انطلاقًا من أن سلامة النظام البيئي مسئولية تقع على عاتق بنى البشر؛ فإن ذلك يجسد مجموعة القيم التي تساعد في الحفاظ عليها، ومنها الانتماء والولاء والمشاركة والتمسك بالسلوك الإيجابي في التعامل مع البيئة والوعي الصحيح تجاه قضاياها، وهذا يمثل الوطنية في صورتها العالمية؛ إذ أن إنجازات الإنسان على الأرض التنموية واستمرارية استدامة الموارد الطبيعية يتوقف على آليات وظيفية تعمل على حماية المقدرات البيئية.
وتعنى المواطنة البيئية مدى وعى الفرد بالسلوك البيئي الصحيح والعمل بصورة إيجابية لحماية مقدراتها الطبيعية وغير الطبيعية والحد من الممارسات غير الصحيحة تجاه مكوناتها والمشاركة الفعالة والمنظمة في حمايتها واتخاذ ما يلزم من قرارات تؤدي إلى صيانتها واستدامتها.
ونظرًا للممارسات الجائرة التي انتهجتها الدول والمؤسسات والأفراد تجاه البيئة ومواردها، بما أدى إلى إضرار مباشر على العالم بأسره، ومن ثم استهدفت المواطنة البيئية العمل على تحسين الوعى وتنميته فيما يخص قضايا البيئة المتعددة؛ لذا توجب تعريف الفرد بمعلومات وظيفية عن بيئته ويستوعب المخاطر التي تتعرض لها بشكل مستمر؛ ليشارك في إيجاد الحلول، ويستغل مواردها برشد وحكمه، ويحمل مسئولية الحفاظ على مكوناتها، ويصل إلى أفكار ابتكارية أو خطط إجرائية تسهم في حمايتها واستدامها لينتفع بها الأجيال الحالية والمستقبلية.
وتؤكد المواطنة البيئية فكرة التعزيز والاعتزاز بمكوناتها وطبيعتها الخلابة؛ لتتكون الاتجاهات في صورتها الإيجابية وفق بنية معرفية عميقة تؤدي إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات وممارسات تتسم بالتخطيط والتنظيم للنهوض بالهيكل البيئي بمنظومته الحيوية والصناعية والاجتماعية، بما يسهم في استدامة الموارد بكل تنوعاتها؛ ليتمكن بنو البشر في خلق حياة كريمة ذات طابع يورث في النفس الرضا والسعادة.
وتشير المواطنة البيئية إلى ماهية الشمول والخروج من الحيز الضيق إلى العالم الفسيح، ويبدو ذلك جليًا في نداءات الاستدامة التي دعت إليها دول العالم المتقدم والنامي على السواء من خلال عقلائها ومسئوليها، للتأكيد على ضرورة العمل الجماعي والتشاركي والشامل لموارد البيئة دون استثناء، مع العمل الجاد في إيجاد البدائل والحلول للمشكلات الراهنة والمستقبلية التي سببتها ممارسات الإنسان أو أحدثتها التغيرات المناخية.
وتتأتى أهمية احترام النظام البيئي من فرضية الوازع الداخلي للفرد والذي تنميه المواطنة البيئية لديه؛ ليحدث الارتباط الإيجابي مع مفردات هذا النظام، وتترجمه العلاقات العملية بين الفرد والمؤسسات المعنية بحماية البيئة ومواردها، والمؤسسات التي تؤثر عليها بصورة مباشرة وغير مباشرة، والجهات الدولية التي تحرص على سلامتها؛ حيث الحرص على الالتزام بالقوانين وتنفيذها، وتعظيم المراقبة التي تؤكد سبل الحماية؛ بالإضافة إلى حملات المشاركة التي تدعم الحفاظ على البيئة وصيانتها.
وتتمثل مؤشرات المواطنة البيئية في المعرفة والوعي والتنور والسلوك البيئي، وتلكما من العناصر الرئيسة التي تقوم عليها، والمستهدف تنميتها لدى الفرد؛ ليمتلك القيم البيئية التي توجه سلوكه بصورة إيجابية نحو عمل كل ما يمكن القيام به لصالح استدامتها، كما يقدر المخاطر التي تواجهها جراء ما يحدث على المستويين الداخلي والخارجي.
وتستهدف المعرفة البيئية تعميق المعرفة لدى الفرد والجماعات لتعضيد السلوك الصحيح تجاه البيئة ومكوناتها، ويصعب أن يحدث ذلك بعيدًا عن وعى سليم يقوم على معرفة صحيحة متجذرة في مكونها تستند إلى دراسات بحثية رصينة؛ ليصبح الفرد صديقًا للبيئة متحملًا مسئولية المشاركة في حمايتها، مهتمًا بقضاياها المتنوعة والمتجددة.
ويقوم التنوير البيئي على امتلاك المواطن الإطار الخبراتي المرتبط بالبيئة، متمثلًا في المعرفة والمهارة والاتجاه الإيجابي نحوها، مما يساعده في أن يكون إيجابيًا مساهمًا في استدامتها بصور متعددة وفق ما يمتلكه من إمكانيات، متحفزًا نحو تحمل ومواجهة المشكلات والقضايا البيئية.
ويهتم الوعي البيئي بعمق الاستيعاب المفاهيمي للمعاني؛ حيث تمد الفرد بالقيمة المضافة لعمليات الحفاظ على موارد البيئة؛ إذ أن الربط الوظيفي بين المعرفة والممارسة يؤدي حتمًا لتكوين اتجاهات إيجابية نحو أهمية ديمومة الموارد البيئية، والعمل على الحد من المشكلات التي تهدرها وتتسبب في التغيرات المناخية الضارة بمكوناتها، ومن ثم يوصف الفرد بأنه يمتلك دينامية تؤدى إلى إحداث ممارسات مرغوب فيها مع البيئة ومكوناتها؛ ليحقق المواطنة البيئية.
وحري بالذكر أن وصول الفرد لمستوى الممارسة الصحيحة تجاه البيئة ومواردها؛ بالإضافة إلى شراكته الفاعلة والمتنوعة في تناول قضاياها يؤكد تحقق مؤشرات المواطنة البيئية، ويعرف ذلك بالسلوك البيئي، والذي يؤسس على التكامل بين المعرفة والمهارة؛ ليتكون الوجدان النقي الذي يعين الفرد ليفهم ذاته ومحيطه المجتمعي ومن ثم بيئته، ويساهم وفق علاقات متبادلة في تحسينها وتطويرها والحفاظ على مواردها.
وبما لا يدع مجالًا للشك فإن المواطنة البيئية تساعد الفرد لأن يؤدي دورًا فاعلًا تجاه بيئته على المستوى الخاص وتجاه البيئة العالمية على المستوى العام؛ فعندما يبادر ليشارك في حل ما يواجه بلاده من مشكلات ترتبط بالبيئة يصبح لديه مواطنة تنبع من انتمائه وولائه لموطنه، وعندما يبدي اهتمامًا بالشأن العالمي يتأكد لدينا توافر مؤشرات المواطنة البيئية لديه بصورة إجرائية.
وتقوم المؤسسة التربوية بمختلف سلمها التعليمي بدورها الرئيس في تنشئة الفرد على المشاركة في إعمار بيئته التي ينتمي إليها، وتؤصل لديه الممارسات الصحيحة في التعامل معها بغية الحفاظ عليها لتبقى نظيفة، ومن ثم تصبح لديه قناعة تامة بأنه مؤثر وله دور فاعل في تقديم الدعم اللازم لحمايتها؛ لذا يتابع عن كثب قضاياها على الساحتين المحلية والعالمية، ومنها التغير المناخي، وفقدان التنوع البيولوجي، والتلوث وغيرها من القضايا المعاصرة، ومن ثم يسارع في البحث عن حلول تتناسب وطبيعية تلك المشكلات؛ وعندئذ يسمى بالمواطن البيئي.
ومن مظاهر اهتمام المؤسسة التربوية بالمواطنة البيئية تضمينها بمناهجها أبعاد المواطنة البيئية بغية التأكيد على مسؤولية الفرد في استدامة موارد البيئة ووعيه بالسلوك القويم، كما تستهدف توعية الفرد بحقه في بيئة نظيفة تحقق ماهية العدالة البيئية واستدامتها، ومن ثم تبرز أهمية المشاركة في صورتها الفردية والجماعية للمساهمة في التغلب على ما يطرأ من مشكلات تخص البيئة.
ويبدو اهتمام المؤسسة التربوية واضحًا في أنشطتها التعليمية وغير التعليمية؛ حيث تخطط لأنشطة ينفذها المتعلمون وفق تعليمات يحددها المعلم ليحققوا الهدف منها، والمتمثل في البحث عن حلول بشكل مبتكر والوصول لمرحلة الفهم العميق ومن ثم تعضيد الوعي الصحيح المرتبط بالممارسة في صورتها العامة؛ لتؤثر على الآخرين.
وفي المقابل تبذل الدولة المصرية جهودًا ملموسة وحثيثة لتنمية الوعي بقضايا البيئة لدى العامة؛ حيث تهتم بتدشين البرامج وإطلاق المبادرات وعقد المؤتمرات ذات الطابع الدولي؛ بالإضافة إلى التوعية الإعلامية للجمهور، ومن ثم مشاركة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في التصدي لقضايا البيئة المتباينة وفي مقدمتها قضية التغير المناخي.
ومن الشواهد المضيئة للجمهورية الجديدة وقيادتها الرشيدة تمثيلها للقارة الأفريقية في استضافتها لمؤتمر المناخ السابع والعشرين (cop27) بمدينة شرم الشيخ خلال شهر نوفمبر2022م لمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية، والعمل على إيجاد نظام بيئي متكامل ومستدام يعزز المرونة والقدرة على مواجهة المخاطر، وقد تمخض عنه إجراءات غير مسبوقة.
وقد أطلقت الجمهورية الجديدة في 19 مايو 2022 "الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر 2050" كأحد أركان ضمان جودة واستمرار مشاريع التنمية، والنجاة من كوارث المناخ، ولمواجهة أزمة تغير المناخ التي تشكل تهديدًا في مناحي الحياة المختلفة، ومن ثم تعد الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر 2050 بمثابة خارطة طريق؛ حيث تم ربط أهدافها بالأهداف الواردة في رؤية مصر 2030 وسعت إلى تحقيق الهدف الثالث من رؤيتها وهو "مواجهة تحديات تغير المناخ".
وفي هذا الخضم بادرت الدولة المصرية بالعمل على تخطيط وإدارة البيئة لمواجهةالتغيرات المناخية التي تتعرض لها على مستويات مختلفة، بما يدعم تحقيق الأهداف الإنمائية؛ لذا عززت من البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة في هذا الشأن، كما سهلت نشر المعلومات المتعلقة بالبيئية بغية تنمية الوعي بشأن البيئية وتغير المناخ بين مختلف الفئات.
وختامًا فقد أكدت القيادة السياسية الرشيدة على أنه يصعب الاستثمار والتنمية دون بيئة صحية تحقق الاستدامة في صورتها المتكاملة بكافة المجالات التنموية بالدولة المصرية، حفظ الله جمهوريتنا الجديدة وقيادتنا السياسية الرشيدة وحقق امال وطموحات وتطلعات شعبها العظيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة