مها عبد القادر

تكافؤ الفرص وديمقراطية التعليم في الجمهورية الجديدة

الأربعاء، 02 أغسطس 2023 02:43 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يكفل الدستور المصري حق التعليم للجميع دون تمييز، ومن ثم تحرص الدولة المصرية على نشر التعليم في مختلف بقاع الجمهورية وبين كافة الطبقات المجتمعية، من منطلق رئيس يتمثل في تفعيل الديمقراطية وتحقيقًا لمبدأ تكافؤ الفرص التعليمية. ويعد التعليم قضية أمن قومي للدولة، باعتباره ضمانة لإكساب المواطن الوعي الصحيح تجاه القضايا المجتمعية المحلية والدولية، وترسيخًا لعشق تراب الوطن، وحماية وصيانة مقدراته، وتحملًا للمسئولية في نهضته ورفعته وازدهاره بين مصاف الدول.
 
وتكمن ماهية تكافؤ الفرص وديمقراطية التعليم في توفير مُناخ تعليمي مناسب للفرد، ما يجعله مستعدًا لاكتساب الخبرات التعليمية، محققًا أقصى استفادة منها، بما يمكنه من تنمية مهاراته وقدراته وفق ميوله واهتماماته بغض النظر عن جنسه، أو مستواه الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو العقدي.
 
وتحرص الدولة المصرية من خلال مؤسساتها التعليمية على أن يستكمل الفرد تعليمه، وله حق الاستمرارية في سلمه ليصل إلى مبتغاه ويحقق جودة الحياة العلمية والعملية والوظيفية والحياتية؛ لذا تحملت الدولة أعباء ثقيلة تجاه توفير نمط من التعليم الحكومي لغير القادرين، بل جعلت هذا الأمر في قمة أولوياتها لضمانة مجانية التعليم لمستحقيه تحقيقًا لمبدأ العدالة والمساواة، وللديمقراطية في صورتها المنشودة.
 
وبرغم المجانية إلا أن الدولة المصرية لم تتخل عن مسئوليتها في تقديم تعليم جيد انطلاقًا من إيمان قيادتها السياسية بالجودة وضرورة العمل بها في شتى الميادين والمجالات، وفي المقابل تتحمل الدولة المزيد من المسئوليات؛ إذ تعمل على تحسين الظروف المعيشية للمعلم من خلال رفع الرواتب، ومحاربة الدروس الخصوصية، والدفع بمزيد من الإمكانيات التي تساعد في تحقيق أهداف العملية التعليمية، وتحرص على صيانة المؤسسات التعليمية وإنشاء المزيد منها لاستيفاء الطلب والإقبال على التعليم والتقليل من كثافة الفصول الدراسية.
 
ولا تتنافى تكافؤ الفرص وديمقراطية التعليم في الجمهورية الجديدة مع فلسفة التوسع في التعليم الخاص ومدارس اللغات، ومن ثم ثمنت الدولة مشاركة المجتمع المدني والمؤسسات الصناعية لمساهمتهم في إنشاء المؤسسات التعليمية وفتح مجالات التدريب بها، وفي المقابل استحداث موارد جديدة لتمويل التعليم الحكومي، وعمدت على توفير الإمكانيات والتجهيزات اللازمة للمؤسسات التعليمية الحكومية؛ لذا بات ذلك مشجعًا للتنافس المحمود بين المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة.
 
وللحد من تميز مؤسسات التعليم الخاص عن الحكومي فيما يرتبط بمستوى الخبراتي الذي يمثل المنتج النهائي للتعليم؛ فقد حرصت مؤسسات الدولة الرسمية على تدريب المعلم لاستخدام الأساليب التقنية المحببة للمتعلم وتوظيفها من خلال استراتيجيات وطرائق التدريس الحديثة؛ لتسهم في تنمية مهارات التفكير العليا لدى المتعلم، وتصقل خبراته عبر أنشطة تعليمية مقصودة يتم تنفيذها بصورة إجرائية من خلال المتعلم وبتعزيز من المعلم وتقديم للتغذية الراجعة عند اللزوم، بالإضافة إلى التحول الرقمي الذي أكدت عليه القيادة السياسية وأينعت ثماره خاصة في فترة الأوبئة التي أصابت العالم بأسره؛ حيث أمكن استكمال المسار التعليمي عبر المنصات الرقمية والمحتوى الرقمي المعد بحرفية من قبل المعلم.
 
واهتمت الدولة المصرية بتعضيد ثقافة التعليم المستمر، ومن ثم حاربت ظاهرة الأمية بواسطة مؤسساتها المختلفة، ووجهت النظام الإعلامي بتنوعاته لنشر تلك الثقافة، ووفرت مقومات التعليم، والتعليم الرقمي؛ لمواجهة عثرات الانتظام بالمؤسسات التعليمية، ومراعاة لظروف العاملين بمهن مختلفة؛ فأتيح التعليم المفتوح تحت إشراف مؤسسات التعليم الرسمي بالدولة، والذي راعى تنظيم جدول دراسي زمني يتسم بالمرونة يسمح بالتناوب بين الدراسة والعمل، ولم تتوقف الجهود عند هذا الحد بل وفرت الدولة بواسطة مؤسساتها نظم تعليمية مرنة كالصفوف متعددة المستويات في المناطق النائية والمحرومة، كما أقامت تلك المؤسسات التعليمية صفوفا مدرسية متنقلة لخدمة المناطق المحرومة والنائية.
 
واستدراكًا لأخطاء الماضي حيث التباين في نوعية التعليم بين الريف والحضر والمناطق المهمشة، حرصت الدولة المصرية، في ضوء توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، على اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تقتضي تحسين الوضع القائم؛ إذ أعدت المؤسسات التعليمية الرسمية برامج تعليمية إثرائية في ضوء الخصائص البيئية على مستوى كل محافظة، وحرصت على تنفيذ البرامج الإثرائية بعد أوقات الدراسة الفعلية لضمان فعالية العملية التعليمية، كما رصدت احتياجات المدارس الريفية اللازمة من تجهيزات مادية وبشرية، ومن ثم وجهت المنح والهبات الخارجية والداخلية لإعداد وتجهيز بنية المعامل بمختلف أنواعها بالريف والحضر.
 
ولم تتوقف المعالجات لآثار الماضي عند هذا الحد من قبل الدولة المصرية، فقد نفذت البرامج التدريبية لرفع الأداء المهني لمعلمي المناطق الريفية من قبل متخصصين، ونفذت خطة التدريب والمتابعة تحت إشراف وزارة التربية والتعليم وكليات التربية بالمحافظات، كما تم الإعلان عن نماذج للمشاركة الفعالة من خلال وسائل الإعلام المختلفة، بالإضافة إلى توفير برامج لتوعية المجتمع المدني بأهمية المشاركة في تطوير المؤسسات التعليمية، والذي لاقى ترحيبًا ومشاركة فاعلة على أرض الواقع.
 
وللحد من التسرب والفاقد التعليمي قامت الدولة المصرية بتفعيل قانون إلزامية التعليم؛ حيث سبق ذلك رصد ميزانية من قبل المؤسسات المجتمعية والخاصة لذوي المستوى الاجتماعي المنخفض، ووفرت حوافز معنوية ومادية للناجحين بمختلف المراحل التعليمية وداخل المرحلة الواحدة، وتوالى التعزيز بتوفير وجبات غذائية أو مساعدات غذائية للمتعلمين بالمؤسسات التعليمية خاصة بالمناطق المحرومة؛ بالإضافة إلى توفير برامج علاجية للتغلب على الصعوبات التي تواجه المتعلمين خلال عملية التعلم.
 
واهتمت القيادة السياسية بالمرأة كونها عماد التنمية والنهضة في البلاد، فوجهت الجهود نحو توفير مدارس منفصلة للإناث بمختلف مناطق الجمهورية لشيوع بعض الأنماط الثقافية، ومن ثم كثفت البرامج الإعلامية حول أهمية تعليم المرأة، ووضعت مكافآت للمتفوقات منهن، كما تم توفير الرعاية الاجتماعية والمادية والنفسية للمتعلمات بمؤسسات التعليم، ناهيك عن فرص عمل متميزة لتشجيع الخريجين على مواصلة التعليم.
 
ومن مسوغات تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية، استثمار الوقت المخصص للتعلم في جميع أنماط التعليم؛ حيث التركيز على الأنشطة التعليمية التي تُسهم في تنمية المهارات بصورة وظيفية لدى المتعلم، وفق خطط واستراتيجيات إدارة الوقت، مع التوصية بالعمل بنظام اليوم الدراسي الكامل، واستثمار وقت الفراغ في المزيد من القراءة الحرة والتدريب على التقنيات الحديثة وبرامجها وتطبيقاتها.
 
ومن آليات تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية ضرورة إعادة النظر في نظام التقويم، وتفعيل دور البرامج التعليمية بالتلفاز، وتدريب المعلمين أثناء الخدمة على التعامل مع الأعداد الكبيرة من المتعلمين، وتواصل المتعلمين مع معلميهم عبر المنتديات والمنصات الرقمية.
 
ولنا أن ندرك أهمية تكافؤ الفرص التعليمية في بلادنا على المستوى العام؛ حيث يستشعر الفرد أنه يتمتع بحقوقه التي كفلها له الدستور، ومن ثم يقدر ويعي ماهية العدل والمساواة، ويزداد لديه عمق المواطنة؛ فيبذل الجهود لرفعة بلاده ويقدم أفضل ما لديه لخدمة مجتمعه، ويستطيع أن ينمي خبراته ومواهبه بصورة مستمرة.
 
ويصعب أن نتجاهل دور الشراكة المجتمعية في دعم التعليم وتحقيق تكافؤ الفرص؛ فقد تباينت النظرة إلى التعليم من كونه خدمة تؤدى من قبل الدولة لمستحقيها إلى فكرة الاستثمار في الموارد البشرية، والتي تعد أغلى ما تمتلكه الدول، وباعتبار أن المؤسسة التعليمية تساعد في تشكيل الوعي القويم لدى الأفراد؛ فإنها بمثابة بوابة الأمن القومي وإحدى مؤسساته الفاعلة.
 
وقد صارت الشراكة المجتمعية ركيزة رئيسة للإصلاح في المجالات المختلفة وفي مقدمتها التعليم؛ فقد بات العمل الوطني ذا أهمية بالغة في تعضيد جهود الدولة الرسمية، بل ومؤثرًا في رسم السياسات العامة لها، وبما لا يدع مجالًا للشك يعد مؤشرًا لدلالة الشعور بالولاء والانتماء لتراب الوطن، ومن ثم تتزايد الجهود بغية الارتقاء بمخرجات المؤسسة التعليمية في مصرنا الغالية.
 
حفظ الله بلادنا ووفق قيادتها الرشيدة لتحقيق النهضة والبناء والازدهار، وكلل جهود المخلصين بالتوفيق والنجاح نحو مستقبل مشرق.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة