انقسم من شاهدوا فيلم أوبنهايمر Oppenheimer إلى نوعين، بين إعجاب كبير، وسوء فهم، وبعض من شاهدوا فيلم أوبنهايمر انتابتهم الحيرة، وربما وجدوا بعض الصعوبة فى تفهم سير الأحداث التى تمشى فى خطوط موازية وفلاش باك، مع تحقيق أمام لجنة، وتشكيك فى انتماءات أوبنهايمر السياسية، خاصة ناحية اليسار. وتأتى الصعوبة من أهمية أن يكون المتفرج ملمًا ببعض من تاريخ الفيزياء، وعلمائها، من نيلز بور إلى ماكس بلانك، وهايزنبيرج وبالطبع ألبرت أينشتاين، وكلهم أصحاب أهم نظريات الفيزياء التى انتهت بإنتاج الطاقة النووية التى بدأت حربًا ورعبًا.
فيلم Oppenheimer كتبه وأخرجه كريستوفر نولان عن كتاب السيرة الذاتية بروميثيوس الأمريكى، تأليف كاى بيرد ومارتن ج، وتركز القصة فى الغالب على دراسات أوبنهايمر المبكرة، وإدارته لمشروع مانهاتن خلال الحرب العالمية الثانية، ثم فقده لحظوته بعد جلسة الاستماع الأمنية سنة 1954، وعلاقة أوبنهايمر مع لويس ستراوس، عضو هيئة الطاقة الذرية الأمريكية الذى كان يرى أوبنهايمر خصمًا له. الفيلم بطولة كيليان مورفى فى دور أوبنهايمر، وروبرت داونى جونيور بدور ستراوس، وإيميلى بلنت ومات ديمون وفلورنس بيو وجوش هارتنت وكيسى أفليك ورامى مالك وكينيث براناه.
فيلم أوبنهايمر يتبنى إحدى الروايات فيما يتعلق بصناعة وإنتاج القنبلة النووية التى ألقيت على هيروشيما ونجازاكى اليابانيتين، وأن أوبنهايمر يدفع نحو الإسراع فى إنتاج القنبلة النووية، ليسبق مشروعًا ألمانيًا نازيًا، بينما يتم سؤاله حول انتمائه إلى اليسار بما قد يعنى تسريب الأسرار النووية إلى روسيا، بينما يؤكد أنه بالفعل تعرف على الأفكار الشيوعية والتى كانت سائدة وقتذاك.
يقود أوبنهايمر مشروع مانهاتن لتطوير قنبلة ذرية انطلاقًا من فرضية أن النازيين يعملون على برنامج للأسلحة النووية ويجمع فريقًا علميًا فى لوس ألاموس، نيو مكسيكو لإنشاء القنبلة بسرية، بزعم إنقاذ العالم، بينما يصنعون رعبًا يغير العالم بالفعل ويفرض خوفًا من إنهاء البشر الآثار العالمية المحتملة، ومنها مناقشة مع ألبرت أينشتاين حول نظرية فى تفجير تفاعل متسلسل يمكن أن يدمر العالم بأكمله.
عندما تستسلم ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية، يشكك بعض علماء المشروع فى أهميته، ومع ذلك، يستمر المشروع على أى حال، ويشير الحوار إلى أن اليابان فى طريقها للاستسلام، لكن تسير الولايات المتحدة فى مشروع القنبلة، وقبل مؤتمر بوتسدام يقرر الرئيس هارى ترومان، إلقاء قنابل ذرية على مدينتى هيروشيما وناجازاكى فى اليابان، والتى تستسلم، ويتم تمجيد أوبنهايمر باعتباره «أب القنبلة الذرية»، فى الفيلم يلتقى أوبنهايمر مع ترومان ويعبر عن صدمته من الدمار الذى صنعته القنبلة. لكن ترومان يبرئ أوبنهايمر، والواقع أن هناك بالفعل من يرى أوبنهايمر هو مجرم الحرب الحقيقى، والذى صنع الموت، بينما فى أحد الحوارات يقول له «أنت تصنع القنبلة ولست من يلقيها»، وفى حوار آخر «أنت لا تصنع سلاحًا جديدًا.. أنت تصنع عالمًا جديدًا».
ومن خلال علاقاته يعارض أوبنهايمر التطور النووى المستقبلى، خاصة القنبلة الهيدروجينية من قبل إدوارد تيلر، ويتناول الفيلم الغيرة من أوبنهايمر ومحاولة الزج بعلاقاته مع الشيوعية، خاصة أنه لم يكن يرى الخطر من الاتحاد السوفيتى، مع بدايات الحرب الباردة ويضاعف من الشك انخراط شقيقه فرانك فى الحزب الشيوعى فى وقت سابق، وارتباطه بتاتلوك، مع كراهية لويس ستراوس الذى يستغل علاقة أوبنهايمر باليسار فى جلسة استماع مصممة لإزاحة أوبنهايمر عن النفوذ السياسى، ويخونه تيلر وشركاء آخرون وينتهى الأمر برفض إدانته، بعد تصويت ج اف كينيدى.
الفيلم بخطوطه المعقدة يحاول تبرئة أوبنهايمر، من جريمة صنع سلاح نووى، ويرى أن القنبلة النووية كانت قرارًا أمريكيًا، لا علاقة مباشرة له بالحرب العالمية، لكنها كانت تحمل أولى رسائل الحرب الباردة. خاصة أن اتهام أوبنهايمر بالشيوعية كان فى جزء منه يشير إلى احتمالية تسريب أسرار القنبلة للسوفييت، رغم أن الفيلم نفسه يقدم روايات عن أن السوفييت يسارعون فى أبحاثهم لتصنيع القنبلة النووية قبل الولايات المتحدة.
وهناك رواية أمريكية تحاول القول إن بعض علماء المشروع النووى الأمريكى سربوا الأسرار للسوفييت حتى لا يبقى السلاح النووى فى يد طرف واحد، وحتى يكون هناك توازن يمنع تكرار ما جرى فى اليابان، طبقًا لنظرية توازن الرعب.
الفيلم يقدم وجهة نظر، من وجهات متعددة، ومحاولة للقول إن الموت النووى يصنعه العلماء، لكن يقرره الساسة، وأن ترومان كان يلقى بالقنبلة فى وجه السوفييت وستالين، خاصة أن الحرب انتهت، والفيلم فصل من فصول حكايات صناعة الموت والرعب فى عالم لم يتوقف عن سباقات الموت.