أتوقع فرحة وسعادة أبناء وأحفاد شهداء ملحمة الشرطة المصرية فى الإسماعيلية فى 25 يناير 1952، وأبناء وأحفاد ملحمة بناء حائط الصواريخ المصرى فى 30 يونيو 1970، بعد صدور التوجيه الرئاسى من الرئيس عبد الفتاح السيسى بضم هؤلاء إلى صندوق تكريم الشهداء والمصابين.
فالرئيس السيسى فى اجتماعه مع اللواء محمد أمين، مستشار رئيس الجمهورية للشئون المالية، واللواء السيد الغالى رئيس مجلس إدارة صندوق تكريم الشهداء والمصابين، واللواء أحمد الأشعل المدير التنفيذى للصندوق، استعرض التقرير السنوى لأنشطة الصندوق، والخدمات التى يقدمها لصالح المستحقين من شهداء ومصابى العمليات الحربية والإرهابية، بالتنسيق مع الجهات المعنية فى الدولة، والمبادرات المقترح توجيهها خلال الفترة المقبلة لصالح المستفيدين من الصندوق.
الرئيس فى هذا الاجتماع صدق على ضم شهداء ومصابى العمليات الحربية من وزارة الدفاع فى الحروب السابقة، وشهداء ومصابى العمليات الإرهابية من وزارة الداخلية، بما فى ذلك أسماء الشهداء والمصابين فى معركة الإسماعيلية فى 25 يناير 1952، إلى المستفيدين من الصندوق، وصدق الرئيس أيضاً على ضم الشهداء والمصابين من المدنيين أثناء بناء حائط الصواريخ فى حرب الاستنزاف، إلى الصندوق.
القرار يستحق الإشادة والتحية والتقدير الكبير، ليس فقط لجانب الاستفادة المادية لأسر شهداء ومصابى الملحمة البطولية فى الإسماعيلية التى مر عليها 71 عاما، وملحمة بناء حائط الصواريخ، وإنما مغزى الرسالة الوطنية لأقصى معانى الوفاء ورد الجميل لجميع أبناء مصر من الشهداء والمصابين بمن فيهم من المدنيين الذين شكلوا ملحمة بطولية مع أبناء الشرطة والقوات المسلحة.
الرسالة تعنى أن مصر لم ولن تنسى أبناءها من الذين ضحوا بالروح والدم دفاعا عن الأرض والعرض وعزة وكرامة مصر، ودفعوا "ثمناً غالياً" لتحيا مصر حرة أبية وليحيا الشعب المصرى فى سلام وأمن وازدهار -كما جاء فى بيان الرئاسة.
قرار وتوجيه الرئيس يحمل أيضا معنى ترسيخ قيم الوفاء والانتماء والتضحية من أجل تراب هذا الوطن على مدار تاريخه، خلال السبعين عاما الماضية، وحتى الحرب الشرسة التى خاضها الشعب مع قواته المسلحة وشرطته الباسلة ضد الإرهاب الإخوانى البغيض فى سيناء.
ضم شهداء الإسماعيلية وحائط الصواريخ لصندوق تكريم الشهداء المصابين يعيد للذاكرة الوطنية للأجيال الحالية، سيرة ما جرى فى تلك الأيام العطرة والتى سطرت فيها ملحمة البطولة والتضحية والفداء فى سجل التاريخ بسطور من نور وفخر واعتزاز، وهى مناسبة للتذكير بالملحمة الأولى فى معركة الإسماعيلية حين رفضت قوات الشرطة المصرية تسليم أسلحتها وإخلاء مبنى المحافظة للقوات البريطانية. استخدم البريطانيون كل ما معهم من الأسلحة فى قصف مبنى المحافظة، ومع ذلك قاوم الجنود والضباط المصريون -كان من بينهم الضابط صلاح ذو الفقار- واستمروا يقاومون ببسالة وشجاعة فائقة ودارت معركة بين القوات البريطانية التى بلغ قوامها 7 آلاف جندى مدججين بالسلاح و6 دبابات سنتوريان وقوات الشرطة المحاصرة فى المبنى المكونة من 880 جنديا وضابطا. ولم تتوقف المعركة حتى نفدت آخر طلقة من الجنود والضباط المحاصرين بعد ساعتين من القتال الضارى، واستشهد 52 بطلا وسقط 80 جريحا، وجميعهم من أفراد جنود وضباط قوة الشرطة، إلى جانب عدد آخر من المدنيين مقابل 13 قتيلا و22 جريحا من الجانب البريطاني.
ودافع أبناء الشرطة ببسالة عن المبنى فى معركة غير متكافئة بينها وبين القوات البريطانية واختير هذا اليوم عيدا للشرطة المصرية.
وفى ملحمة بناء حائط الصواريخ قدم أبناء الشعب المصرى من العسكريين والمدنيين تضحيات عظيمة من أجل بناء هذا الحائط لقطع ذراع يد إسرائيل الطولى، وهى سلاح الطيران وعدم اقترابه من القناة لمسافة 15 كيلومترا. كان صراعا شرسا لمنع انشاء هذه التحصينات بين الطيران الإسرائيلى ورجال الدفاع الجوى، ومن خلفهم العمال الأبطال فى الشركات المدنية للإنشاءات فى شركة حسن علام والمقاولون العرب ومختار إبراهيم. لم تكن معركة سهلة ففى كل مرة يتم بناء "الدشم" لحماية الصواريخ كان الطيران الإسرائيلى يقصفها ويدمرها ومعها يستشهد العشرات.
كان الصبر والتحدى والإيمان لمنع العدو من الاقتراب من قناة السويس والعمق المصرى بعد مجزرة بحر البقر ومصنع أبو زعبل هو سلاح المعركة الفارقة لبناء الحائط على طول القناة.
وبلغ تلاحم أبناء الشعب مع قواتهم المسلحة إلى أن سالت دماؤهم معا على الجانب الغربى للقناة، ولم يقتصر دور المدنيين على الأفراد بل امتد ليصل الشركات الوطنية الكبرى وسقط منها مئات الشهداء من العمال والمهندسين والسائقين والفنيين، بعد أن تم استدعاؤهم من فروع الشركة فى محافظات مختلفة للقيام بهذا العامل البطولى، وهو ما حكاه المهندس عثمان أحمد عثمان فى كتابه "تجربتي".
قدمت الشركات الوطنية 500 شهيد من العمال أثناء بناء حائط الصواريخ، وتكلفت هذه الإنشاءات 40 مليون جنيه، فى مدة لا تتجاوز شهرين. تضحيات كثيرة قدمها العمال الوطنيين بتحد وعناد وصبر أمام " سعار إسرائيل" بتدمير كل ما يبنى من قواعد وتحصينات وفى الأخير نجحت وانتصرت إرادة المصريين وتم بناء 100 دشمة لقواعد الصواريخ وتحركت كتائب الصواريخ الى الحائط ومنذ 30 يونيو عام 1970، وأصبح حلم بناء حائط الصواريخ حقيقة على الأرض بدماء المصريين وتضحياتهم. ويومها صرحت رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير بأن: "كتائب الصواريخ المصرية مثل عش الغراب كلما دمرنا إحداها نبتت أخرى". وبشهادة العدو فقد منع هذا الحائط سطوة الطيران الإسرائيلى على الأراضى المصرية وشكل رعبا للعدو.
وفى خلال 5 شهور ما أبريل وحتى 3 أغسطس 1970 استطاعت كتائب الصواريخ المضادة للطائرات من إسقاط وتدمير أكثر من 12 طائرة فانتوم وسكاى هوك وميراج، مما أجبر إسرائيل على قبول مبادرة روجرز لوقف إطلاق النار اعتبارًا من صباح 8 أغسطس 1970. وكان حائط البطولات هو مفتاح النصر المجيد فى أكتوبر 73.
تحية لمواكب الشهداء من المصريين الذين يقدمون الغالى والنفيس من أجل أن تحيا مصر ويحيا المصريين فى عزة وكرامة. وتحية تقدير لقرار الرئيس.