يشير الوعى الثقافى إلى مقدرة الفرد على فهم واستيعاب القيم والمعتقدات التى يدين بها المجتمع، وتطابقها مع قيمه ومبادئه الشخصية، ومن ثم مقدرته على تكوين تصور يساعده فى المحافظة على تراثه الثقافى وحمايته من التأثيرات الواردة عبر منابرها المختلفة الداخلية والخارجية؛ ليصبح وجدانه مرتبطًا بما تحمله ثقافة موطنه من أفكار ومعتقدات وقيم أصيلة، تنعكس بالإيجاب على سلوكه ونمط حياته.
ويعبر الوعى الثقافى فى جملته عن ردود أفعال الفرد تجاه بيئته ومجتمعه فيما يرتبط بالسلوك والعادات والتقاليد واللغة والنسق القيمى القائم، وفى المقابل يُكوِّن الوجدانيات لديه؛ ليوجه طاقته نحو تحقيق أهدافه البنّاءة لذاته ولمجتمعه، كما يقدر مكانته ومجتمعه من العالم من حوله.
ويُعد الوعى الثقافى مهمًا لتحقيق التنمية واستكمال بناء ونهضة المجتمع فى مجالاته المتنوعة؛ لذا بات الاهتمام بتنميته داعمًا ومعززًا لمفهوم الأمن الفكرى الذى يُعد سياجًا قويًا ضد تشويه الوعى أو التزييف أو الشائعات المغرضة التى تنال من العزيمة وتستهدف إحداث التفكك والشقاق بين طوائف المجتمع المصرى الأصيل فى مكونه ومكنونه.
ويصعب أن تنفك أهمية الوعى الثقافى عن دورها الفاعل فى تصحيح الفهم لدى الفرد؛ ليصبح قارئًا للمشهد بصورة جلية لا تشوبها شائبة؛ ليستوعب ما يدور حوله من أحداث جارية على المستوى المحلى والإقليمى والعالمى، ويستطيع أن يشارك بفعالية من خلال ما يمتلكه من مهارات نوعية فى خدمة بلاده؛ ليسهم بحق فى تنميتها ويشارك فى إيجاد حلول لما تواجهه من تحديات ومشكلات مستجدة؛ فالوعى الثقافى نواة استشراف المستقبل بما لا يدع مجالًا للشك.
وتكمن الأهمية أيضًا فى تعضيد الهوية الثقافية لدى الفرد؛ ليستطيع أن يواجه خلال وعيه الثقافى خطر الثقافات المتباينة التى أضحت أمرًا مفروضًا بحكم المتغيرات التقنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ بعدما أصبح العالم قرية صغيرة فى كل ممارساته الدقيقة.
ويستهدف الوعى الثقافى أن يمارس الفرد عاداته وتقاليده التى يقرها مجتمعه وفق النسق القيمى الذى يتبناه، بما يضفى على حياته الرضا والسعادة، ويساعده على الاندماج المجتمعى، ويستطيع تكوين علاقات اجتماعية سوية فى مجتمعه وخارج إطاره؛ ليحدث تواصلًا فعالًا مع بنى جنسه، ويتمكن من التعايش السلمى فى الواقع الفعلى والافتراضى على السواء.
ويكتسب الفرد قدرًا كبيرًا من اللغة القومية الرصينة جراء تنمية وعيه الثقافي؛ حيث يسعى إلى إتقان فنونها، والتعرف على مواطن الفنون والتميز بها؛ ليصبح قادرًا على الممارسة وإحداث تغيير فى الآخرين جراء التعاملات المقصودة وغير المقصودة، سواء فى داخل موطنه أو سفيرًا عنه، وتلكما من أهدافه الوظيفية.
وتشير دلالة التفاعل الثقافى إلى حالة التبادل الخبراتى والفكرى والحضارى بين الشعوب فى العديد من المجالات العلمية والعملية والحياتية على أساس من الأخذ والعطاء والتأثير والتأثر الذى تمخض عن التواصل المفتوح عبر صوره المتباينة، ومن ثم يصبح التفاعل الثقافى مصدرًا لقوة ونمو الهوية أو نقطة إضعاف لتلك الهوية؛ لذا ينبغى أن يمتلك الفرد وعيًا ثقافيًا يستشعر من خلاله عمق ثقافته ومدى تأثيرها، ويتيقن بأن حضارته لها مكانتها التى تقودها لمزيد من التقدم والنهضة على الصورة التى تليق بها؛ فبرغم أهمية الحفاظ عليها وصيانتها؛ إلا أن مساحة التمازج التى حدثت نتيجة للتقدم التقنى الرهيب أكد ضرورة العمل على تحقيق الهدف من تنمية الوعى الثقافى للأجيال الحالية والمستقبلية.
ويقع على عاتق المؤسسة التعليمية استهداف تنمية الوعى الثقافى بصورة مقصودة؛ لتتأصل الهوية الثقافية والحضارية للوطن من خلال أنشطة ومحتوى المناهج التعليمية بالسلم التعليمى وفق تنوعاته؛ حيث إن استيعاب الفرد بنمطه الاجتماعى الذى يتسق مع قيمه الأصيلة تعد ترسيخًا للهوية والاستقرار، ومن ثم إبعاد الفرد عن مخاطر الهيمنة الثقافية للثقافات المستوردة بشتى تنوعاتها.
ويسهم تنوع الأنشطة التعليمية المقصودة فى تزويد الشباب بالمعارف والقيم والقضايا المرتبطة بالجانب العقدى والاجتماعى والسياسى والاقتصادى والثقافى والصحى والتاريخي؛ لتتكون لديه الخبرة المصبوغة بالاتجاهات الإيجابية والسلوكيات القويمة والمبادئ الأصيلة التى تحضه على تحمل المسئولية والرغبة فى المشاركة التى تساعد فى تنمية ونهضة مجتمعه على نحو مستمر ومستدام، وهذا ما يكون لديه شخصيته التى تنسدل من الطابع القومى العام؛ ليمتلك القاسم المشترك من العادات والتقاليد المشتقة من القيم المجتمعية الجامعة.
وبما لا يدع مجالًا للشك فإن أكثر ما يوجه الفئة الشبابية نحو الثقافات المختلفة يرجع لأمرين: أولهما ضعف الوعى الثقافى لديهم، وثانيهما الانبهار ورغبة التقليد فى العادات والممارسات والسلوكيات مرتبطة بالمأكل والمشرب والملبس، مع تجاهل للأمور التى تحدث التبادل الخبراتى فى مجالاتها المفيدة والمتنوعة، ما يستوجب أهمية استلهام النموذج المصرى الذى يحقق نجاحاته فى ثقافات مختلفة محافظًا فى الوقت ذاته على هويته وانتمائه الثقافى والعقدي؛ ليتم تصويب المفاهيم المغلوطة لدى جيل يقع على عاتقه استكمال النهضة والتنمية المستدامة لوطنه.
ولنا أن ندرك بأن الوعى الثقافى يتشكل من روافد عدة؛ منها الجانب الاقتصادى إزاء تفاعله مع مجالاته المتنوعة. ومنها الجانب السياسى والاجتماعى الذى يحمل صور الديمقراطية وما ينسدل من حريات مرتبطة بحقوق وواجبات، وما يستشعره الفرد من رضا ورخاء تترجمه أنماط معيشته. كما أن هناك بعدًا إعلاميًا ذا طابع محلى أو عالمى يتسم بالتنوع وسهولة الولوج إليه؛ بالإضافة إلى المخالطة للثقافات الوافدة وما تحمله من عادات وتقاليد تميزها؛ لذا أضحى تنمية الوعى الثقافى لدى أبناء الوطن أمرًا لا مناص عنه.
ويصعب أن نقلل من دور الإعلام فى تنمية الوعى الثقافي؛ فبواسطته يمكن تقويم السلوك من خلال تصويب المفاهيم الخطأ التى قد تتعدد مصادرها، وبه يمكن تقوية الجانب الإيجابى للسلوك لدى الفرد عبر التعزيز بصوره المختلفة، ومن ثم يساعد الإعلام بتأثيره المستمر والمتنوع على المتلقي؛ ليحدث على المدى البعيد تغيرًا فى البنية المعرفية لدى الفرد، بما يستوجب ضرورة انتقاء الأفكار وأطروحات القضايا التى يتناولها الإعلام؛ لضمان تشكيل وعى ثقافى صحيح.
وينبغى أن تتضافر المؤسسة التعليمية مع المؤسسة الإعلامية الوطنية والخاصة؛ لترسخ الوعى الثقافى القويم الذى يقاوم الفكر الهدام، بما يؤدى إلى تنمية آليات التفكير الناقد والتأملى والتحليلى، ومقدرة الفرد على الاستنتاج والاستنباط، ويتصل هذا أيضًا بالمقدرة على الحوار والمناقشة فى ضوء الآداب والأسس التى تضمن الثمرة المرجوة منها، ومن ثم قبول الآخر على اختلافه، والاعتماد على الشاهد والدليل والمصدر الموثوق فى طرح الرؤى، كى نصل إلى المبتغى ونتجنب فلسفة فرض الرأي.
والمطالع لجهود الدولة المصرية بفضل توجيهات قيادتها السياسية الرشيدة يجد أن السياق الفنى اتجه بقوة نحو تنمية الوعى بصوره المختلفة؛ إذ الاهتمام بتنقية الحس الوجدانى لدى جموع الشعب من خلال نبذ القيم المستوردة والمستحدثة التى تفتك بالثقافة المصرية الأصيلة.
وترجمت الدولة المصرية بفضل توجيهات قيادتها السياسية الرشيدة ذلك بصورة وظيفية من خلال الاهتمام بزيادة الرصيد الفكرى والثقافى لدى الأفراد عبر تدرج السلم التعليمى باختلاف أنماطه، وتم تزويد المكتبات العامة والنوعية بالكتب المرتبطة بهذا الأمر، كما تم تنشيط قصور الثقافة عبر أنحاء الجمهورية لتعضيد الوعى بثقافتنا الرائعة؛ بالإضافة إلى متنوعات الأندية الثقافية التى تعمل على نشر الفكر الثقافى والفن الراقى لدى المهتمين من الجنسين.
إن ما يدحض القيم البالية التى باتت سببًا فى الشتات الفكرى وخطرًا داهمًا على القيم المجتمعية المصرية المتجذرة والتى تشكل المنظومة الثقافية لدولتنا العظيمة ومؤديًا للفوضى، يتمثل فى إحياء الوعى الثقافي؛ لنوجد أجيال تمتلك المقدرة على العطاء والتميز والريادة فى عوالم متعددة الثقافات والرؤى.
حفظ الله شبابنا وقيادتنا السياسية التى تبذل الجهود المتواصلة لرفعة الدولة المصرية ذات الثقافة والتاريخ الذى نفخر به ما حيينا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة