سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 20 أغسطس 1798.. نابليون يقنع الشيوخ بالاحتفال بالمولد النبوى ويتبرع بـ«300» فرنك فرنسى ويتدثر بعباءة شرقية والناس يطلقون عليه اسم «على بونابرت»

الأحد، 20 أغسطس 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 20 أغسطس 1798.. نابليون يقنع الشيوخ بالاحتفال بالمولد النبوى ويتبرع بـ«300» فرنك فرنسى ويتدثر بعباءة شرقية والناس يطلقون عليه اسم «على بونابرت» نابليون

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
احتفل نابليون بونابرت، قائد الاحتلال الفرنسى لمصر بعيد «وفاء النيل» مع المصريين يوم 17 أغسطس 1798، غير أنه لم ير فى هذه الاحتفالات أكثر من «مهمة علاقات عامة»، بوصف المؤرخ الأمريكى «خوان كول» فى كتابه «مصر تحت حكم بونابرت، غزو الشرق الأوسط» ترجمة «مصطفى رياض»، مراجعة الدكتور أحمد زكريا الشلق، مضيفًا أن «نابليون» تطلع إلى المناسبة التالية، وهى «المولد النبوى»، وعقد العزم على أن يحقق من خلاله نجاحا.
 
كانت نية المصريين معقودة على عدم الاحتفال بالمناسبة، بعد أن جاء الفرنسيون قبل شهر لاحتلال مصر، يذكر «الجبرتى» فى الجزء الخامس من موسوعته «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» أن «بونابرت» سأل عن المولد النبوى، ولماذا لم يعملوه كعادتهم؟ فاعتذر الشيخ البكرى بتعطيل الأمور وتوقف الأحوال، فلم يقبل وقال: لا بد من ذلك، وأعطى له ثلاثمائة ريال فرنسيا معاونة».
 
ويذكر «كولن» أن نية عدم الاحتفال بالمولد امتدت إلى باقى أقاليم مصر، وينقل عن الفنان «دومينيك فيفان دينو» الذى كان مرافقًا للحملة، أن «مفتى رشيد» قرر عدم الاحتفال بالمولد ليبعث برسالة إلى الأهالى فحواها «أن الفرنسيين يعارضون إحدى أكثر المناسبات الإسلامية قداسة، وانتبه الجنرال «مينو» فقرر إقامته فى الساعات الأخيرة، وأمر المفتى بتنظيم المناسبة».
 
لماذا هذا التصميم من «بونابرت» على الاحتفال بالمولد النبوى؟، يجيب «ج.كروستوفر هيرولد» فى كتابه «بونابرت فى مصر»، ترجمة «فؤاد أندراوس، مراجعة، دكتور محمد أنيس، قائلًا: «هو أول سياسى استغل الدعاية بمعناها الحديث استغلالًا كاملًا، فعزم أن يربط نفسه وجيشه وبين الاحتفالات التى تحيى ذكرى أحداث منحت أهل مصر رزقهم ودينهم».
 
بدأ الاحتفال فى 20 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1798 قبل موعده الرسمى بثلاثة أيام، ويذكر «الجبرتى»: «أمر بونابرت بتعليق تعاليق وأحبال وقناديل، واجتمع الفرنساوية يوم المولد، ولعبوا ميادينهم، وضربوا طبولهم ودبادبهم، وأرسل الطلبخانة إلى بيت الشيخ البكرى، واستمروا يضربونها بطول النهار والليل بالبركة تحت داره، وهى عبارة عن طبلات كبار مثل طبلات النوبة التركية، وعدة آلات ومزامير مختلفة الأصوات مطربة، وعملوا فى الليل حراقة نقوط مختلفة، وصواريخ تصعد فى الهواء».
 
يذكر «كولن» نقلًا عن «ديتروى» أحد الضباط الفرنسيين، أن أهل القاهرة خرجوا يرفعون المصابيح الملونة على الأعمدة فى موقعين بالأزبكية مما كان له أجمل الأثر عندما حل المساء، وفى العاشرة مساءً اتجهت مسيرات المسلمين الأتقياء من أحياء المدينة إلى المساجد المختلفة يقودها رجال يحملون المشاعل، أو الثريات الكبيرة التى تحمل كل منها أربعين مصباحًا، واخترق الموكب طرقات القاهرة ليلًا وسط صياح الجموع، وطاف أهل المدينة بالطرقات تميزهم علامات تدل على مكانتهم الاجتماعية أو صناعتهم، يصحبهم العبيد الذين يحمل بعضهم السلاح ويحمل بعضهم الآخر المشاعل، وفى الأزبكية رفعوا صورة زخرافية لقبر الرسول فى المدينة.
 
يضيف «كولن» أنه فى صباح ذلك اليوم «20 أغسطس»، أصدر بونابرت أوامره بتقدم مسيرة مهيبة من قوات الحامية احتفالًا باليوم العظيم، فامتزجت نغمات الفرقة العسكرية المصاحبة للجنود بالأناشيد التى يتغنى بها المسلمون، وينقل «كولن» عن الضابط الفرنسى الكابتن «ساى»، أن «بونابرت» ظهر فى يوم الاحتفال بالمولد متدثرًا بالعباءة الشرقية، وأعلن نفسه حامى حمى الأديان كلها، وانتشرت الحماسة بين الناس الذين أجمعوا على تسميته باسم «على بونابرت»، وصاروا ينادونه بهذا الاسم.
 
يؤكد عبدالرحمن الرافعى، فى الجزء الأول من موسوعته «تاريخ الحركة القومية»: «بالغ نابليون فى الاحتفال، وعين لهذه المناسبة خليل البكرى نقيبًا للأشرف بدلًا من عمر مكرم الذى هاجر إلى سوريا عقب موقعة «الأهرام».
 
يذكر «كولن» أن خليل البكرى، أقام حفلًا عظيمًا لبونابرت فى بيته، حيث اجتمع مع مائة من كبار شيوخ الأزهر، وافترشوا الأرض حول عشرين منضدة منخفضة، وشرع واحد منهم فى رواية سيرة النبى بنغمة وجدها الفرنسيون مملة، وأعدت للفرنسيين موائد وقدمت لهم أدوات مائدة وصحافًا فضية بل قنينة نبيذ معتق، ثم مدت الموائد بالمشويات والمقبلات والأرز والعجائن وكلها مطهوة بالتوابل.
 
ويضيف «كولن»: «على موائد الطعام تحدث «بونابرت» مع شيوخ الأزهر ساعيًا إلى التعرف على حاجات البلاد والوسائل التى يتحقق بها رخاؤها، وفى بعض الأحيان يصل الأمر إلى مغازلة مشاعرهم الدينية إذ يصور لهم بونابرت مدى استعداد الجيش الجمهورى لاعتناق الإسلام فى القريب العاجل، ويقول ضابط إن القائد الأعلى لم يدخر وسعًا لإقناع المصريين بما يكنه الجيش الفرنسى من توقير عظيم للرسول، أما الجنود فالتزموا الأدب فيما يقولون، ولكنهم ما إن عادوا إلى ثكناتهم حتى ضجوا بالضحك لما رأوه من تلك المهزلة».






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة