حازم حسين

30 يونيو و«كعب أخيل» الإخوانى.. عندما تهدّم التنظيم بأيدى حُرّاسه الأغبياء

الأحد، 25 يونيو 2023 02:39 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وُضِع «مرسى» فى الواجهة؛ لكنه كان تفصيلة ضئيلة ضمن مشهد عريض حالك السواد، حينما اندلعت موجة الغضب الشعبية الحاشدة فى 30 يونيو، كانت فى جوهرها تعبيرًا عن انغلاق اللعبة على طريقة قطع الدومينو؛ ليس فى ما يخص الخيارات المُعقّدة التى فرضها الإخوان على البيئة السياسية وعلاقات القوى الطبيعية ضمن بنية الدولة فقط؛ إنما فى استنفاد الجماعة لإمكانات تمرير خدعتها على مستوى التنظيم نفسه، بعدما بات عسيرًا أن تستمر التجربة التى رسم خيرت الشاطر ملامحها الأولى منذ أواخر التسعينيات، ومضى بها إلى الاصطدام بالجدار بعد سنة واحدة من نشوة الفوز بكل شىء، كان «المعزول» مجرّدَ ورقةٍ فى المُقامرة التى خاضها نائب المرشد، المُتغطرس، مُتجهّم الملامح دائمًا، ولم يكن يتصوّر أن ورقته التى ألقاها مُتأهّبًا لحصد المكاسب؛ ستكون السبب فى خسارته هو والجماعة لكل شىء، وعلى صورة لم تراودهم فى أسوأ الكوابيس والافتراضات المُمكنة.
 
أزمة محمد مرسى بدأت مُبكّرًا داخل الإخوان، إنّ تتبُّع المُتاح عن مسيرته التنظيمية يشير إلى شخص مفعول به طوال الوقت، لم يكن مُبادرًا أو صاحب موقف؛ وكان يرتضى أن يُقرّر له الآخرون ويرسموا مساحات حركته، يروى بعض المقتربين من أجواء مكتب الإرشاد قبل يناير أنه كان حامل ملفّات وأقرب إلى السكرتير فى حاشية مهدى عاكف، ورغم أنه من جيل الشاطر، ولا يبتعد كثيرًا عن محمود عزت، ومحمود حسين، وغيلان الحرس القديم، فلم يُعرف له دور فاعل فى أروقة الجماعة، باستثناء عضوية مجلس الشعب دورة 2000 واستجواب يتيم عن حادث قطار الصعيد، ربما أُعدّ له أصلاً، ثم رئاسته لحزب الحرية والعدالة مع تأسيسه «إبريل 2011» بينما كان يحتفل بعامه الستين، الأثر الغائب طويلاً عاد ليُصيب رجل الهامش محدود المهارات؛ لا لشىء إلا أنه مأمون الجانب، مُطيع، ولا يُخشى منه على جناح الصقور المُهيمنين على مفاصل مكتب الإرشاد ومجلس الشورى، بشكل أو بآخر، يمكن القول إن ميزته التى سمحت بأن يصل إلى فرص مهمة، كانت نفسها محنته وسبب مأساته مع الضباع، الذين اعتبرهم إخوة ولم يروه أكثر من أداة.
 
كان الرجل عاديًّا تمامًا، أو أقل من العادى، فى الحقل الأكاديمى لم يُحرز نجاحًا ظاهرًا ولم يكن ضمن النابغين فى مجاله «هندسة الفلزّات»، حتى عندما زيّفت له الجماعة سيرة مهنية عن أنشطة علمية وأبحاث وعلاقات بجامعات كبرى، ودوريات مُحكّمة وتعاون مع وكالة ناسا، جاءت السرديّة عارية من الأدلّة ومردودة بواقع الشخص وممارساته البائسة؛ ناهيك عن شبهات أحاطته تحت لافتة «الكربون الأسود» وغيرها، شخص بتلك المواصفات يبدو مُثيرًا أن يعيش باهتًا مُنطفئًا داخل الجماعة، ثم يتوهّج فجأة إلى أقصى مدى مُستطاع فى الممارسة السياسية العامة؛ ما يُثير أسئلة منطقية عن علّة الرهان عليه ومبعث الدفع به لسباق الرئاسة، وهو لغز من فرط ضآلة صاحبه لن تجد جوابًا عنه فى أوراقه الشخصية. من المُضحكات أن يكون تفسير صعود «مرسى» فى سيرة الشاطر نفسه، استمرارا على ما يبدو لعُقدة أن تكون ظلاًّ فى كل شىء، حتى وأنت تتقدّم واجهة الصورة أحيانًا.
 
بدأ «الشاطر» حياته ماركسيًّا خلال دراسته فى هندسة الإسكندرية، ومع بداية السبعينيات بدأت الحركات الإسلامية تتنفس وتستعيد أنشطتها فى الجامعات، وفق تسوية ظرفية مع الرئيس السادات، ردًّا منه على خصومة اليسار والناصريين، التى رأى أنها تُلامس سقف العداء وتُهدّد استقرار نظامه الوليد، تحوّل الشاب صوب الإسلاميين حتى أنهى دراسته، وبعدما عاد لبلدته بالدقهلية تعرف إلى اثنين من رموز النظام الخاص «الجناح المُسلّح» للإخوان، فالتحق بالجماعة وانخرط فى ملف الطلبة، سرعة التنقُّل لم تكن تُشير إلى شخصية قلقة، تختبر أفكارها وتبحث عن ضفّةٍ ترسو عليها؛ لا سيما أنها انطوت على انقلاب فجٍّ وغير مُتدرّج من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. الأقرب أنه كان يبحث عن دور، وهو ما ترجمه فى العمل مع الطلاب، وهم قطاع صالح لمُمارسة سلطة الوصاية، ثم فى اتجاهه إلى الاقتصاد ليكون عنصر قوته وأداة ترقّيه، وكان مُثابرًا حتى نجح فى خلط أمواله بثروات التنظيم منذ التسعينيات؛ ليبدأ مسيرة التوحُّش؛ إن بالأصالة أو عبر وكلاء ومندوبين، وأبرز تجلّيات ذلك نجاحه فى ضمّ خمسة من رجاله لعضوية مكتب الإرشاد فى 2008: «الكتاتنى، وسعد الحسينى، ومحيى حامد، وأسامة نصر، ومحمد عبدالرحمن»، بالتزامن مع إطاحة أبرز منافسيه: «عبدالمنعم أبوالفتوح، ومحمد حبيب»، يمكن القول بقدر من الاختزال إنه أحكم قبضته على الجماعة بشكل خانق منذ صعود مهدى عاكف مُرشدًا فى 2004، ومن تلك اللحظة كان يبحث عن ظلال وتابعين، لا عن شركاء وأنداد، وقد اختير «مرسى» على تلك القاعدة.
 
بعيدًا من لعبة الخداع التى مارسها الإخوان على ساحة السياسة، بتكرار الحديث عن عدم الرغبة فى المُغالبة وأنهم لن يُنافسوا على الرئاسة، كان لدى «الشاطر» طموح فى أن يصل إلى الاتحادية، لا ليُهيمن على الدولة فقط؛ إنما ليدير التنظيم نفسه عبر دولابها المُؤسَّسى، فتكتمل له الشمولية السلطوية والحركية، ترشّح وانطلقت حملة تسويق ضخمة؛ لكن ظهرت عقبات قانونية تتصل بقضية «ميليشيات الأزهر» 2006 وسجنه والفاصل الزمنى لردّ الاعتبار. 
بات مُؤكّدًا أنه لن يُكمل السباق، فكان خياره الشخصى تمامًا أن يدفع بـ«مرسى» قبل ساعات من إغلاق الأبواب، لم يكن الصقر الجائع ليُغامر بطرح بديل له شخصية، أو يمكن أن تنمو فى صدره نزعة تمرُّد واستقلال؛ لذا كان البديل الآمن «عروسة الماريونت» التى يُمسك خيوطها ويقدر على تحريكها دائمًا وتحت كل الظروف. إلى آخر يوم فى الاتحادية أذعن المُرشّح الاحتياطى لتلك الصيغة ولم يتذمّر منها علنًا، حتى أنه بعدما اتفق مع وزير الدفاع على خطوات لتهدئة الشارع لجمه «الشاطر» سريعًا، فخرج فى خطاب مُشوه يوم 26 يونيو ارتكب فيه كل المُوبقات السياسية لنحو 160 دقيقة، وكان سببًا مُباشرًا فى دفع المشهد إلى مزيد من السخونة وخنق احتمالات التهدئة.
 
لم يكن مأمولاً أن يصبر الشارع على «دُمية الشاطر» بينما كانت جماعته سبب وضعه فى الركن الضيق وعقد الحبل حول رقبته. استوثق الناس أن الرئيس الذى أقسم على الولاء للوطن ورعاية مصالح الشعب، ليس رئيسًا حقيقيًّا أو كامل المعنى؛ إنما جزءًا من لعبة غير نظيفة يخوضها الإخوان فى مواجهة الدولة بمفهومها العام. فى المستوى النفسى ربما كان مُوزّعًا بين شعوره النادر بالتحقُّق من ناحية المنصب والسلطة والشهرة، وقناعته الدفينة بالتبعية الخالصة وأنه لا يملك من أمره شيئًا، لم يكن هذا التشتُّت يخص الحيرة أمام المسؤولية السياسية مقابل الالتزام التنظيمى، إذ حتى ذلك يتطلّب شخصًا قادرًا على تحسُّس مواضع قدميه، وراغبًا فى قياس فرص الحركة ومُعوّقاتها؛ لكن ما كان يمنعه اتخاذ مواقف جادة أنه مُؤمن من داخله بولاية الشاطر عليه، ربما أكثر من إيمان الشاطر نفسه؛ لهذا كان ضعيفًا أمامه ويرتعب من ردود فعله حتى بعدما مالت الكفّة لصالحه بالرئاسة، تلك العلاقة المريضة لم يكن مُنتظرًا أن تتفكّك من داخلها، ولا أن يبدأ «مرسى» رحلة العلاج الضرورية ويبرأ من دونيّته الدفينة؛ إلا بمعاونة صادمة من خارج التنظيم، وهو ما وفّرته الثورة.
 
إن المسؤول الأول عمّا آلت إليه حال «مرسى» هو الشاطر؛ ثم الحاضنة التنظيمية التى سمحت لشخص موتور يقوده الغرور والمبالغة فى تقدير الذات بأن يتسلّط على الجميع، اختارت الجماعة واحدًا من أضعف حلقاتها لتُمارس عليه أمراضها التاريخية دفعةً واحدة، فحبسته فى سجن خانق من البداية للنهاية، عندما رأت أن وضعه على رأس الحزب يضمن لها استهلاك خطاب فصل الدعوة عن السياسة دون فصلٍ حقيقى، وعندما دفعت به «دوبليرًا» لنائب المُرشد، وحينما سلبته لذّة الفوز والصلاحيات وحتى إحساسه بالآدمية، ثم تاجرت به بينما كانت أكثر من أهانه وسحق كرامته، تتواتر أحاديث عديدة عن كواليس الحوارات الإخوانية فى السجون بعد 30 يونيو، تختلف فى تفاصيل عديدة لكنها تتفق على أن «الشاطر» استمر يُمارس غطرسته فى «مرسى»، وعندما تحدّث الأخير عن ضرورة تقييم التجربة والاعتراف بالأخطاء نهره سيّده القوى؛ ربما ليس لضيقٍ من الفكرة فى ذاتها، بقدر الصدمة من أن تابعه تجرّأ على صَلب عودِه والحديث كما لو كان ذا شخصيةٍ ورأى.
 
 لم يقتنع «خيرت» - وشلّته التنظيمية ولا قادة الجماعة بأطيافهم - بأن «مرسى» واجهة حقيقية، وسرّبوا إليه قناعتهم بكل الصور وعلى امتداد المحطّات؛ لهذا كان عاجزًا عن الحضور الفاعل، وعن إقناع الأصدقاء قبل الخصوم؛ لأن جماعته لم تقتنع به ولم تره «ملء العين»، وهو نفسه لم يكن مُقتنعًا أيضًا.
 
ما فات محاولة لقراءة كيف سارت الأمور، داخل الجماعة وخارجها؛ لكنه لا يُبرّئ الرئيس المعزول ولا يلتمس له الأعذار، كان «مرسى» شريكًا أصيلاً فى كل ما جرى، فهو إن كان عاجزًا أمام مُشغّليه من صقور التنظيم؛ فقد ارتضى العجز وبصم عليه والتزم شروطه، وكان بإمكانه الرفض أو التمرّد أو الاعتصام بالدستور والمؤسَّسات فى مواجهة الجماعة، لو كانت لديه أية رغبة فى الوفاء بالقسم والعمل لصالح الوطن فعلاً، ربما ساءت حالته فأُغرِق فى «متلازمة ستوكهولم» مُخلصًا لإخوته الجلّادين، وربما كان مُتخمًا من داخله بمشاعر العجز عن تصريف الأمور بعيدًا من عشيرته؛ لكن مهما كانت التفسيرات المُحتملة تظل جميعها هوامش على حالة أساسية، هى أنه كان أداةً تنظيمية، واعتبر نفسه مُنتدبًا لمهمّة التمكين المُشتهاة؛ فوضع الجماعة فوق الوطن، وشارك واعيًا فى مُخطّط ابتلاع الدولة ومؤسَّساتها لصالح أجندة اختطاف المجال العام كخطوة أولى نحو المشروع الأُممى «أستاذية العالم»، سواء كان مُؤمنًا أو محشوَّ الدماغ؛ فقد ظلّ عارفًا تمامًا بأن ما يُنفّذه ليس فى صالح مصر والمصريين، بغض النظر عن التوازنات داخل التنظيم وموقع «الشاطر» من تلك الجملة الخبيثة.
 
الأداة التى ارتأى القطبيّون أنها طريقهم السهل لفتح الدولة على الجماعة؛ كانت «كعب أخيل» الذى أصابهم بالضربة المُميتة، صحيح أن الإدارة الخالصة نبعت طوال الوقت من مكتب الإرشاد بالمقطم، ومن مقر الشاطر فى مدينة نصر؛ إلا أن «مرسى» لم يكن مندوب المبيعات المُقنِع؛ لفقر فى المهارة أو لعدم اقتناع بالبضاعة، انبنت لعبة الإخوان على المراوحة والخداع، بين تبعية الرئاسة الكاملة لهم، ومحاولة الإيهام بالانفصال وحياد الرئيس، هذا الدور لم تكن دُميتهم القطنية الخفيفة مُقنعةً فى تمثيله خلال أية لحظة على رأس السلطة. ربما أدّاه «أبوالفتوح» بشكل أفضل، وعصام سلطان وأبوالعلا ماضى ومحمد محسوب، وطابور طويل من اللاعبين فى صفوفهم من الخارج، مُقتضيات المهمّة كانت تتطلَّب شخصًا قادرًا على الاستقلال بحدود، ويُحسن المناورة انطلاقًا من أنه أصل لا صورة؛ لكن «الغول العابس» لم يكن ليُغامر بتحقيق تلك المواصفات مع المُخاطرة بإفلات الخيوط من يديه، هكذا حفر إخوان الشاطر قبرًا عميقًا لمشروع البنّا بعد المراوغة لثمانية عقود، لا شكّ فى أن المصريين لم يكونوا ليستسلموا للمُخطّط الأسود عاجلاً أو آجلاً؛ لكن المُرشد وحاشيته عجّلوا الأمر مدفوعين بالنَّهم والحماقة، داء الجماعة الكذب وانعدام الوطنية، ونقطة ضعفها الغباء والاستعجال، ومقتلها فى الانتهازية والتعالى والجشع، لقد حفروا قبرهم، وتكفّلت «30 يونيو» بإهالة التراب، وحسنًا فعلوا؛ إذ كان ضروريًّا أن تكتمل دائرة العار الإخوانية، بأن يُهدم التنظيم المُنحطّ، أقلّه فى صورته التقليدية الساقطة، على أيدى ضباعه وحُرّاسه الأغبياء.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة