فى عصر المنصات والنشر الكثيف، تتداخل الحقائق والأكاذيب، والمعلومات بالشائعات، هناك من يصدق أو يتساءل، أو يروج بلا تفكير، والواقع أن مشكلاتنا واضحة ومعروفة، وهناك الكثير من القضايا الحقيقية يجرى الكلام والنقاش حولها بشكل يومى على الفضائيات، أو مواقع التواصل، وفيما يتعلق بمشكلة انقطاع الكهرباء ظهرت الكثير من البيانات من الجهات المختصة، مثلما كان الأمر فى الأزمة العالمية، بما يعنى أن الحقائق يتم إعلانها، وتتحول أحيانًا إلى موضوعات للنقاش أو حتى للانتقاد والأخذ والرد، أو حتى التنكيت والجدل. وخلال الأيام الماضية أعلنت وزارتا الكهرباء والبترول، الحقيقة فيما يتعلق بالكهرباء والضغط على الشبكة، وقبل يومين عقدت الحكومة اجتماعات وأعلنت عن قرب انتهاء الأزمة، وبناءً عليه فإن الحكومة عليها إعلان الحقيقة وإصدار بيانات واضحة فيما يتعلق بأبعاد الأزمات ومواقيتها وقرب انتهائها.
لكن وسط هذا كله، فإن هناك منصات تدير ماكينات تضع الأكاذيب مع الحقيقة، وتتوسع هذه المنصات فى إطلاق تحليلات ونشر تقارير مجهولة المنشأ، عن أبعاد وتفاصيل غير موجودة، ويظهر عدد ممن يقدمون أنفسهم أنهم خبراء ليقدموا عروضًا تخلو من المعلومات وتزدحم بالمعلومات المغسولة والمغلوطة حول الأزمة مع اختراع لأزمات إضافية، والهدف فى الواقع ليس الصالح العام أو الحديث الطبيعى، وخلال الأيام الأخيرة، اضطرت الحكومة لإصدار بيانات نفى لشائعات سبق نفيها من قبل عشرات المرات، ومنها شائعة مضحكة عن فرض شركات الاتصالات رسومًا على متلقى المكالمة التليفونية بقيمة 10 قروش لكل دقيقة من مستقبل المكالمة، واللافت أن هذه الشائعات يتم نسبها إلى مواقع كبرى، وبالبحث نكتشف أن نفس الشائعة تم إطلاقها فى سبتمبر 2021، وتم نفيها، وبالتالى هناك جهات تبذل جهدًا فى اختراع الشائعة ونسبها إلى موقع كبير وإطلاقها، المضحك أكثر أن هناك من يعيدون نشر هذه الشائعات ويعلقون عليها باعتبارها حقيقة، ومنهم بالطبع لجان مختصة بتسويق هذه الأكاذيب، ومستفيدون منها، ومعهم عمقاء وعقلاء يستهلكون هذا النوع من الشائعات.
كما اضطرت الحكومة لنفى وجود مشكلات أخرى فيما يتعلق بحقول الغاز، وهى قصة تم اختراعها وبثها من خلال منصات الخبراء الاعتياديين لنشر وتحليل الشائعات، من المقيمين فى الخارج والذين يظهرون أو يتم استعمالهم فى المواسم، وشائعات أخرى عن خروج شركات كبرى من مصر، يتضح دائمًا عدم صحتها، ونتذكر فى مارس الماضى انتشر بوست على منصات التواصل، حول مصنع كبير أغلقت أبوابه ورحل من مصر، البوست خلا من أى معلومات، باستثناء أنه يعمل فى إنتاج ماكينات التعبئة والتغليف، ويصدر إنتاجه إلى كل دول العالم ولم يذكر أى تفاصيل ولا مكان ولا اسم المصنع، وتعمد ناشره أن يكون غامضًا، كالعادة تلقت بعض الحسابات البوست الذى صدر عن منصة تزدحم بكم هائل من الأكاذيب والشائعات، مثل باقى منصات الشائعات، وتلقفته سيدة من خارج مصر ونشرته باعتبارها صاحبة المصنع، وكالعادة كانت هناك لجان تعيد نشره وتشييره، ووقع فى الفخ عدد من كبار عمقاء الندب وتساءلوا، ولم يفكر أى منهم فى البحث أو التحليل قبل النشر.
المهم أن الأمر وصل إلى رئاسة الوزراء، وتم البحث عن المصنع المزعوم، وخرج الزميل هانى يونس، مستشار رئيس الوزراء وقتها، وكتب على صفحته: «أى حد عنده معلومة عن المصنع ده إن وجد، يرسل لى، وسيتم التواصل فورًا لحل مشكلته»، وقال يونس إن رئيس الوزراء يتابع أى مطالب للمصانع المتعثرة أو المغلقة، وتم حل 80% منها. اللافت أن كل الجهات بحثت عن أى مصنع بهذا الشكل لم يجدوا، وحتى السيدة التى نشرت البوست عادت لتنفى علاقتها به، وأنها نشرته ولا تعرف تفاصيله، واتضح أنه لا يوجد أى مصنع بهذا الشكل، وأن البوست كله وهمى مثل كثير من البوستات التى تخترع وقائع وتعلن عن أشياء غير موجودة، وأن هذه المنصات تعتمد عادة على أن هناك كتائب مستعدة للنشر، وأن بعضهم يعيدون النشر بلا تفكير، بسذاجة أو سوء نية، أو بحثًا عن لايكات، ورغبة فى الظهور بصورة المتابع الذى يهتم لمصالح الناس.
قصة المصنع الوهمى، أو فرض رسوم أو خروج شركات، شائعات، بينما مشكلاتنا معروفة وهناك بيانات رسمية توضحها، ولا أحد ينكر حق الناس فى الشكوى والتضرر، أو مطالبة الحكومة بإعلان المعلومات أو مواجهة الخارجين على القانون فيما يتعلق بالأسعار أو غيرها، لكن هدف هذه المنصات ليس الحل ولكن التنغيص وخلط الأكاذيب بالشائعات بمشاكل الناس.
وهى منصات تستغل أزمة عالمية وقرارات لصناعة أوهام إضافية ونشر الإحباط والغضب، وليس حل مشكلات الناس ومساندة الصناعة والاستثمار، هذه المنصات لا يهمها الاقتصاد أو مصالح الناس، لكن أن تعمل ماكينات توليد الشائعات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة