يتميز الشباب بالمقدرة على العطاء والبذل؛ نظرًا لما يمتلكونه من طاقة متجددة وجرأة في الممارسة ودأب نحو تحقيق الهدف؛ لذا أضحت الريادة التي تقوم على التفكير الابتكاري والتنظيمي الذي يسعى للربط الوظيفي بين التطبيق والتنظير وسيلة مهمة في تفعيل آليات العمل الحزبي السياسي في البلاد المتقدمة، التي سمحت بإطلاق طموح الشباب ليتحمل مسئولية الحفاظ على الوطن، وصون مقدراته، والعمل المتواصل والجاد لنهضته، ورفع رايته بين مصاف الدول في ضوء التحديات التي تواجه العالم بأسره.
وباعتبار أن الحزب السياسي أداة رئيسة للتنمية في مجالاتها المختلفة - أضحى الاهتمام بالتنمية السياسية لفئة الشباب التي تمثل قوة الدولة أمرًا لا مناص منه؛ فبواسطتهم ترسخ قيم المجتمع، وتعضد الديمقراطية والحرية المسئولة، وتنمو تنظيمات المجتمع الذي يساعد في النهضة والبناء في ضوء وعيه الصحيح بماهية الدولة وأهميتها.
ويؤدي الشباب دورًا استراتيجيًا في الحياة السياسية من خلال العمل الحزبي؛ حيث يعملون على توعية الرأي العام بالقضايا التي تحتاج للمساندة والاصطفاف وراء القيادة السياسية، كما يمتلكون المقدرة على المتابعة والتقييم لما تقوم به الحكومة من جهود إعمار، ويقدمون ما يلزم من تعزيز، أو دعم، أو مشورة، أو فكر مبتكر، أو مشاركة فاعلة في ضوء ما يتاح لهم؛ لأنهم يحملون على عاتقهم مسئولية خدمة مجتمعاتهم والتصدي لمشكلاتها وما تواجه من تحديات متغيرة ومستجدة.
ويستطيع الشباب من خلال مشاركتهم في الأحزاب السياسية أن يترجموا ما يتطلع إليه الجماهير أو ما يرغبون في تحقيقه، سواءً ارتبط ذلك بالحياة العامة أم بالحياة السياسية، من انتخابات حرة نزيهة، وتعبير عن الرأي بهدف التغيير والإصلاح والتنمية المستدامة لمقدرات الوطن، ونقد بناء يؤدي إلى التحسين والتطوير، ومن ثم يستطيع الشباب من خلال العمل الحزبي المساهمة في تكوين الآراء العامة الوطنية.
ودومًا ما يحرص الشباب المنتمي لحزب سياسي إلى اتباع المنهج التنظيمي والفكر الاستراتيجي في فتح قنوات الاتصال الجماهيري؛ بغية المشاركة الفاعلة في كافة الأنشطة السياسية والمجتمعية؛ بالإضافة إلى إتاحة الفرصة لتلاقي مسئولي الدولة مع عموم الشعب بغرض التعرف على الاحتياجات والمتطلبات والطموحات المتباينة، أو لاطلاعهم على ما يدور من أحداث أو إنجازات تخص الدولة أو القضايا التي يتم التعامل معها على المستويين الداخلي والخارجي، بما يُسهم في التوعية الصحيحة لديهم، ولجموع الشعب.
وتتوالى تطلعات الشباب الحزبي في تحقيق الأهداف التي رسمها الحزب السياسي المنسدلة من برنامجه، والتي تسعى إلى الوصول للاستحقاق الانتخابي، والتمثيل البرلماني والحكومي، انطلاقًا من قاعدة شعبية كبيرة ومؤثرة تساعد في رسم السياسة العامة بالدولة، ويتطلب ذلك مهارات تواصل فعالة وآليات مبتكرة تُسهم في إقناع الجموع الجماهيرية بأهداف الحزب السياسي ومنتسبيه الذين يعملون بدأب على تلبية مطالبهم المشروعة؛ بالإضافة إلى أن التنمية السياسية للشعب تقود حتمًا إلى حكم ديمقراطي رشيد يعمل على نهضة وريادة الدولة.
وقد وجهت القيادة السياسية الحكيمة إلى ضرورة المشاركة الشبابية في بناء الدولة ومؤسساتها المختلفة؛ حيث تعددت الأحزاب السياسية، وأتاحت حرية التعبير عن الرأي، بما لا يضير بمصلحة الدولة العليا، وبما يؤدي للإيجابية في البناء والتطوير، ومن ثم نشطت الحالة الشبابية في الأحزاب السياسية المصرية؛ لتشهد حالة من التفرد والتميز والريادة الشبابية في مكوناتها وفعالياتها. ووصول الفئة الشبابية في مراكز اتخاذ القرار بالدولة المصرية خير شاهد على المُناخ السياسي الإيجابي المشجع على المشاركة دون توجس أو خوف أو تردد كما كان من قبل.
إن ما حدث من تغيرات جراء ثورتا الإصلاح والتصحيح رسخ الشعور بالطمأنينة لدى الشباب وحفزهم للمشاركة في الأحزاب السياسية المتعددة ومتنوعة الفكر والرؤى؛ لتصبح منبرًا حرًا يفرغ من خلاله الشباب بطاقاتهم، ويعبرون عن تطلعاتهم ويرسمون مستقبلهم من خلال عمل تنظيمي ديمقراطي يتسم بالعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص؛ فقد تبدلت الممارسات وصححت؛ فبدلًا من التهميش، تحققت المشاركة الممثلة بقوة لتلك الفئة صاحبة التميز والريادة، وبدلًا من الاستحواذ والاقتصار على فئة معينة وزعت الأدوار في ضوء المهارات النوعية للشباب الواعد، وبدلًا من محدودية صناعة واتخاذ القرار حدثت الشراكة وفق المسئولية المنوطة بهم.
إن ما تقوم به الأحزاب السياسية الفاعلة في الجمهورية الجديدة من مشاركة قوية للعنصر الشبابي، يساعد في تحقيق استراتيجيتها في مرحلتها الآنية والمستقبلية؛ فبسواعدهم تنظم الدورات التدريبية التي تعبر أهدافها عن فكر واقعي مبتكر، وتسعى لتوعية أفراد المجتمع بما يحقق التنمية المستدامة، والمحافظة على مقدرات الوطن، والعمل الجاد على تحسينها وتطويرها.
وتُعد المبادئ والقيم الحزبية موجهًا أساسيًا لعمل الشباب في الحزب السياسي؛ إذ تؤكد على أنه لا تمييز بين الأفراد إلا في ضوء معايير العمل والكفاءة؛ فالفرص متاحة للجميع، والآليات متوفرة لمن يرغب في توظيفها، ومن ثم فإن التدرج في المكانة الحزبية يقوم على الكفاءة وليس على المجاملة؛ فيتأصل لدى الشباب العطاء المستمر والعمل المتواصل دون كلل أو ملل، واتباع الأسلوب العلمي في تناول القضايا والمشكلات المجتمعية المتنوعة، كما تحدث التوأمة المجتمعية، ونقصد بها إحساس الفرد بما يشعر به المجتمع وما يتطلع إليه بصورة إجرائية.
وبات المستقبل الحزبي مرهونا بالمشاركة الشبابية التي تعمل على النضج السياسي لمنتسبي الحزب، ويعد ذلك تغيرًا مستقبليًا يساعد على التجديد والحداثة؛ فقد اعتمد العمل البرلماني، منذ بداياته، في العالم أجمع، على العنصر الشبابي، ومن ثم فإن الاعتقاد بمشاركة الشباب في العمل الحزبي له ثمرات يصعب حصرها؛ إذ تؤدي للتمكين الديمقراطي الذي يؤسس لحضور الفئة الشبابية ويكسبها الخبرة المربية في كل ما يتعلق بالعمل السياسي والدبلوماسي؛ فيعتبر مدخلًا رئيسًا من مداخل المؤسسات التشريعية على سبيل المثال.
ويقدم الشباب عبر أحزابهم التي ينتمون إليها رؤية فاعلة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية؛ حيث المقدرة على إعداد وتصميم وتنفيذ الأنشطة التي تخدم الجانب الاجتماعي في الواقع الميداني؛ بالإضافة إلى الخبرات النوعية التي يمتلكونها في تحسين وتطوير الجانب الاقتصادي بصورة فاعلة، مع المتابعة المستمرة التي ينتج عنها تقديم التعزيز اللازم لتلك المجالات التي تشكل المسار الإجرائي المستهدف من الأحزاب والتي لا تقتصر على السياسة فقط.
ويمارس الشباب في الحزب السياسي مهارات النقد البناء وفق معايير الاتزان والتعقل في الطرح مع تحمل المسئولية بتقديم البدائل والرؤى التطويرية من جهة أخرى؛ فلم تشرع المعارضة لأجل المعارضة؛ لكن مبررها تحديد أو حصر للسلبيات، ومن ثم العمل على إيجاد حلول أو مقترحات تسهم في تلافي السلبيات وتعزيز الإيجابيات، ما يعطي مصداقية وقبول لدى الطرف الآخر؛ لذا لا يهتم الحزب السياسي من خلال منتسبيه بتصيد الخطأ وتضخيمه، بل بتقديم الحلول والبدائل التي تؤدي إلى الاستقرار لكل من مؤسسات الدولة والمجتمع؛ لتستمر مسيرة النهضة والتنمية.
وبالنظر إلى المشهد السياسي الراهن يلاحظ أن هناك تغيرًا محمودًا في الممارسات الحزبية عن ذي قبل؛ فقد تصدر المشهد كثير من الشباب الواعي المثقف الذي يمتلك المهارة والخبرة النوعية في التخصصات والمجالات العلمية المختلفة؛ لذا انعكس ذلك على الحياة السياسية في مصر بصورة واضحة؛ فهناك تنافس شريف في مجال الخدمة العامة بالدولة من قبل الأحزاب المتعددة، وهناك محاولات حثيثة وحقيقة لكسب الثقة والرضا الجماهيري، وهناك تواصل واتصال فعال من قبل تلك الأحزاب بهدف المشاركة في حل المشكلات المجتمعية وما يواجه الدولة من تحديات داخلية وخارجية.
ويمكننا القول بأن العمل الحزبي للشباب أضحى ضرورة للمساهمة الفاعلة والحقيقية نحو بناء الدولة في ضوء فكر تنموي وطني يراعي السياسة الداخلية والخارجية. والحق أن المساحة المتروكة لانضمام العنصر الشبابي صارت مفتوحة، والمنتظر المزيد من الإقبال والمشاركة لتكتمل مسيرة النهضة بسواعد شبابها الذكور والإناث على السواء.
حفظ الله وطننا الغالي، ووفق قيادته السياسية الرشيدة لمزيد من النهضة والتقدم والرقي.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر