أقيمت ندوة بعنوان "الكتابة الذاتية"، ضمن فعاليات مهرجان دواير الثقافي، شارك فيها كل من الروائية ميرال الطحاوي، والكاتبة والشاعرة إيمان مرسال، وأدارها الكاتب والمترجم محمد عبد النبي، بحضور جماهيري كبير، ضمنهم عدد كبير من الكُتاب والمبدعين.
استهل الكاتب محمد عبد النبي الندوة بطرح تساؤلات تتعلق بالكتابة الذاتية، لافتًا إلى أنه كان يبحث عن مفهومها منذ فترة وفي ذهنه الجدل الذي أثير بعد فوز الكاتبة الفرنسي آني أرنو بجائزة نوبل، كما أشار إلى رواية «أقفاص فارغة» للكاتبة فاطمة قنديل، وما تبعه من احتفاء به.
اعتبرت الشاعرة والكاتبة إيمان مرسال تصنيف الكتابة الذاتية إلى كتابة غير تخيلية إشكالية. فالتصنيفات ما بين تخييلي وغير تخييلي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية وكتب عنها الكثير من الكتاب. في حين أن أحد مميزات الأدب العربي القديم أن مفهومه كان أوسع لدى العرب كثيرا من مفهومه في البلاد الغربية، إذ كان مفهوم الأدب يضم الذاتي وإنتاج المعرفة في آن.
وأشارت مرسال إلى أنه حتى نهايات القرن التاسع عشر في مصر ولبنان وفلسطين كان يحتفي بفكرة إنتاج المعرفة، مستشهدة بكتاب بعنوان «روضة النجاح الكبرى في العمليات الجراحية الصغرى» الذي كتبه محمد بن علي بن محمد البقلي وخو جراح سافر إلى أوروبا أثناء النهضة التعليمية والبعثات التي أرسلها محمد علي في القرن التاسع عشر، فروى في البداية حكايات عن نفسه ورحلاته ثم تدوين علمه، فهو حاول إيجاد لغة يشاركنا فيها معرفته. وأضافت: "كان لدينا في الأدب العربي شىء جميل لكن لم نستطع مشاركته مع العالم".
ولفتت إلى أن الكتابة الذاتية ليست الكتابة عن الذات وحسب، فهي أكبر من ذلك، إذ يمكن العثور عليها في كتابات متنوعة لا تتناول النفس.
فيما قالت الروائية ميرال الطحاوي أنها أدركت مبكرًا من أن الكتابة بها نوع من التعرية بشكل ما، فحكت عن نشأتها وبدايات اختلاطها بالكاتبات والوسط الثقافي خاصة في التسعينيات حيث انتشار الكتابة الذاتية، وظهور عدد من الكاتبات اللاتي كتبن عن أنفسهن وكان هناك احتفاء بهذه الكتابة. وعلى صعيد آخر اختلاف مستوى التلقي لهذه الكتابات ما بين النقاد، وبين الاحتفاء الذي حظين به وقتها، وتلقي النص بعد عقد من الزمن، إذ بدأ التعامل بنوع من الاستهانة بالكتابة الذاتية في مقابل أنواع أخرى من الكتابة.
وقالت الطحاوي: «التعبير عن الذات فاضح، كما لا يمكن إنكاره فيما بعد، فالناس تستشعر صدق التجربة من عدمها. وكنت أعتقد أن التمويه في الكتابة عبقرية، لكن اتضح أنه كلما حاولت الابتعاد عن الذات في الكتابة تنجذب أكثر كما المغناطيس».
وتطرق الحديث إلى التلقي الذكوري للكتابات الذاتية للنساء، إذ لفتت الطحاوي إلى أن التلقي يختلف حين تكتب المرأة عن نفسها وعن جسدها، وهو ليس بالأمر الجديد إذ أنه حتى في التراث، هذا موجود في حكايات ألف ليلة وليلة على سبيل المثال، لافتة إلى حكاية شهرزاد التي لم تروقها إذ شعرت فيها بذكورية، مع غيرها من الحكايات. وأضافت: «الإفصاح الذكوري مفروض ومحبب بعكس النساء، أعترف أنه كان لدي كوابح ومخاوف عند الكتابة في البداية تخلصت منها تدريجيًا بعد سفري بحكم الابتعاد وتغير الثقافات».
وفي السياق ذاته أكدت إيمان مرسال أن معظم الجدل الذي أثير حول كتابات ذاتية كان لكاتبات، لافتة إلى أن المشكلة كانت نابعة من المشهد الثقافي نفسه وليس خارجه، وقالت: "أكثر من ينتقد كتابة امراة عربية هو كاتب زميل، فالمشكلة أو الصراع أيدولوجي وثقافي".
وعن العلاقات الإنسانية والجسدية في الكتابة الذاتية، اجتمع المشاركون على أنه هناك مبالغة في استخدام مصطلحات العري، والتعري، والانكشاف عند تناول الكتبات الذاتية. وأشارت ميرال الطحاوي أنه كانت هناك موجة من استخدام كلمة «الجسد» في بعض الكتابات لزيادة مبيعاتها، فوصلت لأكثر من 180 رواية في فترات متقاربة.
يذكر أن أولى دورات مهرجان دواير الثقافي انطلقت بمشاركة أكثر من 25 دار نشر عربية ومصرية، ويشهد أكثر من 25 فعالية ثقافية، منها 4 ورش عن الكتابة الإبداعية والسينمائية، وأكثر من 18 ندوة تتنوع بين مناقشات الكتب واللقاءات المفتوحة والندوات المتخصصة، بمشاركة عدد كبير من المثقفين المصريين والعرب، كما يتضمن معرضًا لأحدث الكتب التي صدرت عن دور نشر مصرية وعربية، بالإضافة إلى معرض خاص للكتاب المستعمل يضم ما يزيد عن 3000 كتاب في مختلف المجالات.
ويمثل المهرجان الذي تستمر فعالياته يوميًا حتى يوم 15 يوليو الجاري فرصة فريدة للحوار حول قضايا الفكر والإبداع، كما يعد أول مهرجان من نوعه يعزز القيمة الإبداعية لوسط القاهرة الخديوية بما تمثله من عراقة وحضور في ذاكرة الجميع.
يقام المهرجان بالتعاون بين مكتبتي «ديوان» و«تنمية»، ويهدف إلى تحفيز التواصل المباشر والتفاعل بين مختلف الدوائر الثقافية، وشحذ الاهتمام بالقراءة والثقافة في العموم. وتنصب رؤية المنظمين على توسيع نطاق المعرفة وإبراز قيمة الثقافة في تكوين الوعي، وكذلك تحفيز الإبداع على مختلف المستويات.
كما يشارك فيه عدد من أبرز الرعاة في مختلف المجالات، منها: شركة "مدينة مصر" وهي رائدة في مجال التطوير العقاري في مصر، وشركة الإسماعيلية للاستثمار العقاري، الوحيدة المتخصصة في ترميم المباني التراثية في وسط البلد، وتهدف إلى الحفاظ على البنية الأصلية وخلق مفاهيم جديدة تلبي الاحتياجات الحديثة. وفندق فيرمونت نايل سيتي، و"ستار كير إيجيبت"، وهي مؤسسة غير ربحية تختص في توفير المساعدة الغذائية والرعاية الطبية والتعليم للأطفال الأيتام والمحتاجين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة