منذ عدة أيام شاهدت سهرة تليفزيونية على قناة ماسبيرو زمان ، يعود انتاجها لعام ١٩٨٦ ، عنوان السهرة ( الثانوية العامة ) ، بطولة الفنان القدير حسن عابدين ، والفنانة الكبيرة خيرية أحمد ، والفنان عبد الرحمن أبو زهرة ، تأليف الكاتب الكبير يوسف عوف ، وإخراج السيدة علوية زكي . كان بها وجوه جديدة تظهر لأول مرة ووجوه تتلمس طريقها نحو النجومية، حينما كان التليفزيون المصري هو بوابة المرور للنجاح والشهرة ، فعلى سبيل المثال قدم خلالها الفنان عمرو دياب عدة أغاني من ألحان الفنان الكبير هاني شنودة وكلمات الأستاذ شوقي حجاب ، وربما يتذكر بعض من جيلي أغنيته ( الأميبا خلية أولى بدائية ) أو أغنيته (البلهارسيا العجيبة) ورغم أننا أصبحنا نتندر حين نشاهد تلك الأغاني لكنها كانت تجربة غريبة في وقتها .
تدور أحداث السهرة حول موظف بأحد الوزارات منضبط في عمله لا يعرف من الدنيا ولا يهتم بسواه ، حتى يبلغ سن المعاش فيفعل ما يفعله معظم من يجد نفسه فجأة في حالة فراغ بعد أن كان عمله يستغرق كل وقته ، وبمعالجة كوميدية كثيرا ما كان الأستاذ يوسف عوف يتميز بها ، يقوم البطل الذي يؤدي دوره الفنان حسن عابدين بتأجير شقة يطلق عليها اسم الوزارة ، ويقضى يومه بانتظام في مواعيد العمل الرسمية بها ، حتى يجد شابا قريبا لزوجته في الثانوية العامة يحتاج درس تقوية في اللغة الإنجليزية ، ثم يتزايد العدد من أصدقاء هذا الشاب من الفقراء على هذه الشقة أو الوزارة ، حتى يلجأ الرجل لتأجير مسرح ، وجلب مدرسين متخصصين لشرح المواد المختلفة لطلاب الثانوية العامة من غير القادرين على اللجوء للدروس الخصوصية.
تتوالى المشاكل والصدام بين الوزارات التي أخذت تتعقب حسن عابدين والمسرح والطلبة، ليصل بالمشاهد أننا أمام طريق مسدود إزاء هذه المشكلة . الطريف هنا انه رغم مرور سنوات طويلة على هذه السهرة التي تتجاوز الثلاثين عامًا لكن كل المشاكل والسلبيات التي يواجهها المجتمع بداية من العجز عن تجاوز مشكلة الثانوية العامة بما تشكله من ضغط وعبء وقلق داخل الأسرة المصرية إلا إن المشكلة لا تزال قائمة ، بل وأصبحت مراكز الدروس الخصوصية التي قدمتها السهرة على أنها حل مساعد للطلاب غير القادرين أصبحت آفة ، وأمر واقع من الصعب تغييره .
حتى تعقد الروتين في المصالح الحكومية ، وتضارب الأدوار بين الوزارات والهيئات تضاربا كوميديا من الواضح انه ممتد عبركل هذه السنوات ، ولازال البعض يعقد حياة الناس ويزيد من همومهم ومشاكلهم .
على الرغم من أن هذا العمل الكوميدي حمل كثيرا من النقد بسخرية يوسف عوف التي لا مثيل لها ، وأداء تلك النخبة من الفنانين الكبار ، ورغم أننا حين نشاهد تلك السهرة بإمكاناتها وأدواتها البسيطة كأنها من قرون وليست من عقود – لكن كل هذا يشعرنا بأسف كبير على أبنائنا الذين ما يزالون يعانون عقبة الثانوية العامة ، ويعانون هم وأسرهم من كل الضغوط التقليدية المصاحبة لها ، وبكل ما يتصل بها ، ولا يصل إلى حل قاطع ، وما يزال مجتمعنا لا يدرك أن الأدوات ليست وحدها كافية لتغير حياتنا ، بل علينا أن نغير الكثير من أنفسنا !
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة