشين موقعا وبوابة إلكترونية يتم إعدادها حتى تكون منفذا جديدا لعدد من المجلات والإصدارات التى تنشر فى قطاعات وزارة الثقافة المختلفة، وذلك مع إطلاق المنصة الرقمية لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، كذلك أعلنت الهيئة وقتها تحويل إصداراتها إلى نسخ رقمية يتم إتاحتها للبيع عبر موقع الهيئة لكن المشروع لم يكتمل، وكان مخططا أن يكون هذا التحول الإلكترونى بإنشاء الموقع، مع وجود النسخ المطبوعة ورقيا بحيث يتم إصدار نسخ بعدد أقل بهدف التوثيق والأشفة، بحيث يكون تدشين موقعا جديدا وعمل نسخ إلكترونية للمجلات الأدبية والثقافية فى مصر، هدفه زيادة رقعة توزيع تلك الإصدارات والوصول إلى أكبر عدد ممكن من القراء، فى ظل أن أكبر مجلة تطبع أعداد داخل الوزارة تطبع نحو 3 آلاف نسخة مثل "عالم الكتاب" و"فنون"، لكن كل هذا لم يتم حتى الآن.
الوضع في المجلات الثقافية والفنية، وصل إلى أشده مع قرار الهيئة الوطنية للصحافة في مصر، بدمج مجلتي "الكواكب"، و"طبيبك الخاص" في مجلة حواء التي تصدر عن المؤسسة نفسها "دار الهلال" مع إنشاء موقع إلكتروني خاص لكل إصدار، في قرار يتماشى مع خطة التحول الرقمي التي أعلنت عنها الهيئة، وبسبب خسائر الصحف الورقية المصرية، وفى العام الحالي، تسبب إعلان مجلة "الدوحة" الثقافية الشهرية، عن توقُّف صدورها، في حزن قطاع كبير من الوسط الثقافي العربي، لإغلاق منبر ثقافي وسط قلّة الإصدارات الثقافية في العالم العربي، وكانت المجلة قالت عبر منشور مقتضب علي صفحتها الرسمية على موقع فيس بوك: " أعلنت إدارة مجلة "الدوحة" عن توقف صدورها اعتبارًا من العدد 183 (فبراير 2023) حتى إشعار آخر.
الوضع الآن لا يحتمل الكثير من المسكنات، وعلى القائمين على أمر المؤسسات الرسمية التي تصدر عن وزارة الثقافة، اتخاذ قراراً حاسماً بشأن هذه المطبوعات، سواء بتطويرها، أو بتحويلها لإصدارات إلكترونية، مع ضرورة الحفاظ على أرشيف تلك المجلات عبر مواقع إلكترونية تضمن انتشارها بشكل أوسع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة