على مدار الأعوام الثلاثة التي تلت يونيو 1967 كان الجنود المصريون يصارعون قبل العدو التصورات المغلوطة عن الجندي المصري والإنسان المصري، مما جعل من بطولاتهم حكايات تؤرق شعب العدو، وهي البطولات التي يحاول العدو حتى الآن فرض مسروداته الخاصة عنها تقليلا من أهميتها، ونشرا لصورة مزيفة حاول تثبيتها طول الوقت وعلى مدار التاريخ.
من هذه البطولات الملحمية كانت معركة شدوان، تلك الجزيرة التي تقع بالقرب من مدخل خليج السويس وخليج العقبة بالبحر الأحمر، وتبعد عن الغردقة 35 كم، وعن شرم الشيخ حوالي 30 كم، وعن السويس 325 كم، وهي جزيرة صخرية غير مأهولة، يبلغ طولها حوالي 16 كم وعرضها حوالي 4.4 كم، وإجمالي مساحتها حوالي 70كم مربع، وكانت تؤمنها سرية صاعقة، كما يتواجد عليها فنار لإرشاد السفن ورادار بحري، حيث إن موقعها الاستراتيجي يجعلها بالقرب من مداخل خليج العقبة وخليج السويس مما يجعلها متمكنة من تهديد الملاحة في كليهما، ومما يجعل من يحتلها يتحكم في تلك المنطقة بسهولة، وهو الأمر الذي جعل العدو يستهدف احتلالها لكي يؤمن الملاحة في خليج العقبة ويؤمن قواته في سيناء.
كان الهدف من الغارة وفقاً لإسرائيل أسر عدد من الجنود المصريين لمقايضتهم بالأسرى الإسرائيليين في مصر وتخريب موقع الرادار البحري، غير أن الهدف الأكثر وضوحا كان احتلال الجزيرة وهو ما نفته إسرائيل بعد هزيمتها في المعركة.
ففي مساء الثاني والعشرين من يناير عام 1970 أغارت قوة إسرائيلية من الجو والبحر على الجزيرة ونجحت في قصف بعض مواقعها وإبرار عدد من جنودها على أرض الجزيرة، غير أن هذه القوات لم تنجح في الهدف الأساسي لها وهو تدمير الرادار الموجود في فنار الجزيرة، كما أن هذه القوات لم تهنأ طوال ست وثلاثين ساعة بلحظة راحة حيث استمرت قوات الصاعقة المتمركزة في الجزيرة في القتال يعاونها إمدادات بحرية وجوية مصرية، ويساعدها صيادو الغردقة الذين كانوا يخاطرون بحياتهم من أجل توصيل الإمدادات إلى الجزيرة.
وبعد قتال عنيف استمر ستا وثلاثين ساعة أجبرت القوة المصرية صغيرة العدد القوات الإسرائيلية التي تقدر بكتيبة كاملة من المظليين على الانسحاب من الأجزاء التي كانت قد احتلتها في الجزيرة، ثم قدمت القوات الجوية المصرية دعمها في المعركة وقصفت المواقع التي تمكن العدو من النزول عليها في شدوان وألقت عليها أطنان من المتفجرات بالاشتراك مع القوات البحرية، مما منع القوات المعادية من مجرد الاقتراب من موقع الرادار البحري الذي يعد هو الهدف الأساسي لهم.
إن بطولة شدوان التي قدم فيها أبطالنا دماءهم فيها راضين لم تكن هي الوحيدة على مدار سنوات الاستنزاف، لكن الرواية الإسرائيلية تحاول تزييف الواقع كالعادة فتدعي أن احتلال الجزيرة لم يكن هدفا لهم وبالتالي فكل الخسائر المصرية هي من ضمن مستهدفاتهم، وهي الرواية التي يحاولون بها تخفيف أثر صمتهم من بسالة المصريين، لكن هذه المسرودة التي تقف فيها الروايتين أمام التاريخ تستدعي منا أن نفتش عن بطولاتنا لكي لا يشوهها الأعداء، ولكي نحفظ لدماء أبنائنا الحق في ذكر حقيقة ما قاموا به.
فلتكن إذن دعوة لصناع السينما والدراما التليفزيونية ليعيدوا إنتاج تلك الملاحم على الشاشة في صورة فنية لا سيما وأن بها من عناصر الصراع المشوق الكثير الذي يمكن البناء عليه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة