4.6 تريليونات دولار حجم الصادرات السلعية بما يمثل 20.7% من الصادرات العالمية
7.6 تريليونات دولار واردات دول بريكس والاتجاه للاعتماد على عملاتها المحلية يضغط على الدولار
رئيس جنوب أفريقيا: القمة تركز على دعم اهتمام دول البريكس بإفريقيا وقضاياها التنموية
بنك التنمية يستثمر 33 مليار دولار في 96 مشروعاً داخل بلدان المجموعة
اتجهت أنظار العالم هذا الأسبوع نحو قمة "بريكس" 2023 المنعقدة في عاصمة جنوب أفريقيا جوهانسبرج فى الفترة من 22- 24 أغسطس، خاصة بعد دعوة قادة 67 دولة، و20 ممثلا لمنظمات دولية، وسط تزايد الحديث حول كون هذا التكتل الاقتصادي الجديد هو المنافس الأقوى لدول مجموعة السبع - وتضم الدول السبع الصناعية الكبرى الأكثر تقدما في العالم، والتي تهيمن على التجارة العالمية والنظام المالي الدولي وهم فرنسا وألمانيا وكندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيطاليا واليابان، وهنا تُثار عدة تساؤلات حول التجمع ومستقبله ومدى تأثيره على حركة التجارة الدولية وتأثيره الاقتصادي على مستقبل الدولار الأمريكي إضافة إلى تساؤلات حول إمكانية تدشين عملة موحدة لدول البريكس، وهل يمكن أن تمر هذه الجدلية مرور الكرام خاصة وسط خلافات لا يمكن غض الطرف عنها بين الصين والهند.
وقبل التطرق لمحاولة إيجاد إجابات على الأسئلة، سنلقى الضوء على مصطلح "بريكس" .. حيث تتكون بريكس من 5 دول أساسية هى البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا والكلمة مأخوذة من أول حرف لهذه الدول، وتأسست المجموعة عام 2006، أثناء منتدى بطرسبورج الاقتصادى، وتمثّل "بريكس" بتركيبتها الراهنة 42 % من سكان الأرض وربع الاقتصاد العالمي وبالتالي هي قوة اقتصادية لا يستهان بها، وفق تقديرات عدد من المراكز البحثية الاقتصادية الدولية.
هل بريكس يحد من هيمنة الدولار؟
تتشارك المجموعة التي تضم قوى متباينة الحجم الاقتصادي والنظام السياسي هدف واحد وهو الحد من سيطرة الدولار على حركة التجارة، وكذلك إيجاد بدائل لنظام عالمي يهيمن عليه الدولار والقوى الغربية، وهناك أكثر من 40 دولة أبدت رغبتها بالانضمام لمجموعة البريكس مؤخراً، بينها مصر ودول عربية أخرى، وسط تفاؤل أقليمي كبير بالوصول إلي آليات اقتصادية تساهم في الحد من هيمنة الدولار، في ظل ارتفاع مستمر في تكلفة اقتراض العملة الأمريكية. وبحسب وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدى باندور، فإن 23 دولة تقدمت بطلبات رسمية للانضمام للبريكس ومنهم الأرجنتين وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وكوبا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجزر القمر والجابون وكازاخستان.
فكرة التخلص من هيمنة الدولار تصطدم بجدلية اصدار عملة موحدة لدول التجمع، يمكن الاعتماد عليها كعملة لحركة التجارة أو الاعتماد على العملات المحلية للدول الأعضاء، فالبرازيل تدعم فكرة إنشاء عملة موحدة بين دول "بريكس"، حيث شدد لولا دا سيلفا رئيس البرازيل، على أن تدشين عملة هي خطوة لا تهدف إلى تحدي التكتلات العالمية، أو الولايات المتحدة الأميركية، وقال إن المجموعة لا ترفض الدولار الأميركي، وإنما تسعى لإتمام التبادل التجاري بين أعضائها بالعملات المحلية في بعض الأحيان.
تصريحات الرئيس البرازيلي تتوائم إلى حد كبير مع تأكيدات مستمرة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على رغبة دول البريكس في الاعتماد على العملات المحلية في التبادلات التجارية، وقال "بوتين" في كلمة مسجلة سلفا "هدف التخلص من الدولار بلا رجعة في علاقاتنا الاقتصادية يكتسب قوة دافعة".
جدلية العملة الموحدة
ويقول المنظمون في جنوب أفريقيا، إنه لن يجري مناقشة مسألة عملة موحدة لبريكس خلال الاجتماعات الحالية في جوهانسبرج، لكن هناك نجاح اقتصادي يمكن أن يكون أرض خصبة لطرح الفكرة في المستقبل، حيث نجح التحالف في تدشين بنك التنمية الجديد "New Development Bank" الذي تأسس عام 2015 برأسمال قدره 50 مليار دولار، بهدف توفر تمويلاً أسرع من البنك الدولي ، ودون فرض شروط صارمة، وأحدث عائد على السندات لدى البنك تصل إلى %5، بزيادة 100 نقطة أساس عن مثيلاتها في البنك الدولي، يضاف إلى ذلك تصنيفات ائتمانية دولية بدرجة +AA من قبل فيتش وستاندرد آند بورز، وقد استثمر بنك التنمية حتى الآن 33 مليار دولار في 96 مشروعاً داخل بلدان المجموعة.
خلافات الهند والصين
بعيدًا عن النزاع السياسي والعسكري بين العملاقين الهند والصين في منطقة الهمالايا الحدودية والتي شهدت تطورات متصارعة عام 2020، نجد أن كلا الدولتين لهما ثقل اقتصادي كبير يحاول كل منهما فرض سيطرته ونفوذه داخل تحالف البريكس، ورغم أن الصراع بينهما لم يظهر علنًا حتى الآن ، لكن هناك قضية خلافية لا يمكن إنكارها حول هوية تحالف البريكس، فالصين تسعى لأن يكون التحالف ندًا سياسيا واقتصادية للهيمنة الغربية والأمريكية في حين تسعى الهند إلى الحفاظ على علاقات متوازنة اقتصاديا مع الغرب وأمريكا، وذكرت صحيفة فايننشال تايمز نقلاً عن مسؤولين لم تسمّهم يوم 21 أغسطس 2023، أن هناك خلافات حالية بين نيودلهي وبكين حول هوية مجموعة بريكس ودورها العالمي، فالأولى تدعم بحسب الصحيفة بقاء المجموعة حيادية على الساحة السياسية، بينما تدعم الثانية تحوّلها إلى مجموعة سياسية تواجه الغرب.
وبحسب براين هارت الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن، فإن خلافًا آخر بين الصين والهند حول السماح بدخول دول جديدة للتحالف، مضيفًا"الصين تسعى لفرض سيطرتها ونفوذها من خلال التحالف في حين ترى الهند الحفاظ على علاقة جيدة ومتزنة مع الغرب وعدم التوسع سريعًا في ضم دول جديدة للتحالف".
بريكس ومستقبل التجارة الدولية
وتدعم دول بريكس، النظام التجاري المتعدّد الأطراف، كما تهدف إلى تعزيز دورها كقوة إقليمية، بحيث أدى نجاح تخصّصاتها الإنتاجية وأسعارها المناسبة إلى زيادة عائدات التصدير التي تشكل أصلاً الاحتياطيات الأجنبية التي تغذّي الصناديق السيادية، وبذلك يمكن للقوى الاقتصادية الناشئة الجديدة أن تكتسب صفة القوة المالية لبلدان بريكس كي تصبح بالفعل القوة الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين، فبالنظر إلى مساهمة مجموعة بريكس في الاقتصاد العالمي والتي وصلت 31.5%، وبحسب قاعدة بيانات البنك الدولي فقد بلغ الناتج المحلي للاقتصادي العالمي 96.1 تريليون دولار في عام 2021 وكانت مساهمة مجموعة السبع الصناعية من هذا الناتج 42.3 تريليون دولار وبما يعادل 44%، فيما بلغت مساهمة دول تجمع البريكس في هذا الناتج 24.2 تريليون دولار، وبما يمثل نسبة 25%.
وتكشف أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، أن الصادرات السلعية على مستوى العالم بلغت في نهاية عام 2021 ما قيمته 22.4 تريليون دولار، كما بلغت الواردات السلعية على مستوى العالم كذلك في نفس التاريخ 22.6 تريليون دولار، كما حققت الصادرات السلعية لمجموعة السبع الصناعية بلغت 6.3 تريليونات دولار، وبما يمثل نسبة 28.1% من إجمالي الصادرات السلعية للعالم، فيما بلغت الواردات السلعية لنفس المجموعة وفي نفس التاريخ نحو 7.6 تريليونات دولار، وبما يمثل نسبة 33.5% من إجمالي الواردات السلعية للعالم.
ويكشف أداء تجمع دول بريكس أن حصيلة الصادرات السلعية للمجموعة في نهاية عام 2021 بلغت 4.6 تريليونات دولار، وهو ما يمثل 20.7% من إجمالي الصادرات السلعية للعالم، في حين بلغت الواردات السلعية في نفس العام للمجموعة 3.9 تريليونات دولار، وبما يمثل 17% من إجمالي الواردات السلعية للعالم، والأرقام هنا تكشف تنامي مستمر لصادرات دول مجموعة البريكس بقيادة الصين بوصفها الوزن الأكبر في صادرات دول المجموعة، الأمر الذي يفتح الباب أمام تأثير أكبر وأقوى لدول المجموعة على حركة التجارة العالمية خلال السنوات المقبلة.
كيف تستفيد أفريقيا من بريكس؟
وقبيل القمة قال رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامفوزا إن قمة تجمع "بريكس"، تأتى فى خضم موقف دولى متوتر، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية؛ وهو ما انعكس على بلدان القارة الأفريقية ومصالحها وجعل من إفريقيا، ساحة لحروب دبلوماسية لا تتوقف بين الغرب وروسيا والصين؛ تتعالى فيها سخونة المنافسة على المصالح وتعزيز النفوذ فى أفريقيا الغنية بمواردها الطبيعية، ودعا رئيس جنوب إفريقيا - فى مقابلة أجراها مع "القناة الإفريقية المستقلة (إيه.أى.تى)" التى تبث فى العاصمة النيجيرية (أبوجا) - إلى استثمار مناخ التنافس الدولى لتعظيم مكاسب إفريقيا، وذلك من خلال بناء شراكة استثمارية بين دول القارة وتجمع البريكس .
وقال رئيس جنوب أفريقيا، إن القمة ستركز على دعم اهتمام دول بريكس بإفريقيا وقضاياها التنموية وكذلك تلك المتعلقة بالاستثمارات وهو ما يحتاج إلى مناخ مستقر على المستوى الوطنى فى بلدان القارة.
وفى يونيو الماضى التقى وزراء خارجية دول بريكس فى كيب تاون بجنوب أفريقيا تحضيرًا لقمة الزعماء الحالية، لمناقشة الأدوات التى تمتلكها الكتلة للتخلص من هيمنة النظام الاقتصادى العالمى، تضمنت المحادثات مناقشة الاستخدام المحتمل للعملات المحلية لحماية بنك التنمية الجديد التابع للكتلة من العقوبات، وإزالة الدولرة فى التجارة على نطاق أوسع، وأكد وزراء خارجية بريكس، طموح كتلتهم فى التنافس مع القوى الغربية، إذ عبروا فى تصريحات خلال الجلسة الافتتاحية للاجتماعات الحالية، عن تطلع الكتلة لعالم متعدد الأقطاب.
ودعا وزراء الخارجية إلى "إعادة توازن" النظام العالمى، إذ قال وزير الخارجية الهندى سوبراهمانيام جايشانكار فى مستهل الاجتماع، أن "العالم المتعدد الأقطاب يعيد توازنه والأساليب القديمة لا يمكنها معالجة الأوضاع الجديدة"، وقالت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ناليدى باندور: "رؤيتنا لمجموعة بريكس هى توفير قيادة عالمية وسط عالم تمزقه المنافسة والتوتر الجيوسياسى وعدم المساواة وتدهور الأمن العالمي"
اعتماد أفريقيا على"الصين وروسيا والهند"
وتعتمد الدول الأفريقية على مجموعة بريكس في توفير سلع غذائية ومدخلات إنتاج رئيسية، ورغم عدم وجود حصر بالسلع المستوردة أو حجم التجارة بين الدول الأفريقية ودول التجمع- إلا أن التجارة بين الصين وإفريقيا في 2022 وصلت إلى مستوى قياسي بلغ 282 مليار دولار، بزيادة 11 % على أساس سنوي، مدعومة بارتفاع أسعار السلع الأساسية، وإعادة فتح التجارة في الصين بعد أزمة كورونا، ووفقا لسلطات الجمارك الصينية، بلغ إجمالي الصادرات إلى إفريقيا 164.49 مليار دولار في الأشهر الـ12 حتى ديسمبر بزيادة 11.2 بالمئة على أساس سنوي، وارتفعت الواردات من القارة بمعدل مماثل لتصل إلى 117.51 مليار دولار في نفس الفترة، كما تعتمد الدول الأفريقية في واردات الحبوب الروسية بنسبة كبيرة، إذ كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، أن التبادل التجاري الزراعي بين روسيا وإفريقيا سجل نمو بنسبة 10 بالمئة إلى 6.5 مليار دولار 2022، وأخيرا فقد سجل حجم التبادل التجاري بين الهند وإفريقيا، رقما قياسيا بلغ 89.5 مليار دولار أمريكي في السنة المالية 2020/2021 حيث تستفيد 33 دولة إفريقية من تفضيل الهند للإعفاء من الرسوم الجمركية.
وترى لجنة التجارة في اتحاد الصناعات المصري، أنه رغم صعوبة الوصول إلى اتفاق على التجارة بالعملات المحلية بين دول البريكس أو الوصول إلى عملة موحدة بعيدا عن الدولار، إلا أن الدفع في الاتجاه للاعتماد على العملات المحلية يحد من الضغط على اقتصاد الدول الأفريقية خاصة وأن الميزان التجارى لأغلب الدول الأفريقية يتعرض لضغط كبير من ارتفاع الدولار، وهو ما سيكون فرصة جيدة لدول القارة الأفريقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة