كما هو متعارف عليه؛ كلما تطور المجتمع، زادت الجريمة، وأيضا، كلما زادت طرق التعرف على المجرمين، باستخدام نفس التكنولوجيا المتطورة التي يستخدمونها في تنفيذ الجرائم. لذلك فقد بدأ مصطلح "البصمة الصوتية" في الظهور مؤخرا، بالرغم من أنها كانت تستخدم منذ قديم الأزل.
البصمة الصوتية هي إحدى أنواع البصمات البيولوجية للإنسان أو القياسات البيومترية "Biometrics"، وهي البصمات التي تقاس من خلال الأعضاء البيولوجية المختلفة في جسم الإنسان.
تعتمد البصمة الصوتية على أن الجهاز الصوتي لكل إنسان فريد من نوعه؛ وذلك من حيث البنية التشريحية لأعضاء النطق والكلام لكل إنسان، بالإضافة إلى اعتبار أن كل صوت قادر على أن يميز نفسه بنفسه بشكل استثنائي من بين جميع الأصوات الأخرى، وذلك يرجع إلى عنصرين هامين: أولا، "الخلقة التشريحية للمتكلم"؛ حيث أن لكل إنسان جهاز صوتي فريد ومميز لا يشابهه فيه أحد، من حيث الناحية التشريحية -التي خلقه الله عليها، التي تتكون من أعضاء النطق والكلام وهي بمثابة أساس عملية الكلام وإخراج الصوت مثل: حجم الرئتان والقفص الصدري وحجم الشعب الهوائية داخل الرئتان، والحنجرة أو الصندوق الصوتي وطول وسمك الثنايا الصوتية وشدة العضلات التي تربطهم بالحنجرة، وأيضا حجم التجويف الأنفي والفمي وشكل الشفاه والأسنان وطول وحجم اللسان. وبناء على شكل وحجم كل هذه الأعضاء المسئولة عن عملية النطق والكلام وكيفية ارتباطها ببعضها البعض تنتج بصمة صوت الفرد، أو خامة الصوت المميزة لكل فرد والتي هي نعمة من الله ولا يمكن تغييرها.
ثانيا، "البيئة التي نشأ بها المتكلم" أو بالأحرى "طريقة الكلام" وهي الطريقة الاعتيادية التي اعتاد عليها الإنسان بشكل غير واعي، وعلى أسسها اعتادت أعضاء النطق والكلام الخاصة به -السابق ذكرها- على الطريقة التي تتداخل بها وتتعاون لإنتاج الصوت، كما تعتاد الأنظمة العصبية التي تتحكم بهذه الأعضاء على طريقة معينة في التعاون والاندماج أثناء عملية النطق والكلام.
ومن ناحية أخرى، طبقا لعلم اللغويات الاجتماعي، ينفرد كل إنسان بطريقة نشأة معينة، يكتسب من خلالها اللغة التي يتحدثها والتي تساهم بشكل غير واعي في تشكيل شخصيته وطريقة كلامه، مما يجعل لكل إنسان طريقة مميزة في الكلام عن غيره.
كما أكدت الدراسات والأبحاث العلمية أن "التوأم المتطابق" ليس لهم نفس بصمة صوت، فبالرغم من أن كلاهما يمكن أن يكون له نفس تركيبة الجهاز الصوتي وأعضاء النطق والكلام من الناحية التشريحية، ويمكن أيضا أن يكون لهم نفس النشأة المجتمعية من حيث التعليم والتربية والثقافة العامة، إلا أن كلا منهما ما زال يتحدث بطريقة مختلفة عن الأخر، وذلك من حيث طريقة الكلام نفسها، التي من خلالها يتم تمييز بصمة صوت كلا منهما عن الأخر، حتى لو تبدو أصواتهم متشابهة للوهلة الأولى عند الاستماع، فيتم تمييز أصواتهم من خلال قياس الخواص الصوتية والفزيائية التي هي محددة علميا، مثل، سرعة الكلام وطبقة الصوت وحجم الصوت وقوة الصوت وطريقة نطق بعض الأحرف والأصوات المتحركة والساكنة.
وتستند البصمة الصوتية على أن كل إنسان يقوم بعملية الكلام بشكل غير واعي لكل هذه الخواص الصوتية والتي تختلف قياساتها من شخص لأخر، ولا يمكن أن تتطابق حتي في التوأم المتطابق.
ومن الناحية التطبيقية العملية، يمكن أن تستخدم البصمة الصوتية كدليل إدانة أو برأه من أجل التعرف على المتكلم في عدة جرائم، ومن أهمها الجرائم التي تحدث في الظلام حيث لا يمكن التقاط صورة لوجه الجاني من خلال الكاميرا أو ربما يكون فيها الجاني ملثم ووجهه غير مرئي، ويمكن للمجني عليه دفاعا عن نفسه أن يسجل للجاني صوتيا دون أن يشعر، وبخاصة مع انتشار أجهزة التسجيل الصوتي وصغر حجمها ورخص سعرها وقدرتها على التسجيل بجودة عالية، ومن أمثلة هذه الجرائم، عمليات السطو المسلح على البنوك والمنازل، وعمليات الاختطاف وطلب الفدية، والتهديدات الإلكترونية بأنواعها وعمليات الابتزاز، والمعاكسات التليفونية والتحرش الجنسي السمعي، جرائم الاغتصاب، جرائم القتل وغسيل الأموال، والفساد السياسي والإداري، والعمليات الإرهابية المنظمة.
ومن الناحية العلمية ، يتمكن الخبير الصوتي من التعرف على المتكلم من خلال صوته أو بصمته الصوتية، من خلال طريقتين علميتين معتمدين عالميا.
أولا، التحليل الاستماعي "Perceptual Analysis"، اعتمادا على أذن المستمع المتخصص أو الخبير "Phonetic Expert" وقدرته الإدراكية، بالإضافة للاعتماد على أذن الشهود الذين ثبت وجودهم أثناء وقوع الجريمة، حيث أثبتت الدراسات العلمية والعملية في بصمة الصوت أن أذن المستمع الساذج "السليم جسديا من أي أمراض سمعية وليس له أي قدرات استماعية خاصة Naïve Listener لها قدرة فائقة في التعرف على الأشخاص من خلال أصواتهم، حتى لو كانوا يستمعون إليها لأول مرة، وذلك بنسبة تصل إلى 86%.
ثانيا، التحليل الصوتي الفزيائي "Acoustical Analysis"، ويتم هذا التحليل من خلال الخبير الصوتي "Phonetic/Voice Expert"، حيث يقوم الخبير الصوتي بتحليل الموجة الصوتية والظواهر الصوتية الفزيائية بمساعدة بعض البرامج المتخصصة، والمعترف بها علميا وتستخدم عالميا في عملية التحليل الطيفي، لتحليل الظواهر الفزيائية للعينة الصوتية التي تم الحصول عليها أثناء حدوث الجريمة، وبذلك فيكون المتخصص (الخبير الصوتي) قادر على استخراج جميع القياسات الصوتية الهامة والمميزة لكل فرد، والتي يمكن تقديمها للقاضي كدليل إدانة أو براءة، في صورة أرقام أو رسم بياني يسهل قراءته ومقارنته بين المشتبه بهم، للاستدلال على المجرم الحقيقي من أجل تحقيق العدالة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة