وصلت سيدة الغناء العربى أم كلثوم إلى الإسكندرية صباح 29 أغسطس 1967 قبل يومين من حفلها فى المدينة لصالح المجهود الحربى يوم 31 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1967، واستقبلها محافظها حمدى عاشور، ومساعد مدير الأمن العميد عبدالحليم حتاتة، الذى طلب إليها وبشكل خاص أن تشدو بقصيدة الأطلال فى الحفل المنتظر، فوعدته بذلك، حسبما يذكر «كريم جمال» فى كتابه «أم كلثوم وسنوات المجهود الحربى».
كان حفل الإسكندرية هو ثانى حفلات أم كلثوم التى اعتزمت تقديمها فى المدن المصرية بعد هزيمة يونيو 1967 لجمع مليون جنيه، دعما للمجهود الحربى، ويصف كريم جمال أجواء المدينة وقتئذ قائلا: «الثغر لم تكسره الهزيمة ولم تبدل روتينه المعتاد، وفود المصطافين تملأ شواطئ المدينة، وشوارعها التى لا تنام صيفا، حملة فى كنائس الإسكندرية للتبرع بالذهب دعما للمجهود الحربى، فتيات المدينة يرتدين الزى العسكرى ويقتحمن النيران ويحضرن قنابل المولوتوف، ويقذفن القنابل اليدوية ويتخطين موانع الأسلاك، بعدما نظم لهن مركز التدريب الملحق بمعهد التربية البدنية تلك التدريبات لتخريج دفعة من قائدات المقاومة الشعبية.
اللواء محمد البشبيشى، نائب مدير أمن الإسكندرية، يصرح لصحيفة الأخبار بأن جنود المدينة وضباطها تنازلوا عن مرتباتهم لتضاف إلى باقى تبرعات الإسكندرية، التى ستسلم إلى أم كلثوم فى نهاية الشهر لصالح المجهود الحربى، بينما قال العميد عبدالحليم حتاتة، مساعد مدير الأمن: إن هذا الحفل سيكون من الحفلات النموذجية التى تحييها أم كلثوم من أجل تخطى العدوان بعد أن بلغت إيرادات الحفل قبل موعده بأسبوعين ما يزيد على عشرين ألف جنيه، ووصل ثمن التذكرة الواحدة إلى عشرين جنيها فى الدرجة الأولى».
كانت أم كلثوم فى انتظار حفلها بالعاصمة الفرنسية باريس فى نوفمبر 1967، ويذكر «جمال»: «وصلت بعثة مكونة من ستة خبراء فى التليفزيون الفرنسى موفدين من وزارة الثقافة الفرنسية لتصوير الحفل، وعرض لقطات مصورة لأم كلثوم فى أشهر برنامج للمنوعات فى فرنسا، ويعرف باسم «من قريب» للترويج لرحلة أم كلثوم الغنائية الأولى فى أوروبا، ورافق البعثة المترجم الدكتور على السمان رئيس وكالة أنباء الشرق الأوسط.
كان الحفل فى استاد المدينة، ويؤكد «جمال» أن أعضاء البعثة الفرنسية ذهلوا عندما علموا أن الذين سيحضرون 12 ألف متفرج، فكانت هذه هى أول مرة يرون فيها مطربة تغنى لهذا العدد الضخم من المستمعين فى حفل واحد، يضيف «جمال»: «منذ العاشرة مساء والمدنية تفتح ذراعيها للقاء المرتقب، ويخفت ضوء المدينة تدريجيا ما عدا أنوار المنطقة المحيطة بالاستاد، التى تلألأت بأضواء باهرة تعكس فرحة الثغر وشعبه بالنغم الحلو ومجهوده الوطنى».
بعد دقائق من توافد الجماهير على الاستاد، وصل الليثى عبدالناصر، شقيق الرئيس جمال عبدالناصر، وجميع أفراد أسرة الرئيس المقيمين فى الإسكندرية، وجلسوا فى الصف الأول بجوار مقاعد كبار رجال المحافظة ومديرية الأمن، ويذكر «جمال»: «فى الساعة الحادية عشرة إلا الثلث انفرج الستار عن السيدة أم كلثوم وفرقتها الموسيقية، وبدت أم كلثوم متألقة بفستان من الدانتل الأخضر المطرز بالقصب، وصعد العميد عبدالحليم حتاتة، مساعد مدير أمن المحافظة، ليقدم أم كلثوم إلى جماهير الإسكندرية، ويعلن منحها مفتاح المدينة وشهادة تقدير، ودعا محافظ الإسكندرية حمدى عاشور للصعود إلى المسرح ليسلمها بنفسه مفتاح المدينة نيابة عن مليونى مواطن سكندرى، ويعلن عن مجموع التبرعات التى ستقدمها الإسكندرية فى حملة أم كلثوم لصالح المجهود الحربى».
قال عاشور: «أيها المواطنون، باسم الإسكندرية مدينة العلم والمعرفة والفنون، باسم الإسكندرية بطوائفها وهيئاتها، يسعدنى أن أرحب وأحيى فنانة الشعب السيدة أم كلثوم، كما يشرفنى أن أعلن أن مجموع تبرعات السيدة أم كلثوم فى مجهودها للإسهام فى المجهود الحربى بلغت 100 ألف جنيه مصرى، وبذلك أصبحت حصيلة مدينة الإسكندرية أكثر من 400 ألف جنيه مصرى».
يصف «جمال» رد فعل الجماهير حين أعلن «عاشور» عن رقم التبرعات، قائلا: «ماج الاستاد بالتصفيق لتلك الحصيلة، التى تخطت حصيلة تبرعات الحفل الأول للمجهود الحربى، الذى أقامته أم كلثوم منذ أيام فى مدينة دمنهور، وصفقت أم كلثوم للجماهير المحتشدة تحية منها لدورهم فى الاستجابة السريعة لحملتها الكبرى، وتسلمت من حمدى عاشور إيصالات التبرعات التى وقعت عليها وسلمتها بدورها إلى مندوب بنك القاهرة».
تابع «عاشور» كلمته موضحا تفاصيل المبلغ، قائلا: «إيرادات وتبرعات هذا الحفل بلغت 64 ألف جنيه مصرى، بالإضافة إلى ثمن 40 كيلو من الذهب قيمتها 36 ألف جنيه، تقدم بها تجار الصاغة والجواهرجية بالإسكندرية وسيدات الجمعيات الاجتماعية والخيرية بالمحافظة، وشرف لى أيها الإخوة أن أتلو عليكم شهادة التقدير التى منحناها من محافظة الإسكندرية للسيدة أم كلثوم».
وتلا «عاشور» كلمته، واستمر الحفل حتى الساعة الرابعة صباح اليوم التالى.. فماذا جرى فيه؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة