أيام ويتم إعلان نتيجة الثانوية العامة، وتبدأ دائرة جديدة لعدة آلاف من الشباب، يغادرون الثانوية إلى الجامعات، بينما زملاؤهم الجامعيون يتركون جامعاتهم إلى المجتمع بحثا عن وظيفة، وكل من هؤلاء وأولئك يحمل تساؤلات وطموحات، وأسئلة حول مستقبله.
وحسب وزارة التربية والتعليم فقد تقدم لامتحانات الثانوية العامة هذا العام 783 ألفا و25 طالبا، منهم 276211 طالبا وطالبة بالشعبة الأدبية، و391671 طالبا وطالبة بالشعبة العلمية «علوم» و98658 طالبا وطالبة بالشعبة العلمية «رياضيات»، نحن أمام أعداد معتبرة، كل من هؤلاء، أو أغلبهم، يريدون مكانا فى جامعة عامة من بين جامعات مصر، والباقى سوف يتوزع فى جامعات خاصة أو أهلية تضاعفت أعدادها، خلال السنوات الأخيرة، وكل منهم لديه أمل أن يختار تخصصا يمنحه مكانا فى المستقبل، حيث العمل والاستقرار.
وبينما يستعد هؤلاء للانضمام إلى الجامعات، هناك مئات الآلاف يتخرجون هذا العام فى جامعات عامة وخاصة، بينما يستعد مئات الآلاف من الأطفال للانضمام إلى التعليم فى مدارس ابتدائية عامة وخاصة وناشيونال وإنترناشيونال، دائرة التعليم لا تتوقف، ومعها دوائر التعليم المتتالية والتوظيف أو البحث عن عمل.
عشرات الآلاف يغادرون الثانوية على أمل فى مكان جامعى يؤمن لهم عملا ومستقبلا، بعد رحلة مرهقة مع الثانوية العامة، وعشرات الآلاف ينضمون إلى سوق العمل، من كليات وتخصصات مختلفة، جامعات عامة وخاصة، بعد أن كانوا قبل أربع أو خمس سنوات يختارون مكانا فى الجامعة، وبالتالى فهى دوائر تسلم بعضها، مع أمل فى أن ينهى الشاب تعليمه لينضم إلى مسيرة مستقبله.
وبسبب هذا الارتباط يجد الشاب نفسه أمام خيارات صعبة، لأن هذا الاختيار يحدد مستقبله، وطبعا هناك مكتب التنسيق الذى يوفر نوعا من العدالة بناء على المجموع، لكنه لا يوفر الأماكن بالجامعات بناء على القدرات والاستعدادات، مكتب التنسيق يتيح القبول أمام الجميع على أساس المجموع، وتتحدد كليات القمة ودرجاتها، بينما هناك سوق عمل ما يزال غير قادر على استقبال كل الخريجين، بينما هناك تخصصات مطلوبة قد لا تتوافر من التعليم، وهو ما دفع الجامعات فى السنوات الأخيرة للبحث عن تخصصات مختلطة، يمكنها توفير وظائف وفرص، وهناك خريجون يضطرون لتغيير مسارات حياتهم بتدريب ودراسة أخرى تساعدهم على تحصيل فرصة عمل.
هناك محاولات مختلفة للتوصل إلى نظام تعليمى يوازن بين التعليم والتوظيف، وتلبية حاجات الشباب والمجتمع، خاصة أن نظام التنسيق الذى يوفر عدالة من نوع ما، لا يوفر فرصا أو يتيح خيارات متعددة، تناسب قدرات وطموحات الشباب، فالجامعات تصب - سنويا - عشرات الآلاف من الخريجين لا يجدون عملا.
كليات القمة، التقليدية - كالطب، والصيدلة، والهندسة - لم تعد أبوابا للعمل، ومجرد محطات تتطلب المزيد من المهارات، طالب الطب يحتاج سنوات وأموالا ليواصل تعليمه ودراسته، خريج الهندسة لم يعد هو نفسه خريج السبعينيات الذى يحصل على عمل فور تخرجه، عندما كانت حركة البناء والتوسع والسيارات والتكييفات تطلب المهندسين، والفنيين من خريجى الدبلومات الفنية، وهى تخصصات تراجعت مع إهمال المدارس الفنية وتحويلها إلى أماكن للفاشلين فى الإعدادية تمنح شهادات بلا تعليم أو تدريب، هناك محاولات لإحيائها ومنحها دفعات تناسب طموح التلاميذ، بل وتكون ممرا إلى تعليم جامعى يترقى به الشاب أثناء عمله، وهى صيغ كانت موجودة، وتمثل تشجيعا للشباب على الدخول فى التخصصات الفنية.
فى المقابل ظهرت تخصصات لم تكن رائجة من قبل، مثل التمريض والعلاج الطبيعى، بجانب تخصصات الذكاء الاصطناعى والطاقة والزراعة وغيرها، وكلها تخصصات تتطلب جهدا وتعليما مستمرا.
الشاهد أن خريطة العمل اليوم تغيرت، السوق أصبح ضيقا وأعداد الخريجين أكثر كثيرا من الوظائف المطلوبة، حتى أصحاب التخصصات لا يعملون فى تخصصاتهم، الطبيب يمكن أن يتجه للسياحة، والمهندس إلى التجارة، والمحاسب إلى الكمبيوتر، وأغلب النماذج البارزة فى عالم البيزنس والعمل الحر، لا أحد يعرف تخصصاتهم العلمية.
هذه التغيرات فى العالم كله وليست لدينا فقط، ومطروحة فى جامعات وكليات العالم بدرجات مختلفة، هناك تحولات فى الأسواق والعمل، وربما يكون نظام القبول بحاجة إلى تعديل يتضمن عناصر من الدرجات والقدرات، وخرائط تتيح الاختيار للشباب فى عمل يمكنهم من تحقيق ذواتهم، حيث إن التعليم أكثر من مجرد درجات وتنسيق، بل هو قضية تتطلب نقاشا موسعا، لرسم خرائط الخيارات، والفصل بين ارتباط التعليم بالعمل والتخصص بالتنسيق.
اليوم السابع