يسعى الاتحاد الأوروبى إلى ضمان أمن الطاقة وإصلاح منظومتها بعد الأزمة غير المسبوقة التى واجهتها بلدانها قبل أكثر من عام خاصة مع حلول فصل الشتاء القارس فى البلاد الأوروبية، ولذلك فإن الدول الأوروبية تعمل على تعزيز إصلاح سوق الكهرباء، وفقا لما أعلنته الرئاسة الإسبانية الحالية لمجلس الاتحاد الأوروبى والتى تستمر حتى نهاية العام الجارى.
فقد عانت أوروبا من ارتفاع جديد فى أسعار الغاز الطبيعى حيث تجاوز سعره للمرة الأولى منذ يونيو الـ40 يورو، بسبب احتمال إضراب العمال فى حقلين للغاز الطبيعى الأسترالى، مما يسلط الضوء على مخاوف السوق بشأن اضطرابات الإمدادات المحتملة.
وأشارت صحيفة "ثينكو دياز" الإسبانية إلى أن العقود الآجلة المعيارية ارتفعت بما يصل إلى 40٪، وهو أكبر ارتفاع فى الأسعار منذ مارس 2022، ولذلك يشعر المتداولون بالقلق من إضراب طويل الأمد، حيث يقول محللو سيتى جروب Citigroup أن هذا قد يضاعف أسعار عقود الغاز الطبيعى المسال الأوروبية والآسيوية بحلول يناير 2024.
وذكرت الصحيفة أنه تعالت الأصوات بإصدار قرار حظر توصيل الغاز للمنازل الجديدة فى ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية اقتداء بما حدث فى ولاية فيكتوريا قبل أيام، وأعلنت وزيرة العمل المناخى بفيكتوريا حظر توصيل الغاز إلى المنازل الجديدة بدءا من عام 2024، فى إطار خطة خفض الانبعاثات، والهبوط بتكلفة فواتير الطاقة.
وقال نيك كامبل، مدير فى شركة إنسبايرد الاستشارية، أن المشترين الآسيويين "من المرجح أن يزيدوا وارداتهم من الغاز الطبيعى المسال" ليحلوا محل الأحجام الأسترالية فى حالة حدوث اضطرابات، مما سيؤثر بشكل مباشر على أوروبا"، مضيفا: "لقد أصبح الغاز الطبيعى المسال مصدرًا أساسيًا فى مزيج الغاز الأوروبى، لذا فإن أى علامة على أن هذا التدفق فى خطر يؤدى إلى دعم الأسعار".
وتؤكد التقارير الأوروبية أن عملية إصلاح منظومة الكهرباء الأوروبية ستضمن أسعارا مستقرة وتنافسية للمستهلكين بخلاف الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وفقا لصحيفة لاراثون الإسبانية.
وتشمل أولويات الرئاسة الإسبانية للمجلس الأوروبى - التى بدأت فى أول يوليو الماضى وتستمر لمدة ستة أشهر - معالجة تطوير الربط الكهربائى وتعزيز الموافقة على القائمة السادسة للمشاريع ذات الاهتمام المشترك فى شئون الطاقة، وكذلك اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعداد الاتحاد الأوروبى لفصل الشتاء القادم 2023-2024.
وذكرت مصادر دبلوماسية إسبانية أنه ولمواجهة تحديات الطاقة، فقد توافقت البلدان الأوروبية على ضرورة الاستقلال الاستراتيجى الذى يهدف إلى تحسين الاكتفاء الذاتى فى أوروبا واستقلالها فى المجالات الرئيسية، كما سيدفع الاتحاد الأوروبى بجهوده من أجل إقرار قانون للمواد الخام الأوروبية وقانون صناعة الانبعاثات الصفرية، بهدف بعيد المدى يرتكز على إنشاء إطار تنظيمى يضمن إمدادا محليا ومستداما وفعالا لهذه المواد الخام ويساهم فى السيادة الصناعية الأوروبية.
وأوضحت المصادر أن الرئاسة الإسبانية ستعمل كذلك على تعزيز بنك الهيدروجين الأوروبى، لقيادة مستقبل الهيدروجين الأخضر.
تأتى هذه التحركات فيما يعمل الاتحاد الأوروبى حاليا على قدم وساق من أجل دمج مصادر الطاقة المتجددة فى قطاع الكهرباء إذ تواصل الرئاسة الإسبانية دفع المقترحات التشريعية بشأن الطاقة الواردة فى حزمة Fit for 55 المتعلقة بتعزيز الطاقة من المصادر المتجددة، وكفاءة الطاقة، وإنشاء إطار تشريعى متماسك لتمكين تطوير سوق تنافسى للهيدروجين، والغازات المتجددة.
وبحسب مصادر أوروبية مطلعة، فتواجه الدول الأعضاء فى هذا السياق التحدى المتمثل فى تحديث خططها الوطنية المتكاملة للطاقة والمناخ لتحقيق نموذج طاقة جديد وأكثر كفاءة ومتجددة ومرونة، يشمل جميع القطاعات الاقتصادية فى طريقة توليد ونقل واستهلاك الطاقة.
الحياد المناخى..ابرز الأهداف
وبهدف تحقيق الحياد المناخى بحلول عام 2050، أطلقت المفوضية فى عام 2019 الصفقة الأوروبية الخضراء، وهى استراتيجية أدت فى عام 2021 إلى قانون المناخ الأوروبى والتسليم الأول لحزمة تدابير "Fit for 55" (الهدف 55) من أجل تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى بنسبة 55% على الأقل بحلول عام 2030.
وجاءت الأزمة الأوكرانية التى بدأت فى فبراير 2022 بمثابة الصدمة التى استفاقت عليها أوروبا فقررت على إثرها إنهاء الاعتماد الكبير على الوقود الأحفورى وتسريع الانتقال للطاقة النظيفة وتوحيد القوى لإصلاح نظام الطاقة.
وأطلق الاتحاد الأوروبى خطة نجحت من خلالها فى تخفيض استهلاك الطاقة ووضعت حدا أقصى لأسعار الغاز وأسعار النفط العالمية وضاعفت استخدام الطاقات المتجددة، ووقعت اتفاقيات مع دول أخرى لواردات الغاز عبر خطوط الأنابيب.
ووفقا للتقارير الأوروبية الرسمية.. أطلقت المفوضية، التى أنشأت سوقا جديدا فى عام واحد فى مايو الماضى، أول دعوة للشركات لشراء الغاز معا، بإجمالى طلب يبلغ 11.6 مليار متر مكعب، منها 2.8 مليار متر مكعب ستكون طبيعية مسالة.. ويتم تسليم الغاز (LNG) عن طريق السفن، فيما يتم ضخ 9.6 مليار متر مكعب عن طريق خطوط الأنابيب.
كما اعتمدت أوروبا على النظام المفتوح للشركات من الاتحاد الأوروبى وأيضا من دول من بينها أوكرانيا وصربيا ومولدوفا، حيث يتم توجيهه عبر منصة الطاقة الجديدة للاتحاد الأوروبى، التى اشتركت فيها 107 شركات وطلبت 77 شركة الغاز فى المناقصة الأولى، وهو ما يعد بحسب المراقبين معلما رئيسيا بالنسبة للاتحاد الأوروبى، حيث يسمح له بالاستعداد لفصل الشتاء القادم من خلال إعادة تخزين احتياطياته من الغاز بطريقة منسقة، واستخدام قوته الجماعية للتفاوض على أسعار أفضل مع الموردين الدوليين.
ويأمل خبراء الطاقة الأوروبيون فى نجاعة الإجراءات التى اتخذها الاتحاد الأوروبى فى مواجهة تحديات أمن الطاقة.. حيث اتخذت البلدان الأوروبية تدابير طارئة لتقليل الاستهلاك وللتخفيف من ارتفاع تكاليف الطاقة للمواطنين والشركات ومنها تقليل استهلاك الكهرباء بنسبة 5% على الأقل خلال ساعات الذروة، الحد من عائدات منتجى الكهرباء، ضمان مساهمة تضامنية من شركات الوقود الأحفورى.