معركة فى كل بيت لديه طالب بالثانوية العامة، التى تنعقد امتحاناتها فى مدارس مصر، وخلال أيام تظهر نتيجة الثانوية، وتبدأ حرب أخرى لاختيار الكلية التى يدخلها الطالب أو الطالبة، وتحمل كل أسرة أملًا فى أن تكون الثانوية نهاية الألم والمشوار الطويل، بينما الواقع أنها بداية لمشوار يتعلق بالمستقبل، وضمان أن يكون الخريج لديه فرصة لاختيار شكل مستقبله وعمله.
معارك الثانوية العامة تبدأ منذ الإعدادية، الاختيار بين العلمى والأدبى، ومشوار الدروس الخصوصية الذى يستهلك الجهد والمال، ثم الامتحانات، فالنتائج والمجاميع، ويأتى اختيار الكلية والدراسة والتى يتحدد عليها شكل المستقبل.. بعد الثانوية العامة والامتحانات والدرجات يأتى اختيار الكلية المناسبة، التى تسهل الالتحاق بسوق العمل، رحلة تعليم يدفع فيها المصريون أموالًا طائلة فى التعليم والدروس الخصوصية ليضمنوا التفوق لأبنائهم، ويرتاحون بعدها. يظل البيت كله مشدودًا حتى يجتاز الطالب الثانوية العامة، ولا يعد هذا نهاية المطاف بل يحتار فى اختيار الجامعة أو الكلية، ثم يحتار فى اختيار التخصص.
فى الماضى كان تعبير «كليات القمة» يعنى الكليات التى يضمن خريجوها عملًا بعائد معقول، مع ضمان للترقى الاجتماعى والمادى، كان الاسم يعنى كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان والهندسة، لكن العقود الأخيرة شهدت تغييرات فى شكل الجامعات والتخصصات وظهرت تخصصات مطلوبة فى سوق العمل ترتبط بالاتصالات أو التقنيات الحديثة، والعلاج الطبيعى والتمريض، وفى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى أو البرمجة أو التسويق الإلكترونى، بجانب المشروعات الخاصة التى يمكن أن يتجه إليها الشاب متسلحًا بتعليم وتدريب على الإدارة، بل وهناك تخصصات فنية تضمن لصاحبيها عملًا براتب مجز فى الصناعة أو غيرها، ومع هذا لا تزال هذه التخصصات لا تجد إقبالًا من الطلاب، ربما لنقص المعلومات حولها، أو بسبب التردد وعدم وجود يقين لدى الطالب وأسرته بضمان فرصة فى سوق العمل.
كل هذا يعنى أن كليات القمة لم تعد تضمن لخريجيها مستقبلًا، خاصة أن خريجى هذه الكليات يتضاعفون سنويًا، ولا يجد أغلبهم فرصة لبناء حياة مستقرة ومزدهرة ترضى متطلباتهم، وقد تكون التخصصات الجديدة خيارات أفضل، وتقدم فرصًا أفضل لخريجيها، بل إن التخصصات الفنية المتوسطة هى أيضًا مطلوبة فى سوق العمل مثل التخصصات الجديدة والتى لم تكن موجودة من قبل.
وفى أوروبا والدول المتقدمة لا يعرفون مكاتب التنسيق أو المجاميع، وإنما يجتاز الطالب اختبارات فى كل مرة يفكر فى اجتياز مرحلة تعليمية أو عملية وهى أمور تتم بسهولة ومن دون تعقيدات وإن كانت تحتاج إلى جهد دراسى ومعرفى وعملى، ولا يرتبط عمل الشخص بالتخصص عمومًا، ويمكن لأى شخص أن يختار العمل بتخصصه، أو يغير مساره للبحث عن طريق أفضل، وهذه المجتمعات توفر إمكانيات تغيير المسار.
فى العالم كله هناك جامعات تساعد طلابها على التدريب وتجهزهم للمستقبل من خلال برامج تدريبية مع الشركات والمراكز المختصة، وبعض الجامعات فى بريطانيا تحتل مكانًا متقدمًا فى توظيف خريجيها، لأنها تقدم فرصًا للتدريب والتوجيه، من خلال مراكز تمولها شركات كبرى، تعرف أن تدريب وتأهيل الخريجين يصب لصالح المجتمع.
الشاهد أن الكل يبحث عن المستقبل المضمون لأبنائه، والشباب طوال الوقت يحاولون تحديد نقطة انطلاق بعد الثانوية العامة تضمن لهم مكانًا فى المستقبل، فى الماضى كان الشباب يختارون المضمون كليات الطب والصيدلة والهندسة، وهى اختيارات لم تعد كافية، ولا توجد وصفة للاختيار تحسم المستقبل، الكثير من الخريجين لا يجدون عملًا ويضيعون وسط الزحام ونقص الوظائف، هناك تخصصات حديثة ربما تكون أكثر حظًا لكن الأوضاع تتغير خلال السنوات الأربع التى يقضيها الطالب فى الجامعة.
الحال اليوم أصبح أكثر تعقيدًا، بجانب الجامعات العامة جامعات خاصة تحاول كل منها تقديم مهارات إضافية لخريجيها، اللغات والتخصصات الدقيقة قد تسهل للخريج الحصول على وظيفة، كل هذا يجب أن يوضع فى الاعتبار لدى كل أسرة، ولدى الطالب، والذى ربما يجب أن يجد توعية وسياقات ومصادر تساعده على معرفة قدراته وحسم خيارات للمستقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة