بما أننا فى موسم الثانوية العامة، وفى نهاية عام جامعى يضخ عشرات الآلاف من الشباب إلى سوق العمل، من كليات وتخصصات مختلفة، جامعات عامة وخاصة، نحن أمام واقع يتجدد سنويا ويفرض نفسه على المجتمع، أولياء الأمور وطلاب الثانوية يأملون أن تنتهى معاناتهم مع الثانوية العامة، ويجد أبناؤهم مكانا فى الجامعات يمهد لهم الطريق إلى المستقبل والحصول على فرصة عمل، ومكان فى المجتمع.
الشاهد أنه لا يوجد ما يمكن أن يسمى نهاية المطاف للطالب وأسرته، فيما يتعلق بالتعليم والتخصص، ولم يعد المجموع العالى أو مكتب التنسيق هو الباب لمستقبل مضمون.
والشاهد أننا بجانب التعليم نحتاج إلى سياقات ومسارات تساعد آلاف الشباب على تحديد اختياراتهم من الثانوية، ليضمنوا مكانا فى الجامعة يوصلهم إلى الحياة والاستقرار والعمل، والتعرف على المهارات التى يمكنها أن تساعدهم فى الحصول على فرصة تحقق لهم ذاتهم ماديا ومعنويا، حتى لا يتكدس الشباب فى واقع محبط يتوهون فيه وتضيع سنوات عمرهم بحثا عن مكان تحت الشمس.
كل هذا ينقلنا إلى نقاش يدور على مدى عقود بالمجتمع، ويفرض نفسه على الحوار الوطنى فى محوره المجتمعى، والتعليم قضية تفرض نفسها على كل نقاش، وقد تبدو قضية بسيطة لكنها تتضمن تفاصيل متشابكة وكثيرة، يلخصها مشهد مئات الآلاف يتركون الثانوية للجامعة، ومئات الآلاف يغادرون الجامعات تجاه المستقبل، وهذا المشهد يلخص الوضع، طلاب الثانوية ينتهون ويبدأون، مثل شباب يغادرون الجامعة للمجتمع.
كل هذا يجعل قضية التعليم، أكبر من مجرد إجابة عن سؤال، فهو لا يتعلق بالتعليم فقط، لكن بالمجتمع، وبالاقتصاد والتمويل، الفصول والمعلمين والثقافة.
البعض يرى أن البداية فى توحيد نظام التعليم، وفى كل دول العالم هناك قانون ونظام واحد للتعليم والفرق فى التفاصيل، بحيث لا تكون هناك أنظمة تعليمية مختلفة ومتعددة، من أنظمة التعليم، العادى الحكومى والتجريبى والمعاهد القومية، والخاص فيه اللغات والعربى، وهناك أنظمة أمريكية وبريطانية وألمانية وأزهرية، وداخل كل نوع هناك أنواع ودرجات فى التعليم الأساسى، وهو تعدد ينتج تلاميذ مختلفين لا يمكن أن يكونوا قادرين على الوجود فى مجتمع واحد، ولا يمكن أن يقوم بينهم تفاهم إنسانى أو اجتماعى.
وقد تكون أول خطوة أن يكون هناك نظام للتعليم فيه مشتركات أساسية، من اللغات والعلوم والثقافة، وليس حسب الهوى، وتغيير نظام الامتحانات بشكل يلغى الحفظ والمذاكرة من أجل الامتحان، وأن يصبح قائما على الفهم وليس على الحفظ، وأن يعبر عن المستوى الحقيقى للطالب، فيما يتعلق بالدروس الخصوصية هى تدريب على ذلك النوع من الحفظ وعلى الإجابات النموذجية، وبإلغاء الإجابات النموذجية ووضع امتحانات غير متوقعة، قد تتراجع أو تنتهى الدروس الخصوصية.
توحيد التعليم ليس «قولبة»، لكنه تحديد للمشتركات فى اللغة والثقافة والأساسيات، والعلوم والتاريخ ، وهو دور يمكن أن يقوم به المجلس الأعلى للتعليم، ليضمن مراعاة التفاصيل المتعلقة بالتعليم.
وبجانب توحيد التعليم، هناك ضرورة للتوعية والتعريف بالتخصصات ومدى الحاجة إليها، وربط التعليم الجامعى والفنى بالاستعداد والقدرات، بجانب المجموع، والتخصصات الجديدة فى الجامعات والمعاهد، وتقديم فرص ومنح للتعليم والتدريب وإعادة التأهيل، مع الأخذ فى الاعتبار أن أكثر من نصف خريجى العالم لا يعملون فى تخصصاتهم، لكن دائما هناك معاهد ومراكز بل وجامعات تتيح فرصة التدريب وتغيير المسار «شيفت كارير»، فى دراسات مسائية أو غيرها وهى أمور أصبحت جزءا من التعليم والتطوير.
كل هذه مناقشات وأسئلة مطروحة، وهناك حاجة لأن يضعها المشاركون بالحوار الوطنى أو المهتمون بالتعليم فى الاعتبار، لأن التعليم قد يبدو سؤالا بسيطا، لكن يحمل تفاصيل تحكم المستقبل.