يواجه الاقتصاد الأمريكى عددا من الأزمات، أبرزها التضخم ثم تخفيض وكالة فيتش التصنيف الائتمانى للبلاد وعدم رضاء الأمريكيين على سياسات الرئيس جو بايدن الاقتصادية، وأحدث جرس إنذار كان ما كشفه موقع ياهو فاينانس عن انخفاض 8% فى حصة الدولار من الاحتياطات العالمية فى عام 2022 وهو ما أثار تساؤلات عما إذا كانت أيام هيمنة الدولار تقترب من نهايتها.
وقال موقع ياهو فاينانس أن وزيرة الخزانة جانيت يلين تحدثن بشأن هذه المسألة خلال جلسة استماع فى الكونجرس، مشيرة إلى أنه لا توجد عملة حاليًا يمكن أن تحل محل الدولار.
ولا تزال يلين مصرة على أنه "لن يكون من السهل على أى بلد ابتكار طريقة للالتفاف على الدولار"، لكنها حذرت من أن حصة الدولار من الاحتياطيات العالمية قد تستمر فى الانخفاض حيث تتطلع البلدان إلى "التنويع".
تأثير العقوبات الأمريكية
وتعود هيمنة الدولار على التجارة العالمية وتدفقات رأس المال إلى ما لا يقل عن 80 عامًا - ليس فقط لأن الولايات المتحدة هى أكبر اقتصاد فى العالم، ولكن أيضًا لأن النفط والسلع الأساسية الأخرى مسعرة بالدولار.
ومع ذلك، فإن الأحداث الأخيرة - بما فى ذلك الزيادات الكبيرة فى أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطى الفيدرالى لوقف التضخم المحلى، والحرب التجارية مع الصين، والعقوبات الأمريكية التى تم فرضها بعد الحرب الأوكرانية - تسببت فى مطالبة المزيد من الدول بتنفيذ التجارة بعملات أخرى إلى جانب الدولار.
بدأت دول من بينها الهند والإمارات رسميًا التداول مع بعضهما البعض بعملاتهما المحلية. وأعلنت الحكومة الهندية يوم الاثنين أن شركة النفط الهندية الرائدة فى مجال تكرير البترول استخدمت الروبية المحلية لشراء مليون برميل من النفط من شركة بترول أبوظبى الوطنية - وليس الدولار.
فى قمة البريكس الرابعة عشرة العام الماضى، أعلن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عن تدابير لإنشاء "معيار عملة دولي" جديدة. فى غضون ذلك، تحث الصين منتجى النفط والمصدرين الرئيسيين على قبول مدفوعات اليوان، فيما قالت المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط، إنها "منفتحة" على فكرة تداول عملات أخرى.
وحتى الحلفاء القدامى، مثل فرنسا، أجروا معاملات بغير الدولار منذ أن شددت الولايات المتحدة عقوباتها. فى أبريل، قال الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أن على أوروبا أن تقلل اعتمادها على الدولار الأمريكى من أجل الحفاظ على "استقلاليتها الاستراتيجية" وتجنب أن تصبح تابعة لأمريكا.
وعند سؤالها عن تأثير هذه الاتجاهات أمام لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب، اعترفت وزيرة الخزانة الأمريكية بأن العقوبات قد حفزت بعض البلدان على البحث عن بدائل للعملة - لكنها كانت مصرة على أن الدولار سيظل مهيمنًا.
وقالت: "يلعب الدولار الدور الذى يلعبه فى النظام المالى العالمى لأسباب وجيهة للغاية لا تستطيع أى دولة أخرى تكراره، بما فى ذلك الصين لدينا أسواق مالية مفتوحة ذات سيولة عميقة، وسيادة قوية للقانون"
الدولار كعملة احتياطية
عندما سُئلت عما إذا كان الوضع الدولى للدولار آخذ فى التراجع، قالت يلين إنها لا ترى "عمليًا أى حل بديل مفيد لمعظم البلدان لاستخدام الدولار كعملة احتياطية".
وتابعت : "يجب أن نتوقع بمرور الوقت زيادة تدريجية فى حصة الأصول الأخرى فى احتياطيات الدول - رغبة طبيعية فى التنويع. لكن الدولار هو الأصل الاحتياطى المهيمن بعيدًا ".
وفقًا لبيانات من تكوين احتياطى العملات الأجنبية التابع لصندوق النقد الدولى (COFER)، شكل الدولار الأمريكى 58.36% من احتياطيات النقد الأجنبى العالمية فى الربع الاخير من العام الماضى. وجاء اليورو فى المرتبة الثانية، حيث يمثل حوالى 20.5% من الاحتياطيات.
وفى الوقت نفسه، فإن اليوان الصينى - الذى يعتقد البعض أنه أكبر تهديد للدولار - شكل 2.7% فقط من الاحتياطيات فى الفترة نفسها وما يقرب من ثلث ذلك تحتفظ به روسيا، وفقًا لورقة صندوق النقد الدولى لعام 2022.
وانتهز الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب الفرصة، وهاجم سياسات إدارة بايدن الاقتصادية خلال مقابلة مع شبكة فوكس نيوز مساء الخميس.
واعتبر ترامب، أن فقدان الدولار لهيمنته عالميا سيكون أكبر من خسارة أى حرب، محذرا من فقدان هذه الهيمنة وقال: "بلادنا ستذهب إلى الجحيم".
وأضاف خلال المقابلة أن قوة الولايات المتحدة تقل بخصوص عملتها الدولار، وتابع: "أنا لا أتحدث فقط عن قيمة عملتنا، أنا أتحدث عن حجم تداول عملتنا فى جميع أنحاء العالم".
كما أضاف: "عندما تنظرون إلى مطاراتنا، وإلى بوابات المحطات، وإلى طرقاتنا القذرة وشوارعنا المعطلة وكل شيء آخر، فنحن نبدو وكأننا دولة من دول العالم الثالث".
ثم تابع: "لدينا شيء قوى للغاية وهو دولارنا.. لكن ألقِ نظرة على ما يحدث الآن مع الدول الأخرى التى لا تتعامل به، وأنت تعلم أن الصين تريد استبداله بعملة اليوان، وكان هذا أمرا لا يمكن تصوره، بينما فى الوقت الحالى تفكر الناس فى هذا الأمر".
وقال ترامب أن التضخم الذى يعانى منه الأمريكيين الان يرجع إلى قطاع الطاقة، وتحدث الرئيس السابق عن قرار إدارة بايدن حول وقف التنقيب على النفط ووصف وقف التنقيب البرى والبحرى بالأمر المحزن للغاية.
فى إبريل الماضى أطلق ترامب نفس التحذير من فلوريدا حيث قال فى خطاب أمام أنصاره: "عملتنا تنهار وقريبا لن يكون الدولار هو العملة العالمية، إنها هزيمة غير مسبوقة فى 200 عام، وهذا سيبعدنا عن مكانتنا كقوة عظمى".
وأضاف حينها أن "الولايات المتحدة فى حالة فوضى. اقتصادنا ينهار، والتضخم خارج عن السيطرة".
ذكر تقرير ياهو انه فى حين أن جهود فك الدولرة جارية بشكل واضح، فإن معظم المعلقين الماليين يشاركون يلين وجهة نظرها بأن الدولار سوف يحتفظ بعرشه.
وبالمثل، قالت فيتش سوليوشنز إنها لا تتوقع "نقلة نوعية" فى أى وقت قريب، نظرًا لعدم وجود بديل عملى للدولار الأمريكى فى التجارة الدولية.